هل فعلا يمكن استخدام العلق في علاج دوالي الأوردة؟

بعض الخبراء يتعاملون مع الموضوع بجدية وبعضهم ينفي وجود أي دليل علمي على ذلك

في نيويورك عدد قليل جدا من المتخصصين في هذا المجال.. ولكن بعض المجتمعات الأوروبية الشرقية تعتمد على العوالق كعلاج لكل الأمراض
TT

في عيادة الدكتور أندرو بلوسينسكي، ترقد السيدة اليسجا نادولني التي تعاني من مرض دوالي الأوردة على أحد الأسرة وساقاها مكشوفتان، وتضع إحدى ذراعيها على عينيها كي لا ترى ما يحدث وتصرخ قائلة: «لا أريد أن أنظر إليها»، ويرد الدكتور بلوسينسكي قائلا: «لم يحدث أي شيء حتى الآن»، وأمسك بقارورة من المياه يسبح فيها 20 علقة أو نحو ذلك. وعندما تتحرك هذه العوالق تبدو وكأنها أحد الخطوط المكتوبة، سوداء ومنحنية وذات ذيول مدببة. وأمسك بلوسينسكي بإحداها وقام بلفها على منشفة ورقية لولبية الشكل ووضع فمها باتجاه إحدى البقع الموجودة على ساق المرأة، وعندما بدأت العلقة في عملها، باستخدام أنيابها الضئيلة التي يصل عددها إلى 360 للتخلص من هذه البقعة، قال الدكتور بلوسينسكي وهو يضحك: «لقد بدأنا في العمل الآن».

في مركز نيويورك للصحة الشاملة في جرين بوينت ببروكلين، لا يعد العلاج بالعوالق علاجا قديما يرتبط بالطاعون الأسود والمزاجات الأربعة، ولكنه علاج شامل وحديث ينطوي على استخدام قفازات مطاطية ومساحات تعقيم وكمادات. ويؤكد الدكتور بلوسينسكي، وهو طبيب كفؤ في مجال علاج الدوالي بالعوالق، أن الإنزيم الذي تفرزه العوالق، والذي يحتوي على مميعات الدم أو مانعات التجلط، يتمتع بخصائص تساعد على الشفاء من هذا المرض.

وقال بلوسينسكي، الذي يوصي باستخدام العوالق لعلاج الأوردة والصداع النصفي: «ما دام لا يوجد هناك كسر أو تمزق، سوف تساعد العوالق على الشفاء من المرض».

ويبلغ الدكتور بلوسينسكي من العمر 55 عاما، وهو رجل فظ شاحب الوجه. وقد تم لسعه 46 مرة من النحل لكي يعالج إحدى المشكلات في ظهره، ولذلك فهو ليس هذا الرجل الذي يخاف من عدد قليل من العوالق. وبعد تعرضه لحادث تزلج ذهب بلوسينسكي إلى مركز شامل للعلاج في حي غرينبوينت والذي نصحه بعلاج ركبته المصابة باستخدام العوالق، وهو ما جعله يتذكر ذلك الوقت الذي كان يتم لسعه فيه بالنحل لكي يشفى من الألم في ظهره. وتذكر قائلا: «قلت: ماذا تقصد، العوالق؟ هل تعني تلك الحشرات الصغيرة التي تأكل الدماء؟».

وفي بعض الأحيان، لا يستخدم بلوسينسكي قفازات مطاطية وهو يغمس يده في الإناء للتعامل مع العوالق. وعلى الرغم من أنه لم يسم هذه العوالق، إلا أنه يشير إليها على أنها مؤنثة. وقام بنخس إحدى هذه العوالق وقال: «إنها لا تريد أن تشرب».

وفي عام 2004، وافقت إدارة الأغذية والعقاقير على استخدام العوالق في العلاج. وقد أثبتت العوالق فعاليتها في الجراحات المجهرية وصرف الدم الزائد من الأطراف. وعلى الرغم من أن الدراسات قد توصلت إلى أن العوالق يمكن أن تساعد في التهاب المفاصل - وهو ما دفع «مركز بيث إسرائيل الطبي» في نيويورك إلى اعتماد الاستخدام التجريبي للعوالق - لاحظ العلماء أن مثل هذه الدراسات لا يمكن أن تتعامل مع «اختبار مزدوج التعمية».

ولا يوجد في نيويورك سوى عدد قليل جدا من المتخصصين في العلاج بالعوالق، ولكن بعض المجتمعات الأوروبية الشرقية تعتمد على العوالق كعلاج لكل الأمراض. وفي العام الماضي، عندما بدأ بلوسينسكي العلاج بالعوالق، وجد قاعدة كبيرة من المرضى معظمهم من بولندا. وقال بلوسينسكي وهو يلوح بيده: «لا أقوم بعمل إعلانات في وسائل الإعلام الأميركية. إذا ما فعلت ذلك فسوف ينشرون الإعلان ولكنهم سيقولون ما هذا الشيء القذر. هذا الرجل غبي».

وربما يتغير هذا الوضع بعد ذلك. وفي عام 2008، أعلنت الممثلة الشهيرة ديمي مور في البرنامج الكوميدي الذي يقدمه ديفيد ليترمان، أنها وضعت اثنتين من العوالق على وجهها عندما كانت في فيينا كعلاج مقاوم لإظهار علامات الشيخوخة. وقال رودي روزنبرغ، صاحب شركة العوالق الأميركية المحدودة، إن هذا الإعلان قد أدى إلى ارتفاع الطلب على العلاج بالعوالق. وأضاف: «لا تتخيل عدد المكالمات التي تلقيناها من الناس بعد ذلك». وأشار إلى أن شركته توفر العوالق للاستخدامات التي وافقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير فقط.

وعلى الجانب الآخر، قال مارك سيدال، وهو باحث في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي ويدرس العوالق: «لقد تبين منذ الثلاثينات من القرن الماضي أن العوالق غير مؤثرة في علاج بعض الأمراض». وسخر سيدال من فكرة أن العوالق تقوم بالتطهير بطريقة أو بأخرى، عن طريق إفراز أنزيم أثناء إزالة الدم الفاسد واللمف. وقال سيدال: «كيف يمكنها القيام بذلك وهي تقوم فقط بإزالة الأشياء؟ لقد أثبتت عدم فعاليتها في أي شيء من هذا القبيل».

ونفى الدكتور سيدال الادعاء أن العوالق تقوم بإفراز مسكن يجعل استعمالها أقل ألما. وأضاف: «هذا هراء. إنه أحد المفاهيم التي تتكرر في كثير من الأحيان ولا يوجد أي دليل علمي عليها».

وبينما كنت أجلس على كرسي مصنوع من الجلد الأسود واضعا قدمي على منشفة ورقية للتخلص من الدم الزائد واللمف، وضع بلوسينسكي إحدى العوالق على بعد سنتيمتر واحد من وريد أزرق اللون وبارز قال إنه سيتحول إلى دوالي. في البداية، كانت العلقة لا تريد أن تلدغ، وقال بلوسينسكي إن بشرتي يوجد عليها مخلفات سامة من الصابون. وأضاف: «يمكن للعلقة أن تشعر بالحالة العاطفية للمريض، حيث يمكنها معرفة ما إذا كان المريض خائفا أم لا». وبعدما رفضت العلقة الأولى أن تلدغني، مد الطبيب يده في صهريج يحتوي على علق أكبر في الحجم وأخرج واحدة منها.

إن الألم الذي تشعر به نتيجة للدغها يشبه الألم الذي تشعر به عند عمل وشم صغير على جسدك، ولذا شعرت بالألم وأطبقت أسناني، وبحكم عملي كصحافي أبعدت يدي عن عيني حتى أرى ما يحدث. لقد كانت تتموج وتشبه حلق رجل وهو يشرب أحد المشروبات الغازية. وعندئذ ضحكت قائلا: «إنها تحتسي المارغريتا ببطء». وقال الدكتور بلوسينسكي بهدوء وكأنه قد قال ذلك من قبل: «إنها تشبه أكثر مشروب عصير الطماطم».

وبعد مرور ساعة على ذلك، تساءلت متى سينتهي هذا الأمر، وقال الطبيب: «لقد وصلت لنقطة الإشباع وسوف تقطر من فمها». ولكي ينزع العلقة، قام بلوسينسكي بإلقائها على ظهرها حتى تموج جلدها وكأنها بالونا من الماء، ثم قام بالتقاطها وألقاها في قارورة مليئة بالكحول، وهو ما أدى إلى وفاتها على الفور.

يا لها من نهاية حزينة لهذه العلقة التي قامت بدورها على أكمل وجه ثم تم إعدامها في نهاية المطاف. وسألت بلوسينسكي عما إذا كان قد شعر بالحزن على ذلك، فنظر إلى القارورة المليئة بالكحول وقال: «لا يمكنك أن تتعلق بها بدرجة كبيرة».

* خدمة «نيويورك تايمز»