«مليونيات» الإفطار وفانوس «الدبابة».. أبرز ملامح «رمضان الثورة» في مصر

«ميدان التحرير» يستعد لفعاليات مختلفة.. والأسواق تخشى الكساد بسبب الغلاء

بائع فوانيس يستعد لاستقبال الزبائن بمناسبة قدوم شهر رمضان (رويترز)
TT

كونه أول شهر رمضان يمر على المصريين بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، اختلفت ملامح الشهر الكريم بعد أن اصطبغت مفرداته، مثل التمور والياميش والفوانيس، بروح الثورة.. كما يستقبل المصريون الشهر الفضيل بشكل مختلف أيضا، حيث اتفق بشكل غير معلن أن رمضان هذا العام هو «رمضان الثورة».

هذه الروح انعكست على استعدادات الأسواق التجارية من حيث توفير السلع الغذائية المطلوبة وياميش رمضان خاصة من التمور، أو البلح كما يطلق عليه المصريون. وفي كل عام تتفنن أسواق البلح في إطلاق مسميات مختلفة على أنواع البلح تكون مستقاة من الأحداث المحلية أو العالمية أو أسماء المشاهير ونجوم المجتمع في محاولة لإنعاش حالة البيع والشراء خلال شهر رمضان، وبالطبع كانت أحداث الثورة المصرية هي نجمة أسواق البلح هذا العام.

فزيارة إلى إحدى هذه الأسواق يمكنك خلالها أن تجد بلح «الشهداء» إشارة إلى شهداء الثورة، وهو أعلى الأنواع جودة لذلك فسعره مرتفع حيث يتراوح بين 35 إلى 40 جنيها (نحو 7 دولارات)، يليه بلح «جمعة الغضب» في إشارة إلى يوم 28 يناير الذي اشتعلت فيه الثورة الشعبية في جميع المحافظات المصرية، وهناك بلح «التنحي» ويقصد به الحدث الأهم في الثورة بتنحي الرئيس السابق مبارك عن السلطة، وبلح «التحرير» ويقصد به ميدان التحرير مسرح أحداث الثورة المصرية، كما توجد أنواع أخرى مثل «شباب الثورة» و«الحرية»، أما الطريف فهو إطلاق مسمى «مساجين طرة» على أقل الأنواع جودة، وهو إشارة إلى رجال النظام السابق سجناء سجن مزرعة طرة بجنوب القاهرة.

أما باقي مكونات الياميش مثل الفستق وعين الجمل والبندق والتمر هندي وقمر الدين والتين المجفف، فلم تصبها أسماء مستوحاة من أجواء الثورة. لكن الملاحظ ارتفاع أسعار هذه المكونات وكذلك التمور، وهو ما يشير إليه التجار حيث يرون أن السوق المصرية تشهد هذا العام حالة ركود غير معتادة قبيل شهر رمضان، بسبب ضعف الإقبال على البضائع والسلع الموسمية، وذلك في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

وأمام ذلك أطلقت حركة «مواطنون ضد الغلاء» حملة بعنوان «لازم نعيش من غير ياميش» لمقاطعة ياميش رمضان على خلفية أزمة تناقص رصيد النقد الأجنبي بالبنك المركزي واحتياج المواطنين للسلع الضرورية. حيث طالبت المصريين بوجوب فرض سياسات تقشف ومقاطعة الياميش، الذي يعتبر سلعة ترفيهية يمكن الاستغناء عنها. وهو ما جعل رئيس الوزراء المصري يطلب من وزراء حكومته ضرورة العمل الفوري على ضبط أسعار السلع بالأسواق، ومواجهة الارتفاعات في أسعار السلع التموينية بما يخفض الأسعار خاصة مع دخول شهر رمضان المبارك.

لم تقتصر تداعيات الثورة على التمور فقط، بل امتدت أيضا إلى «فانوس رمضان»، أشهر المفردات المميزة للشهر الكريم، حيث احتفل تجار الفوانيس هذا العام بأول رمضان بعد الثورة، وظهر هذا الاحتفال على شكل الفانوس الذي يحمل ألوان العلم المصري الأحمر والأبيض والأسود، والذي يطلق عليه باختلاف أحجامه وأشكاله مسميات «فانوس الثورة»، أو «فانوس التحرير»، كما تطورت أشكال أخرى للفانوس من وحي الثورة أيضا، حيث ظهرت فوانيس على هيئة «دبابة عسكرية»، وجميعها يطلق الموسيقى والغناء خاصة أغاني رمضان الشهيرة مثل «وحوي يا وحوي» و«رمضان جانا».

يقول أحد باعة الفوانيس لـ«الشرق الأوسط»: «شكل الفانوس لم يعد تقليديا ويتأثر بالأحداث المحيطة، فكما كان في الأعوام السابقة يوجد فانوس نجوم كرة القدم المصريين، مثل فانوس أبو تريكة وحسن شحاتة وجدو، أصبح شكل فانوس هذا العام مرتبطا بثورة 25 يناير، فظهر (فانوس التحرير) نسبة إلى ميدان التحرير، وسعره يتراوح بين 15 إلى 20 جنيها، أما الفانوس الذي يتخذ شكل الدبابة العسكرية فيتراوح سعره بين 40 إلى 60 جنيها حسب حجمه».

ملامح شهر رمضان هذا العام لم تعد مقصورة على زينة الشوارع أو السرادقات التي تقام أمام المساجد، حيث بدأت هذه الملامح تنتقل إلى ميدان التحرير، خاصة مع استمرار المعتصمين في الميدان ونيتهم في استمرار الاعتصام خلال شهر رمضان في حالة عدم تنفيذ مطالب الثورة التي ينادي بها الثوار، حيث قام عدد من المعتصمين بميدان التحرير بتعليق فانوس رمضان كبير الحجم بوسط الميدان وذلك احتفالا بقدوم الشهر الكريم، وقام آخرون بتعليق زينة رمضان، كما بدأ الباعة الجائلون الذين يتخذون من ساحة الميدان مصدرا لكسب قوت يومهم في بيع فانوس رمضان.

ومن المنتظر أن يتحول الميدان خلال شهر رمضان إلى مكان تجتمع فيه مظاهر الشهر الكريم، حيث موائد الإفطار الجماعية وصلاة التراويح وسط الميدان، إلى جانب عقد الأمسيات الرمضانية خلال ليالي الشهر، خاصة بعدما تحول الميدان منذ ثورة 25 يناير إلى مكان يلتقي فيه الفنانون والمبدعون وأصحاب المواهب الأدبية. حيث انطلقت عشرات الدعوات من خلال النشطاء والمواقع الاجتماعية على شبكة الإنترنت لتنظيم «مليونيات» الإفطار والتراويح، من بينها حملات «مليونية في التحرير أول جمعة في رمضان»، و«أول جمعة في رمضان إفطار جماعي في ميدان التحرير وكل ميادين مصر»، و«ليلة القدر 27 رمضان في ميدان التحرير وصلاة التراويح».

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في مصر، استغلت التيارات السياسية في مصر شهر رمضان في التقرب إلى طوائف المصريين، فالكل يتسابق للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين البسطاء، وكوسيلة جذب مختلفة تم اللجوء إلى توزيع «شنطة رمضان» التي تضم سلعا تموينية مثل الأرز والسكر والزيت والياميش، أو تقديم أنشطة اجتماعية وأعمال خيرية للمواطنين البسطاء خاصة في الحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية، وكذلك المحتاجين والمساكين والأرامل والأيتام في شتى محافظات مصر.

أما معارض السلع التموينية فأصبحت وسيلة هي الأخرى لتقرب بعض الأحزاب والقوى من المصريين، وغرضها توفير السلع الأساسية لأهالي كل منطقة بسعر التكلفة دون تحقيق أي هامش للربح.

من الملامح الأخرى التي تميز الشهر الكريم في مصر المأكولات المرتبطة بشهر الصيام مثل الكنافة والقطايف، إلى جانب المخللات، التي يكون لها أسواقها المتخصصة، وإلى الآن لم يتبين هل ستتأثر مبيعاتها أم لا وسط حالة الغلاء التي تعيشها مصر.

كذلك يصيب الغموض رواج «الخيام الرمضانية» التي تعد من السمات المميزة لشهر رمضان الكريم، وهي تعد ملتقى العائلات التي تهوى السهر في الجو الرمضاني حتى السحور، وتهتم بها الفنادق والأندية الكبرى في القاهرة على وجه الخصوص، والغموض يأتي في ظل حالة الغياب الأمني عن الشارع المصري، إلى جانب قلة عدد السياح العرب في مصر هذا العام، الذين يشكلون عددا كبيرا من زائري هذه الخيام.

ولا يقتصر الاستعداد للاحتفال بـ«رمضان الثورة» على المستوى الشعبي فقط، فعلى المستوى الرسمي أطلقت هيئة تنشيط السياحة المصرية «مهرجان فوانيس رمضان 2011»، وذلك للسنة الثانية على التوالي، وفي إطار الجهود المبذولة لتنشيط حركة السياحة الوافدة إلى مصر من السوق العربية، ويتضمن المهرجان تقديم العروض الفنية الدينية والفلكلورية الرمضانية، وتشترك فنادق بالقاهرة والإسكندرية والمدن السياحية في المهرجان، حيث تقدم العديد من التطبيقات لتعزيز شعور الزائر بروح رمضان، بالإضافة إلى تقديم عروض خاصة للإقامة للأسرة العربية خلال رمضان.

كما أعلنت وزارة الثقافة عن فعاليات وبرامج متعددة يشهدها الشهر الكريم، حيث تجتذب محبي الثقافة والفنون وتكون عنوانا مميزا للشهر الكريم، حيث تحرص الوزارة هذا العام على أهمية أن تتوافق هذه البرامج الثقافية مع اللحظة التاريخية الراهنة التي تعيشها مصر بعد الثورة، وأن تضع كذلك في الاعتبار عظمة الشهر الكريم.

وتشهد مصر خلال ليالي شهر رمضان باقة من أنشطتها الثقافية والفنية المتنوعة للجمهور المصري متضمنة ندوات وحفلات وعروضا فنية وشعبية وإقامة المعارض الفنية والتشكيلية ومعارض الخط العربي ومعارض الحرف البيئية وتنظيم الورش المتخصصة والمتنوعة كورش التنمية البشرية وتنمية آليات التفكير، إلى جانب تنظيم مهرجان «محكى القلعة»، وكذلك التقليد الجديد لهذا العام حيث تنفيذ معرض للكتاب يستمر طوال شهر رمضان المبارك.