العمل الثنائي بين الأخوين ظاهرة تحكمها رابطة الدم

الأخوان الرحباني والصبّاح وبريدي وحلو وصبّاغ.. الأشهر في لبنان

TT

العمل الثنائي بين الأخوين ظاهرة قديمة تجددت في السنوات الأخيرة بعد أن لمعت أسماء ثنائية لأخوين جاهدا للوصول إلى أهدافهما معا ولم تفرق بينهما الصعوبات والعقبات التي عادة ما تصادف أي شريكين يعملان في مجال البيزنس. ويمكن اعتبار الأخوين عاصي ومنصور الرحباني السباقين في هذا الصدد بعدما استطاعا تأسيس مدرسة موسيقية وفنية خاصة بهما ذاع صيتها في لبنان والعالمين العربي والغربي فأصبحا رمزا من رموز العمل الثنائي فحذا حذوهما كثيرون، وبينهم الأخوان زاهي وفادي حلو اللذان ابتكرا «جائزة الموركس دور»، والأخوان فريد وماهر صباغ اللذان كانا وراء إنتاج مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» في مهرجانات بعلبك لهذا العام، وكذلك الأخوان عصام ووسام بريدي صاحبا شركتي «بريدي للإنتاج التلفزيوني» و«بريدي لإدارة المطاعم».

أما الأخوان صادق وعلي الصبّاح فقد نجحا في إدارة شركة «الصبّاح إخوان لإنتاج الدراما العربية» وغيرها من الأعمال السينمائية والتلفزيونية تحت اسم «سيدرز آرت برودكشن» وكان أحدثها مسلسل «الشحرورة»، ويروي سيرة حياة الفنانة صباح، ويعرض حاليا في موسم رمضان على عدد من الشاشات العربية.

ويبقى السؤال الأهم في هذا الصدد هو طبيعة الأجواء التي تحكم الثنائيات التي تربطها أواصر الأخوة في المرتبة الأولى وهل ترتكز على علاقة عائلية دافئة أو هي مجرد بيزنس يأخذ مجراه الطبيعي ما إن تدخله عناصر المادة والربح والخسارة كغيره من أعمال الشراكة.

يقول صادق الصبّاح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل مع الشخص الآخر بغض النظر عما إذا كانت تربطك به أواصر صداقة أو قرابة أو زمالة يجب أن تحكمه المصالحة مع النفس، وأن يتمتع الطرفان بمساحة لا يستهان بها من قبول الآخر وإلا، في رأيي، لا مجال أن يسير العمل في المنحى الصحيح. أما بالنسبة لطبيعة عملي مع أخي فتحكمها أولا ركائز عائلية نتيجة التربية التي تلقيناها من أهلنا فمنذ كنا في سن الطفولة كانت توصيات والدينا ترافقنا في حياتنا اليومية (انتبه لأخيك.. كن دائما إلى جانبه.. لا تختلفوا مع بعضكم البعض) إلى ما هنالك من عبارات يرددها الأهل عادة على مسامع أولادهم ليتصفوا بعلاقة قريبة ولكن أخي وأنا منذ بداياتنا تفاهمنا على أسس العمل معا ووزعنا الأدوار على بعضنا البعض فتفاهمنا على كل شاردة وواردة، إلا أن ذلك لا يمنع من أن تحصل بيننا اختلافات في وجهات النظر، وبحصول مطبات عادية تصادف أي اثنين يعملان معا ولكن تبقى كلمة (خي) هي السائدة في النهاية ولو كان مجال التنافس أو الغيرة في ثنائيات مماثلة واردة خصوصا أن الاحتكاك اليومي بسبب وجودنا بشكل دائم مع بعضنا يجعلها تحصل بصورة أضيق».

ويضيف صادق الصبّاح الذي هو أكبر سنا من أخيه علي شريكه في العمل، أن فرق السن لا يلعب دورا أساسيا في هذه العلاقة، وأنه دائما يوجد أحد الطرفين لديه قوة استيعاب أكثر من الآخر وأن المشكلات التي سبق ومرت بها العائلة في زمن الشراكة التي شهدتها بين محمد علي وحسين الصبّاح (أي بين والده وأخيه) زودته وأخاه بدروس حياتية لا ينساها، وغالبا ما يعودان إليها في حال حصل أي خلاف بينهما فيتعظان منها بطيب خاطر.

وينهي صادق الصبّاح بالقول إن سر نجاح «الصبّاح إخوان» يعود دون شك إلى الخبرة والتاريخ اللذين يتمتعان بهما من جراء الزمن، مشيرا إلى أنهما حصنا نفسيهما جيدا من أجل المستقبل الذي قد ينقل هذا الإرث إلى أولادهما بحيث زرعا فيهم البذور اللازمة من أجل علاقة ديمقراطية يسودها احترام الرأي الآخر.

من جهتهما يعتبر كل من الطبيبين زاهي وفادي حداد (الأول اختصاصي أمراض معدية والثاني طبيب أسنان)، الأخوين اللذين لا يفترقان، فقد درسا معا في مدرسة عينطورة وأكملا في ما بعد دراستهما الجامعية في كلية الطب في الجامعة اليسوعية وكانا يتابعان البرامج التلفزيونية ويحضران الحفلات الغنائية معا أيضا وقد ابتكرا جائزة «الموركس دور» التي تقدم سنويا ضمن حفل خاص توزع خلاله الجوائز التكريمية على شخصيات فنية نحبها. مشوارهما في هذا المجال بدأ بالصدفة عندما فكرا في تقديم التقدير لنجوم تربيا على فنهم أمثال الرحابنة وروميو لحود وصباح وغيرهم، وعندما لمسا النجاح الذي حققاه في هذا المجال انتقلا من مرحلة الهواية إلى الاحتراف وصارت «الموركس دور» تقليدا سنويا ينتظره اللبنانيون والعرب بحماس ليقفوا على أسماء النجوم الذين قاموا بالإنجازات الأفضل لكل عام.

ويقول الدكتور فادي حلو لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الأخوين رحباني يشكلان مثالا يحتذى به في العمل الثنائي الفني وقدوة مهمة في هذا المجال، ولكننا لم نخطط لهذا الموضوع وعلاقتنا الوطيدة مع بعضنا البعض أسهمت في صنع نجاحاتنا حتى لما وجدنا خارج لبنان للتحصيل الدراسي»، ويضيف: «في رأيي الانسجام بيننا يلعب الدور الأساسي في استمرارية عملنا، خصوصا أننا ننسق أمورنا بدقة ونوزع الأدوار على بعضنا البعض بشكل جيد رغم الاختلافات في وجهات النظر، وكوننا في نهاية المطاف نعود إلى نفس المنزل ونلتقي باستمرار، فإن مشكلاتنا تُحل بسرعة، لا سيما أنه لا تعقيدات تذكر في كيفية التعاطي مع بعضنا، فالخلافات التي تنشأ في النهار لا تلبث أن تزول في الليل».

ويرى الدكتور فادي حلو أن المنافسة والغيرة اللتين صادفاها في عملهما من قبل الغير زادت من وعيهما ومن تحصينهما تجاه أي موقف حرج يواجهانه مما دفعهما للاتحاد بشكل أكبر.

أما الأخوان فريد وماهر صبّاغ فقد شكلت الموسيقى لهما ولعا منذ صغرهما ولذلك درساها على يد أستاذ معهد الكونسرفتوار اللبناني للموسيقى هاغوب أرسلانيان، فتفرغ ماهر لتعليم الموسيقى بينما تخصص فريد إلى جانبها في علم إدارة المستشفيات بحيث يشغل اليوم مركز مدير مستشفى بعبدا الحكومي ودخلا مجال التأليف الموسيقي ليكون بمثابة وسيلة تسمح لهما بالتعبير عن أفكارهما الجديدة في هذا المجال وليس من باب العمل التجاري، فكانت أول أعمالهما المسرحية «تشي غيفارا»، وقد عرضت عام 2006 لمدة شهرين وسط بيروت، واختير بعض لقطات منها لتمثيل الشرق الأوسط في الفيلم العالمي «personal che» ليكون لبنان واحدا من بين 7 بلدان أخرى يتم اختياره لعرضه أهم الأعمال التي عالجت حياة تشي غيفارا. وأخيرا قدما مسرحية «صلاح الدين الأيوبي» ضمن مهرجانات بعلبك ولعب بطولتها الفنان عاصي الحلاني. ويقول فريد صباغ لـ«الشرق الأوسط» عن طبيعة عملهما كأخوين: «كنا منذ الصغر نتفق على الذوق الموسيقي بشكل عام وكان لدينا هدف موحد هو إحداث تغيير في المجال المسرح الغنائي بعيدا عن التجارة، واضطررنا إلى أن نبقي على المهنة الأساسية لكل منا حتى نستطيع تغذية هدفنا الفني، وكنا نتشارك في الاطلاعات الموسيقية ونقرأ من نفس المكتبة الفنية التي نملكها في المنزل كل ذلك أسهم في تقريب وجهات النظر بيننا خصوصا أننا من نفس التركيبة العائلية والجينية فتطورت علاقتنا إلى حد العمل الثنائي الذي يرتكز على التفاهم ويجعل فرص الخلافات بيننا محصورة في ساعات قليلة لا تلبث أن تنتهي ما إن ندخل المنزل». ويؤكد فريد صبّاغ أن المادة لم تلعب يوما دورا هاما في علاقتهما، وأن أي فكرة يكتباها أو نوتة يلحناها هي نتيجة مزيج من عملهما لأنهما يتشاركان في كل شيء حتى في التفكير، وإنهما متفقان على الخطوط العريضة للمستقبل في حال شاء القدر أن يفترقا فسيثابران على توقيع أي عمل يقومان به باسميهما فريد وماهر صباغ.

أما الأخوان اللذان يوجدان دائما تحت الأضواء ويشكلان علامة فارقة في مجال الإعلام والفن وأسسا معا شركتين إحداهما تهتم بالإنتاج التلفزيوني والأخرى بإدارة المطاعم تحت اسم «بريدي إخوان»، فهما المقدّم التلفزيوني وسام بريدي وشقيقه الممثل عصام بريدي، المعروفان بانسجامهما الكامل مع بعضهما البعض بحيث لم يتوان الأول عن إنتاج برنامج تلفزيوني لأخيه من المتوقع أن يقدمه قريبا على شاشة «المستقبل» رغم أنه (أي وسام) يقدم برنامجا تلفزيونيا في المقابل على شاشة «إم تي في». ويقول وسام تعليقا عن شراكته في العمل مع أخيه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تربينا على أسس عائلية صلبة ونحن نتفق في الأهداف والأسلوب ولا طمع أو غيرة بيننا كوننا ننتمي إلى نفس البيت، ونحن مقتنعان بأن المال نحن الذي نتحكم فيه وليس العكس وكل العناصر الباقية التي من شأنها أن تواجه أي شريكين فهي غائبة تماما عنا ولا تمت إلينا بصلة كون علاقتنا واضحة وصادقة».

وعما إذا كانا يخافان من مفاجآت قد تحملها لهما الحياة فأكد وسام أنهما كأخوين متفقان على مبدأ التضحية الواحد في سبيل الآخر من منطلق المحبة التي يعيشانها وليس من منطلق المثاليات فهما لا يخافان من مفاجآت المستقبل لأنهما محصنان ضدها.