الاضطرابات في البلدان العربية تعكر أجواء رمضان لدى المغتربين

الصيام يمتد لأكثر من 16 ساعة

شهر رمضان فرصة للانتعاش الاقتصادي بالنسبة لأصحاب المتاجر المتخصصة بالمواد الغذائية الحلال (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يعلق مروان المرتضى بينما يقوم بترتيب علب غذائية مستوردة داخل أرفف دكانه في حي «إيدجوير رود» الذي تقطنه معظم الجاليات العربية في لندن: «الروح العربية محطمة بسبب الأحداث السياسية».

ووسط أجواء حارة وساعات نهار طويلة تمتد لأكثر من 16 ساعة يصوم نحو مليون مسلم في لندن، منهم آلاف العرب الذين يعيشون على وقائع ظروف متوترة داخل أوطانهم تحرمهم من الإحساس ببهجة الشهر الفضيل؛ فالسوريون مشغولون بهموم أهلهم، واليمنيون قلقون من الأعباء المالية التي يلزمون بها لمساعدة أسرهم في اليمن، وبينما يتساءل الليبيون متى يرفع الحظر عن السفر لبلدهم يشتكي الخليجيون من أن الصيام لساعات طويلة في أجواء حارة متعب للغاية.

أيمن حجر (28 عاما)، من مدينة معلولا السورية، قال إن المجازر الدامية في حماه تجعل من الصعب الشعور بروحانية هذا الشهر. وتابع: «نشعر بصدمة كبيرة في هذا الوقت على الرغم من أننا كسوريين عادة لدينا طقوس رمضانية مميزة ونحبذ الاحتفال، لكن ما يحدث الآن لا يبعث في نفوسنا الرغبة في الاحتفال».

الظروف السياسية المضطربة تقض مضجع معظم أبناء الجالية اليمنية، لا سيما أنها تكبدهم أعباء مالية زائدة؛ إذ لا بد من توفيرها المزيد من المال لمساعدة أسرهم في اليمن.. محمد حيدر، أحد المغتربين اليمنيين في لندن، قال إن نفقاته مزدوجة هذا العام بعد أن اضطر لتوفير مبلغ لمساعدة أبويه وإخوته في صنعاء، وأشار: «ما زالت الأوضاع هناك غير مستقرة والفقر متفشيا. هناك كثيرون من أقاربنا فقدوا وظائفهم، ومنهم ابني الذي يعمل في مجال الزراعة». ويؤكد حيدر أن شهر رمضان يتطلب زيادة نفقات عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أبناء، خصوصا فيما يتعلق بالمواد الغذائية كاللحوم والسكر والأرز والألبان ومنتجاتها.

من جهته، يؤكد صلاح القدح، مندوب استيراد، أن بعض أسعار المواد الغذائية في المملكة المتحدة قد طرأ عليها ارتفاع طفيف في أبريل (نيسان) الماضي بسبب ارتفاع قيمة الضريبة المضافة، لافتا إلى أن الارتفاع شمل 20% على سلع الحلويات والعصائر.

ويقول محمد الصعيدي، وهو عراقي يعمل مديرا لصيدلية في وسط لندن، إنه يحاول أن يشعر بأجواء رمضان في بيته، لكنه يضيف: «أكثر ما يقلقنا هو قسوة الصيام بالنسبة لأسرنا في العراق، لا سيما مع تجاوز درجة الحرارة 55 درجة، بينما لا يمتلك معظمهم أجهزة تكييف».

ويظل السؤال الذي يقلق المغترب الليبي جمال شاهدي (38 عاما) هو: هل ستفتح الحدود ويرفع الحظر ليستطيع صيام رمضان مع أهله الذين لم يرهم منذ أكثر من 5 سنوات. ويشير: «الصوم مشقة عليَّ، وأنا في بلد آمن وهدوء، كيف حال أهلي وهم تحت الضغط في ليبيا؟».

أما بالنسبة للأسر الخليجية، وبالتحديد السعوديون، الذين يشكلون أغلبية المقيمين الخليجيين في لندن، حيث يقيم فيها أكثر من 15 ألفا فقط للدراسة، عدا ألف أخرى من السياح، فإن الأجواء الحارة نسبيا وساعات الصيام الطويلة تشكلان مصدر قلق لهم. وتقول الطالبة لطيفة الشهري إن هذا هو العام الثالث الذي تصومه في بريطانيا، حيث كانت درجة الحرارة منخفضة في السنوات الماضية. ويستمر صيام هذا العام لأكثر من 16 ساعة بينما تعدت درجة الحرارة خلال الـ3 أيام الأولى 27 درجة مئوية. وتقول: على الرغم من توافر جميع المكونات الغذائية في رمضان «فإن مائدة والدتي مختلفة، كما أن غياب أفراد الأسرة الذين يشكلون جزءا كبيرا من الجو الرمضاني يؤرقني».

هذا وتعكس المظاهر الرمضانية جزءا من المشهد الاجتماعي متنوع الثقافات في لندن. فما إن انطلق شهر رمضان حتى انتشرت السلع الرمضانية من تمور وحلويات ومختلف السلع الخاصة بالمائدة الرمضانية في محلات الأغذية. وارتبطت نوعية الأغذية المتوافرة في الدكاكين بحسب جنسية من يديرها؛ فالمحلات المصرية طغت عليها أطباق الكنافة والبقلاوة والقطايف التي يتم حشوها جميعا بالمكسرات والياميش، أما الدكاكين الشامية فامتلأت بشراب السوس والتمر الهندي والحلويات الشامية المعروفة. ولجأ أصحاب بعض المطاعم إلى تجهيز جلسات رمضانية حرص مالكوها على إضاءة واجهاتها بفانوس رمضان وغيره من الأشكال المضيئة المعبرة عن هذا الشهر مثل المسجد والنجوم والأهلة المتناثرة. إلى جانب تركيب شاشات تلفزيونية لاستقبال هواة السهر على المسلسلات الرمضانية. كما انتعشت سوق محلات أجهزة الهواتف المحمولة التي توافد عليها عدد من الجاليات المسلمة كالهنود والإيرانيين وبنغلاديش، الذين يرغبون في تركيب أدعية وأذكار دينية ومؤقتات للصلاة.

ولا يخفي حكيم عبد العظيم، مدير أحد المطاعم اللبنانية، أن شهر رمضان فرصة للانتعاش الاقتصادي بالنسبة لأصحاب المتاجر المتخصصة بالمواد الغذائية الحلال، إلا أن تزامنه مع أشهر الصيف في لندن عرقل «البزنس» الخاص بسبب أن «آلاف السياح من الدول الإسلامية والخليج قرروا العودة لقضاء رمضان في بلدانهم».