«مهرجانات بيت الدين» تستقبل رمضان بالإنشاد الديني مع جوليان فايس

حفل إسلامي - مسيحي للاحتفاء بالسيدة مريم

حفل «بيت الدين» وجوليان أو جلال الدين فايس
TT

استقبلت «مهرجانات بيت الدين» شهر رمضان المبارك بليلة من الإنشاد الديني الذي جمع مسلمين ومسيحيين، في أجواء تسامحية صوفية، التقت فيها تراتيل الكنيسة الأرثوذكسية مع أصوات منشدي حلب، وموسيقى فرقة الكندي الشرقية وابتهالاتها مع فتلة المولوية التي قدمها الدراويش.

اجتمع هؤلاء الفنانون الآتون من بلدان مختلفة وخلفيات دينية متباينة تحية للسيدة مريم، بحيث قدم المسلمون رؤيتهم، كما أنشد المسيحيون على طريقتهم، واختلطت الأصوات المنتمية إلى دينين والتي قررت أن تلتقي على ما يجمع لا ما يفرق.

وفي الباحة الرئيسية لقصر الأمير بشير التاريخي بمعماره الشرقي وقناطره وأعمدته المهيبة، أقيم الحفل يقوده الموسيقي وعازف القانون الفرنسي جوليان (جلال الدين) فايس الذي تعرف على الموسيقى العربية على يد أساتذة كبار، بينهم منير بشير عام 1976، بعد أن كان فايس عازفا للغيتار، فاعتنق الإسلام وأخذ في تعلم العزف على القانون، وأقام في حلب، ثم أسس فرقة الكندي للعزف الشرقي عام 1983. هذا الحفل الإنشادي الجامع كان قد أقيم في فاس، وباريس، وليسبون، ومدن أخرى، قبل أن يحط رحاله في «بيت الدين».

افتتح الحفل بغناء بيزنطي كورالي من دون مصاحبة موسيقية للجوقة البيزنطية لأثنيا تروبوس، ثم عزفت فرقة الكندي موسيقاها، فيما بدأ الدراويش يدورون بأرديتهم البيضاء المعروفة، في فتلة طويلة، لإدخال الجمهور في حالة من الاندغام في الأجواء الصوفية. وتناوب على الإنشاد الإسلامي بكير بويوكباشافيز مؤذن جامع السلطان فتحي في اسطنبول بصوته الرائع كما الشيخ أحمد حبوش مترنما بسيرة السيدة مريم قائلا «نسّم نفح الطيب مريمكم ومريمنا»، ورافقه في الغناء منشدون حلبيون.

استمع الحاضرون لإنشاد مسيحي بيزنطي من القرن السابع عشر، وقصائد صوفية، وتقاسيم منفردة على العود أو القانون، وتقاسيم عثمانية. لكن اللحظة الأكثر تأثيرا وإبهارا في هذا الحفل الديني الإسلامي - المسيحي المشترك على أبواب شهر رمضان، كانت تلك اللحظة التي جلس أثناءها المؤذن التركي الآتي من اسطنبول ليتلو مقاطع من سورة مريم كما وردت في الكتاب الكريم، بصوت هز الحاضرين. وتلا بكير بويوكباشافيز على الحاضرين «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا. قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا. قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا. قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا». وفي المقابل رتلت منشدة أخرى بديعة الصوت هي الأخرى مقاطع من الإنجيل حول حمل السيدة مريم في عيسى المسيح. وفي نهاية الحفل أقيم ما يشبه الذكر، حيث رتلت الجوقة البيزنطية فيما كان الصوفيون يرددون «لا إله إلا الله» بتنهدات قوية وزفرات رنانة.

هذه ليست المرة الأولى التي يستمع فيها المسلمون والمسيحيون في لبنان لأناشيد تستحضر حياة السيدة مريم بشكل مشترك. فمنذ أقر رسميا ما سمي بعيد البشارة، في مجلس الوزراء عام 2010، اعتبر يوم 25 مارس (آذار) من كل عام يوم عطلة رسمية تقام فيه احتفالات تربوية ودينية مشتركة بين الديانتين في مختلف المناطق اللبنانية. وعيد البشارة يحتفل به في اليوم الذي بشرت فيه مريم بولادة ابنها عيسى، حيث يعتبر رأس الأعياد المسيحية، وبات يشاركهم فيه المسلمون لما للسيدة مريم من مكانة في الإسلام أيضا.

وحفل الأمس كانت له ميزته، ليس فقط لأنه يستدعي أجواء روحانية دينية، لكن لأنه أيضا يقام بقيادة رجل أوروبي عشق الموسيقى الشرقية، والأجواء الإسلامية، وجاء بثقافته وخلفيته الأوروبية ليندمج في هذه الأجواء. وجوليان (أو الشيخ جلال الدين كما يسميه البعض، وهو من أب ألزاسي فرنسي وأم سويسرية) أحد أهم المروجين للتراث الشرقي الموسيقي في أوروبا، ووجوده في لبنان لم يكن الأول، لكنه هذه المرة اكتسب طابعا خاصا.

ومع حفل عازف الدرامز الشهير لويس هايز مع فرقته، والذي أقيم في بعلبك مساء السبت أيضا، تكون المهرجانات الصيفية الكبيرة قد أنهت برنامجها لهذا العام، فيما تبقى حفلة واحدة تقام في رمضان في «بيت الدين»، وهي لمغنية المقام العرقي فريدة بصحبة عمر منير بشير على العود.