الدرعية تعيد 180 قصرا تاريخيا سعوديا للواجهة من جديد

اليونيسكو صنفتها كثاني موقع سعودي يدخل قائمة التراث العالمي

أعمال الترميم التي طالت مواقع عدة في الدرعية وقصور حي الطريف لتكون شاهدة على التاريخ السعودي («الشرق الأوسط»)
TT

الدرعية، بما تحويه من مواقع تاريخية سعودية، تشهد حاليا أعمالا ترميمية لا تهدأ، بعد أن صنفتها المنظمة العالمية المسؤولة عن التراث والثقافة على المستوى العالمي ضمن أهم المواقع التاريخية، بل وأدخلتها كثاني موقع سعودي لقائمة التراث العالمي.

ومن المفترض، أن تُدخل الدرعية، وهي بلدة تقع بواحتها الشهيرة على بعد 20 كيلومترا شمال غربي الرياض، على ضفة وادي حنيفة وهو أهم وادي في الوسط السعودي، قصة 180 قصرا تندرج تحت حي طريف، لتكون تلك القصور شاهدة على التاريخ السعودي القديم، بما تكتنزه من شهادة على العصر، ولتكون نبراسا يحكي قصة الأجداد، وقصصا مترابطة في توحيد المملكة. وقد كانت الدرعية القديمة مستقلة إداريا داخل إمارة منطقة الرياض.

وكان لتصنيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) منطقة الدرعية (شمال غربي العاصمة السعودية الرياض)، الأثر في عزم جهات سعودية مهتمة بالشأن التراثي والتاريخي، لإعادة ترميم المنطقة التي تحكي تاريخ السعودية القديم، باحتوائها على قصور ومنازل، من شأنها أن تكون شاهدة على الإرث السعودي الخاص.

ويعود أقدم أجزاء البلدة القديمة (غصيبة) إلى أواسط القرن التاسع الهجري (السادس عشر الميلادي).

وقد كانت الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى، وبنيت أغلب البنايات من اللبن (الآجر الطيني)، غير أن هناك استخداما كثيرا غير شائع للحجارة، ليس فقط في الأساسات، بل لبناء الجدران والأعمدة. ولعل العلامة المميزة لعدد من هذه القصور، وخصوصا في الجزء الشرقي من الموقع، هو وجود مصدات هوائية وسط الجدار، وهذه الزخرفيات علامة مميزة ومهمة لهذه المدينة.

وتجدر الإشارة إلى أن قصور الدرعية ومعالمها التاريخية سجلت حضورها في قائمة التراث العالمي، بعد اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) كأحد مواقع التراث العالمي، لتصبح قرية الدرعية التاريخية، وتحديدا حي الطريف، ثاني موقع سعودي يدخل ضمن قائمة التراث العالمي بعد مدائن صالح.

وفور إعلان «اليونيسكو» انطلقت أعمال الترميم والتأهيل للدرعية التاريخية شاملة الأحياء، والبيوت والمساجد والطرق والمدارس، والأسوار على مراحل 3 رئيسية. وهي تطوير «حي الطريف، وحي البجيري، ومشاريع الطرق والمرافق العامة».

ويحتوي حي الطريف على 180 مبنى، بما في ذلك القصور التي رمم بعضها والمباني التي أعيد بناؤها التي تشمل قصورا ومساجد وسور المدينة. وما زال الترميم قائما في بعض مباني الحي، على الرغم من أنه لا توجد استخدامات جديدة تم التعرف عليها للبنايات القديمة، وأغلب البنايات الباقية هي منازل ذات غرف صغيرة، ويتطلب البناء التقليدي باللبن صيانة مستمرة نظرا لهشاشته وللحد من التهدم.

ويمتلك حي الطريف إضافة لأهميته العالمية وموقعه الجغرافي المطل على وادي حنيفة، المباني الشاهقة، والطرق الواسعة، والقصور ذات الطوابق المتعددة مثل قصر سلوى، وقصر سعد بن سعود، وقصر ناصر بن سعود، وقصر الضيافة التقليدي، بالإضافة إلى جامع الإمام محمد بن سعود، والسور السميك الذي يحيط بالحي من كل اتجاه والذي تتخلله أبراج عالية لها شقوق بهدف المراقبة والحماية.

ويعد حي الطريف واحدا من المواقع التراثية المبنية من الطين الممزوج بحس مرهف الجمال، حيث يتميز الحي بجمال فني، وطراز معماري متفرد باستخدام الزخرفة المبتكرة، واتباع الأسلوب النجدي في استخدام الجبس والحجر، وشجر الأثل، وسعف وجريد النخيل. واعتمدت مشاريع التأهيل والترميم والإنشاء وفق منهجية محددة لتطبيق محددات الحفاظ على التراث في مشاريع الترميم والتأهيل، تماشيا مع اشتراطات «اليونيسكو» العالمية في حماية مواقع التراث الثقافي، بهدف إبراز الحي كموقع تاريخي أثري متحفي.

وبدأت إجراءات الترميم في الحي على أربعة مستويات، الأول ويشمل ترميم كامل المباني، والثاني إعادة تأهيل المبنى لاستخدامات متحفية وإدارية، والمستوى الثالث ترميم الأطلال مع إبقاء عناصر المبنى وتدعيمها وحمايتها من التدهور، أما المستوى الرابع فهو ترميم واجهات المباني المطلة على الشوارع والممرات لتزيينها للزوار.

وتخضع بعض المواقع في الحي لمشروع تنقيب أثري من أجل استكشاف القواعد ليكون الترميم قائما على الأساس الأصلي، وكانت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض قررت إنشاء 5 متاحف في قرية الدرعية الأثرية، يجري ذلك بالتوازي مع البرنامج التطويري للدرعية التاريخية. وخصص قصر سلوى متحفا كاملا للدرعية، يوضح لزائريه تاريخ الدولة السعودية الأولى، وتاريخ القصر وذلك عبر المواد الإعلامية والإعلانية، كاللوحات والأفلام الوثائقية والمجسمات والرسوم التوضيحية، بالإضافة إلى المعروضات والقطع التراثية، وأطلال قصر سلوى من الخارج، عن طريق عرض درامي بوسائط عرض بصرية وصوتية وباستخدام تقنيات الضوء والصوت ومجموعة من المؤثرات. أما المتحف الثاني فهو يهتم بالحياة اليومية في الدرعية بعرض جوانب من العادات والتقاليد المزدهرة آنذاك، ويتضمن معرضا لطرق البناء التقليدية ومجموعة من المباني الطينية المرممة والمهيأة للإيجار اليومي.

بينما يركز المتحف الثالث على الجانب العسكري حيث يبرز أدوات الحرب والمعارك والكثير من الجوانب الحربية في ذلك الوقت. فيما خصص عرض متحفي مستقل داخل قصر ثنيان بن سعود يعرض لزائريه، كيف كان وضع الدفاع عن الدرعية في تلك الحقبة.

ويأتي متحف الخيل العربية وهو الرابع مركزا على التعريف بالخيول العربية، وطرق رعايتها في فترة ازدهار الدرعية، ومدى الاهتمام بها الذي لاقته، ويقع المتحف بجوار قصر الإمام عبد الله بن سعود، بالإضافة إلى اصطبلات للخيل. وكان الجانب الاقتصادي هو الهدف الرئيسي للمتحف الخامس الذي يحكي تاريخ بيت المال في الدرعية وعملاته وموازينه وأوقافه.

وفي الجانب ذاته، فقد تم تخصيص عدة مواقع بطراز تراثي لاستقبال الزوار والسياح لحي الطريف وإرشادهم للتعريف بالعروض والبرامج السياحية والثقافية الموجودة في الحي، إضافة لزيارة «دكاكين» متخصصة لبيع المنتجات التقليدية والمصنوعات الحرفية المحلية، ومواقع أخرى للمطاعم والترفيه.

ويضم قصر إبراهيم بن سعود مركزا لتوثيق تاريخ الدرعية، من أجل أن يكون مرجعا تاريخيا لها، وتتولى في هذا الصدد دارة الملك عبد العزيز بعرض دراساتها التاريخية عن حي الطريف خصوصا، والدرعية عموما. ويوجه المركز خدماته للزوار المتخصصين والباحثين في التاريخ والآثار.

وبلغت نسبة الإنجاز في حي الطريف أكثر من 80 في المائة من حيث أعمال البنية التحتية. وتشمل أعمال البنية التحتية للحي، شبكات الخدمات ورصف الطرق والممرات، وتزويد الحي بشبكة المياه والصرف الصحي وتصريف السيول والكهرباء وشبكة لإنارة الطرق، وتأخذ الأعمال الترميمية على عاتقها مراعاتها لطبيعة الحي العمرانية والأثرية.