تونس تحتفي بيوم العلم بإيحاء من ثورتها

تم فيه تكريم ثلة من الباحثين الكبار منهم منيرة هناني والطيب الغزي والمنصف بن سالم

الدكتور منصف بن سالم: طلبنا من منتقدي الإسلام نزع النظارات الحمراء
TT

كان الاحتفاء بيوم العلم في تونس هذا العام استثنائيا، حيث تم بعد كسر التقاليد البائدة التي كانت سائدة في تونس، حيث كانت السلطات الرسمية تحتكر تكريم الطلبة المتفوقين تحت وابل من المدائح والأذكار التي تتلى تمجيدا (للمجاهد الأكبر) الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، أو (صانع التغيير) الرئيس بن علي. وذلك رغم تحذير جهات من الخروج على ذلك التقليد، وهو ما يبطن، حسبما يرى البعض، «نية استمرار النهج السابق في الاحتكار والتوظيف السياسي الرخيص».

وقد شهدت «الشرق الأوسط» بدار الثقافة بالقيروان (147 كيلومترا جنوب تونس) احتفاء شعبيا بيوم العلم، تم فيه تكريم ثلة من الباحثين الكبار، كالدكتورة منيرة هناني، والمربي الطيب الغزي، وعامل الفيزياء الشهير المنصف بن سالم، وعدد من المتفوقين في الثانوية العامة، وبقية المستويات في المعاهد الأخرى. وكان من بين الشعارات المرفوعة في القاعة «النهضة تصافح أبطال اليوم وقادة المستقبل» و«لا كرامة لشعب لا يوقر علماءه ومبدعيه» ودعوات لـ«تحصين المجتمع وحفظ تماسكه ودفع تطوره وإطلاق طاقاته وتحرير روح الإبداع والعمل والجمال في تناسق تام بين ضمان الحق وأداء الواجب».

وقال المربي محمود قويعة، الذي أشرف على تنظيم الاحتفال «ندعو كل الأحزاب والهيئات للاحتفال بهذا اليوم وتكريم المتفوقين من الطلبة» وتابع «نريد أن يكون نجوم البلد هم العلماء وليس الرياضيين والفنانين فحسب، فالعلماء هم تاج رؤوسنا نفتخر بهم ويفتخرون بنا» وأردف «آن الأوان أن نرتقي ببلدنا بإيلاء العلم المنزلة التي تليق به».

وتحدثت عالمة الاجتماع تسنيم الغنوشي عن العلم وقالت إن النتائج التي حققها الطلبة التونسيون هذا العام «إنجاز عظيم هو بدون شك نجاح جديد للثورة، ونجاح تتبعه نجاحات أخرى بعون الله» وطالبت جيل الشباب بأن «يظل متيقضا» وأوصت «ببذل الجهد والاجتهاد ليسهموا في نهضة بلادهم».

ومن الموافقات أن يكون أغلب المتفوقين ممن يحفظون القرآن أو أجزاء منه، وقد علق على ذلك المربي الطيب الغزي بقوله «هذه دعوة عقبة بن نافع الذي دعا الله أن يملأ القيروان علما وحلما» ونقل عن أحد الشعراء قوله «بلد حشوها علم وحلم وخير» وشدد على أن الثورة ثورة علمية في إحدى تجلياتها ووعودها المستقبلية «الثورة علم أو لا تكون».

وخاطب أستاذ العلوم الطبيعية المتقاعد عبد الوهاب الكافي، الحضور بـ«يا أبناء عقبة بن نافع (فاتح المغرب الكبير) وعبد الرحمن خليف رحمه الله، (المربي الكبير) والشاذلي العلاني رحمه الله (المربي الكبير) ويا طلبة الطيب الغزي (المربي)». وتلا الكافي عددا من الآيات والأحاديث التي تدعو لطلب العلم وتثني على العلماء «إنما يخشى الله من عباده العلماء» و«من سلك طريقا يطلب فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة» وردد حكما من بينها «ليس الجمال بأثواب تزيننا إنما الجمال جمال العقل والأدب». وأثنى عبد الوهاب الكافي على الدكتور منصف بن سالم ووصفه بأنه فخر لتونس والمسلمين «تعلمت منه أن الإسلام والعلم لا يتناقضان وإنما يتكاملان» كما أثنى على نضاله العلمي والسياسي، حيث تم طرده من الجامعة التي أسسها بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية ورفضه البقاء هناك، رافضا جميع المغريات التي قدمت له.

وقال العالم الفيزيائي الشهير الدكتور منصف بن سالم، صاحب العديد من النظريات في الفيزياء والرياضيات «العلاقة بين الإسلام والعلم لا تقبل الجدل» وتابع «الله سبحانه أول ما خاطب آدم خاطبه بالعلم، قال تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها). وهكذا نرى أن الصلة بين الخالق وآدم بدأت بالعلم، ولفظ القرآن مشتق من القراءة، وأول ما نزل من الذكر الحكيم اقرأ، وفي هذه السورة نقرأ، (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)». وضرب مثلا بغاليليو أو غاليلي بالفرنسية «عندما حكمت الكنيسة على غاليلي بالإعدام وطلب منه الاختفاء جاءه البعض عارضا عليه الاعتذار من الكنيسة فقال لهم لا أصدق الكنيسة ولكني أصدق المسلمين الذين يعتقدون بأن مداد العلماء يضاهي دماء الشهداء». وهاجم العالم الفيزيائي بن سالم، من يحاولون إسقاط التاريخ الغربي على الإرث الحضاري للإنسانية ولا سيما الإسلام والمسلمين رغم اختلاف السياقات «أسقطوا علينا المفهوم الغربي بالحديث عن الرجعية، وقلنا لهم انزعوا النظارات الحمراء من على عيونكم لتروا الأشياء على حقيقتها فقالوا لن ننزعها». وتحدى بن سالم الكثير ممن يهاجمون الإسلام إن كانوا قرأوا القرآن مرة واحدة «لا أحد منهم قرأ القرآن ولو لمرة واحدة، هل حكم أحدهم عقله في آية واحدة؟» وأشار بن سالم إلى أن علماء الفيزياء النظرية يدرسون ما ورد من إشارات في القرآن لعلها تضيف شيئا لأبحاثهم أو تقوّم مسارا اتخذوه في البحث، أو تدعم ما توصلوا إليه من نتائج لا سيما فيما يتعلق بنشوء الكون ونهايته «التقيت بهم في الهند، وقد استنجدوا بي بحكم معرفتي للعربية ولكوني مسلما في فهم قوله تعالى، (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب) وقوله تعالى (الحمد لله رب العالمين) و(هو عالم الغيب والشهادة)، أو عالم هذه الحياة وعالم آخر سيأتي، هو الآخرة، وعلم الفيزياء يقر بحدوث هذا العالم مستقبلا بعد نهاية العالم، أي إن الكون سينتهي ويبدأ عالم آخر» وعاد عالم الفيزياء بن سالم ليهاجم المتطاولين على الإسلام «شتان بين العقل الذي خلقه الله ليعرفه فعرفه، والعقل الذي خلقه الله ليعرفه فاختار الإنكار وكان كالحمار الذي يحمل أسفارا». وتحدث بن سالم بإسهاب عن آينشتاين، ونقل عنه قوله «كلما خامرني الشك سارعت إلى المختبر». وشدد على أن «العالم الذي لا يتواضع شككوا في شهائده العلمية وتأكدوا بأنه سرقها». وتطرق بن سالم إلى بعض الأسماء المعروفة بسبها للإسلام واصفا إياهم بـ«سقط المتاع» وأشار إلى أن الذين يتحدثون بتشكيك عن تطبيق مبادئ تعود لأكثر من 1400 عام يناقضون أنفسهم لأنهم يدعون لتطبيق مبادئ الديمقراطية وهي تعود لأكثر من 3500 عام». وقال بلغة الإصرار «عروقنا لن تنقطع وينابيعنا لن تجف وبدون ماض ليس هناك مستقبل».