فرقة «مشروع ليلى».. تغني حكايات بيروتية بنكهة «ثورية»

يطلقون «الحل الرومانسي».. آخر ألبوماتهم

بدايتهم كانت مجرد فكرة صغيرة، نمت في حرم «الجامعة الأميركيّة» في بيروت، حيث تعلموا
TT

في حفلتهم الأخيرة في ميدان سباق الخيل في بيروت، بدت تجربة الغناء والعزف لديهم ناضجة أكثر من ذي قبل. إذ اعتمدت معظم كلمات أغنياتهم وموسيقاها شكلا «ثوريا» ربما استوحوه من الثورات العربية التي تجري في جوارهم. «ثورة» جديدة وناطقة بالتغيير على واقع العيش والغلاء والهجرة والبطالة. ساعدهم في تقديم تجربتهم المتطورة الاحتيال على النغمات، والتسلل إلى نبض الشباب وطرائق عيشهم، إضافة إلى تفاهمهم مع موسيقاهم بطريقة مختلفة ومتجددة، والتي حققت لهم كل الصراخ والتهليل في تلك الأمسية التي أطلقوا فيها آخر اسطوانة لهم بعنوان «الحل الرومانسي» فأعادوا الحياة إلى ميدان الخيل بضجيج يبشر بعودة قوية لهذا الفريق الغنائي الشاب.

هم كما يعرفون بـ«مشروع ليلى»، أطلوا على جمهورهم بحلة غنائية أقل ضجيجا وأكثر حميمية. والحل الرومانسي الذي يسوقون له هو عنوان أغنية كتبها حامد سنو، استخدمها من كلام الفيلسوف فريدريك انغلز. الأغاني راكمت في مخزون تجربتهم، وأضفت سحرا مختلفا على نمطها فأبصرت النور بكثير من الحبكة والترابط. فزادت فيها نكهة «الخصوصية» وتعمقت فيها المشاعر. للمرة الأولى منذ بدايتهم استخدموا أغاني قديمة بيروتية من تراث الشاعر الكبير عمر الزعني وهي أغنية «أم الجاكيت»، التي تحكي عن المرأة وتطورها «الجندري» في المجتمع وما يخلقه تغير دورها من إشكاليات. وفي ألبومهم الجديد أغنية «وجيه» وهي تتحدث عن «التشاوف» لدى بعض اللبنانيين. يؤكد حامد سنو أن الكتابة لديه صارت «داخلية» بحت. فتعمقت تجربته الشخصية التي أضفت على كتابته «خصوصية» يحب الشباب الاستماع إليها ومعرفة تفاصيلها. موضحا أن الشباب يحتاج إلى أن يسمع أغاني فيها قصص شخصية مشتركة.

يضعون أغنياتهم على «يوتيوب» مجانا ولا ينتظرون سوى ردود الفعل. حكايتهم لم تكتمل إلا حين التقت كل عناصرها. هكذا هي حكايتهم، فما لبثت أن تجمعت عناصرها سريعا، لتنشئ فريقا موسيقيا يبدأ فصلا «حديثا» و«غريبا» في الموسيقى اللبنانية، وفي طريقة الغناء، وحتى في نمط الكتابة والنص. حكاية ليست غريبة، لكنها مركبة بطريقة «هندسية» غير متناسقة. ليس ذلك تأكيدا على أن الفريق «غير متلائم»، لكنها إشارة واضحة إلى أنهم «غير متشابهين»، رغم أن غالبيتهم درسوا الاختصاص نفسه: الهندسة.

كثيرة هي نقاط الشبه التي تجمعهم، لكن تبقى مساحات شاسعة تفرقهم. الأفكار ونمط العيش والطباع والسير الشخصية، كلها ميزات تختلف من شخص إلى آخر. هم سعيدون بهذا الاختلاف، «يساعدنا على التنوع» كما يقول اندريه شديد (23 سنة أحد مؤسسي الفرقة).

اختلاف وإن قدر له أن يتآلف مع شخصياتهم ويندمج في يومياتهم، فإنه بقي اختلافا «ممنهجا» ينظم مسيرتهم الفنية، ويضفي عليها لمسة خاصة من الحميمية، التي لا تشبه الحميمية «المعتادة». فهم يسرقون أوقاتهم من الدراسة والعمل ليتدربوا، ولينشئوا علاقات فيما بينهم، ضمن إطار العمل المشترك، والصداقات التي «تخف وتقوى» حسب «مزاجية» البعض، و«فرادة» البعض الآخر. تعرفوا إلى بعضهم عام 2008.. ومن هناك كانت البداية.

بدايتهم كانت مجرد فكرة صغيرة، نمت في حرم «الجامعة الأميركيّة» في بيروت، حيث تعلموا. ومن حفلة في «الجامعة» إلى حفلات أخرى متتابعة في أكثر من مكان، جعلتهم ينتظمون أكثر في مجال الموسيقى. ويخترعون لأنفسهم اسما يثير حشرية الناس لمعرفة جذوره. لماذا «مشروع ليلى»؟ يجيب إبراهيم بدر (23 سنة باص): «في أول حفلة لنا كان علينا أن نخترع اسما لأنفسنا لننطلق، وبعد مشاورات طويلة وطرح أسماء وأفكار، «طلع» معنا اسم مشروع ليلة. مستندين بذلك على أن الغناء سيكون لليلة واحدة، ولم نكن نعرف أننا سنتطور إلى هذا الحد الهائل. وبدلا من ليلة اخترعنا ليلى، لإضفاء نوع من الغموض على تسميتنا».

الفرقة شاركت بأول ألبوم لها في مسابقة «الموسيقى الراهنة»، التي جرى تنظيمها في مارس (آذار) 2009 برعاية «راديو فرانس إنترناسيونال RFI». يؤكد هايك أن «الألبوم حصد آنذاك أغلبية أصوات الجمهور الذين اقترعوا لنا، وغالبية لجنة الحكم أيضا». وقد كرس هذا النجاح الفريق ليصبح نجما من نجوم «الموسيقى الراهنة».

لا يمكن تصنيف موسيقاهم. ليس لها لون محدد «نحن لا نريد هوية خاصة للموسيقى» وفق كارل جرجس (عازف درامز)، الذي أكد على أن «الغرابة» في دمج الموسيقى وعدم «تحديد هوية» لها هو ما يجعل أعمالهم «مطلوبة» و«مسموعة» أكثر من غيرها من الموسيقى الشبابية المنافسة. لذا أتت موسيقاهم كنوع «جديد» و«غير مألوف». والبعض صنف موسيقاهم في خانة الـ«مودرن روك» أو الـ«فيوجن روك»، وهذا الأمر يشجعهم ليكوّنوا لفريقهم «نفسا» موسيقيا مغايرا للسائد. نمط مختلف وغريب وحديث أيضا. لكن هل الغرابة تضر؟. يجيب اندريه واثقا: «بالعكس هي مفيدة في تعزيز تميزنا». موسيقاهم مزيج متفاوت من المقادير، بين الشرق الأوروبي والبلقاني، البوب - روك، الشرقي، الفولك الأميركي أو الأوروبي الغربي. موسيقى ترافقها أغنيات بلهجة لبنانية يؤديها حامد سنو (22 سنة - مؤلف ومغن).

حامد يؤلف الأغاني التي يعيش تفاصيلها، وتحمل طابع الذكريات في حياته الشخصية. يكتبها من دون «خوف» أو «تساؤل». لا تعنيه أي انتقادات. يعرف لوحده أن التأليف «أسلوب حياة» ومنطلقا للتعبير. من «شم الياسمينة» التي تعد من أهم أغانيهم جعلتهم «يشتهرون» بجرأة مواضيعهم وكلماتهم، مرورا بأغنيات «الخماسية» و«رقصة ليلى» و«عالسكت» و«طابور» إلى «فساتين» وغيرها من الأغاني، التي طورت أسلوبهم الموسيقي، وساعدتهم للوصول أكثر إلى الشباب. كلمات جذبت الشبان والصبايا والمراهقين وحتى بعض المتقدمين في السن «المودرن» إلى الاستماع إليهم وشراء ألبومهم الأول بكثافة. والسبب؟ يجيب حامد «لأن الناس تريد من يحكي قصصها اليومية وتفاصيلها من دون مواربة». يوافقه الشباب الرأي، لأن الجيل «يبحث عن الواقع» بكل مرارته وبشاعته وصدقه وغرائبيته وفجاجته حتى. «الشباب يريد أن يستمع إلى أغان تقترب من يومياته وروتينها ومشاعرها المتناقضة، وهذا ما نجربه في موسيقانا وما ترويه كلمات الأغاني» وفق اندريه. كلمات ونصوص «غير معقدة» و«غير مرتبطة» في بعض الأحيان، تحاكي يوميات الشباب عادة، وقصص وشجون الطلاب الجامعيين، ممن يعيشون في وطن واحد، ويمشون في شوارع عاصمته وأزقتها المكتظة مع كل ما تحمله هذه الشوارع وهذه المدينة من هموم ومشكلات، ومن قصص وتجارب مشتركة.