جسور ذكية مزودة بنظم إنذار مبكر منخفضة التكلفة والطاقة

لتفادي كوارثها ومراقبة سلامتها

جسر ميلاو في جنوب فرنسا
TT

من المفترض أن تخضع البنية التحتية في أي مجتمع لصيانة منتظمة، للتعرف مبكرا على مواطن الخلل والعيوب، ومعالجتها قبل حدوث الكوارث.

وتعد الجسور والكباري واحدة من البنى التحتية المهمة، التي يجب فحصها ومراقبتها باستمرار، خاصة الجسور المتقادمة والمخصصة لعبور السيارات في الطرق السريعة، وذلك للتعرف على مدى سلامتها وصحتها لعبور السيارات عليها، وإصلاح العيوب التي تشوبها، أو استبدالها، وذلك لتجنب انهيارها وما ينتج عنها من كوارث مروعة.

فعلى سبيل المثال، أدى الانهيار المفاجئ في 1 أغسطس (آب) عام 2007، لجسر مينيابوليس فوق نهر الميسيسيبي بمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية، إلى مقتل 13 شخصا وإصابة 145 آخرين، وسقوط العديد من السيارات في النهر التي كانت على الجسر عند انهياره. يذكر أن هذا الجسر شيد عام 1967، على علو 20 مترا وبطول 200 متر.

وقد حدد تقرير المجلس الأميركي الوطني لسلامة النقل، الخلل الفادح في انهيار جسر مينيابوليس، في «لوحة الربط أو التجميع» (gusset plate)، التي تعتبر الرابط الأساسي لسلامة الجسر، باعتبارها السبب المحتمل لهذه الكارثة.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن بوسيلة تكنولوجية، التنبؤ مبكرا بعيوب الجسور وتحذير المسؤولين لاتخاذ اللازم، وتفادي أي كوارث محتملة؟

الإجابة تأتي بنعم، ومن جامعة ميريلاند الأميركية التي أعلنت مؤخرا عن تطويرها لتقنية تحذير مبكرة تتمثل في أجهزة استشعار لاسلكية يمكن بواسطتها تجنب انهيار الجسور، وتفادي وقوع كوارث، وبالتالي، إنقاذ حياة المئات من الأشخاص، وتخطط الجامعة لتوسيع نطاق تصنيع هذه التقنية وتسويقها تجاريا في الخريف المقبل.

يقول الباحث ميهدي كالانتاري، من قسم الهندسة الكهربائية والكومبيوتر بجامعة ميريلاند الأميركية، الذي طور هذه التقنية: «لو كانت هذه التقنية متاحة في ولاية مينيسوتا منذ 4 سنوات مضت، لكانت هناك فرصة جيدة لإمكانية تجنب انهيار الجسر المروع»، ويضيف: «في واحد من كل أربعة جسور أميركية على الطرق السريعة، توجد هناك مشكلات هيكلية أو تجاوزات، معظمها يخضع لعملية تفتيش واحدة فقط كل سنة أو سنتين».

ويذكر أن، الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين، كانت قد حذرت في تقرير لها عام 2003، من أن 27 في المائة من الجسور الأميركية تعاني من عيوب بنيوية أو مشكلات صدأ أو أنها باتت قديمة. وبحسب التقرير، يجب إنفاق 9.4 مليار دولار سنويا خلال عشرين عاما لإصلاح العيوب التي تعاني منها الجسور الأميركية.

ووفقا أيضا لتقديرات الجمعية الأميركية للمهندسين المدنيين، في 2009، فإن واحدا من كل أربعة جسور في الولايات المتحدة، إما ناقص هيكليا أو بالٍ وظيفيا.

ولهذا تأتي التقنية الجديدة التي صممتها جامعة ميريلاند، خطوة علمية مهمة بخصوص مراقبة سلامة الجسور، فقد صمم الباحث كالانتاري، أجهزة استشعار لاسلكية صغيرة، ترصد وتحول دقيقة بدقيقة البيانات الخاصة بسلامة هيكلية الجسر إلى المسؤولين، حيث يقوم كومبيوتر مركزي بتحليل هذه البيانات وتحذير المسؤولين على الفور من أي مشكلات محتملة. ويضيف كالانتاري بالقول إن «هذا الأسلوب الجديد يجعل الصيانة الوقائية أمرا معقولا، وحتى في الوقت الذي تكون فيه الميزانيات قليلة، فسوف يكون المسؤولون قادرين على اللحاق بمشكلات الجسور وإصلاحها في وقت مبكر».

وتتمثل مؤشرات قياس أجهزة الاستشعار لسلامة هيكلية الجسر، في: الإجهاد، والاهتزاز، والمرونة، والميل والتشوه والتسارع، وتطور شقوق المعادن.

ويقول كالانتاري، إن أجهزة الاستشعار التي تم تصميمها، صغيرة الحجم، ولاسلكية، ولا تتطلب عمليا أي صيانة، ومن المتوقع أن تستمر لأكثر من عقد من الزمن، كما أن تكلفتها منخفضة؛ إذ تصل تكلفة جهاز الاستشعار الواحد إلى نحو 20 دولارا، فحجم جسر الطريق السريع يحتاج في المتوسط لنحو 500 جهاز استشعار، وبتكلفة إجمالية نحو 10.000 دولار. ويلخص كالانتاري ميزات تقنية أجهزة الاستشعار هذه بقوله إنها: منخفضة التكلفة، منخفضة الطاقة، صغيرة الحجم، سوف تعد ثورة في مجال مراقبة سلامة الجسور، فهي رقيقة الحجم يصل سمكها إلى أقل من 5 ملليمترات، مكونة من عدة طبقات مرنة؛ الأولى منها لقياس الدعامات الهيكلية للجسر، والثانية تعمل كمخازن للطاقة، والثالثة لتوصيل البيانات، والطبقة الخارجية تحصل على الطاقة من الضوء وموجات الراديو المحيطة.

يقول كالانتاري إن أجهزة الاستشعار الجديدة توفر تحسنا كبيرا بالمقارنة بالتكنولوجيا الحالية، فمن خصائص ومميزات هذه الأجهزة، أنها: لا تتضمن أسلاكا وبطاريات ولا يخصص لها مصدر طاقة خارجية، ولا تحتاج إلى صيانة تقريبا، ومنخفضة التكلفة، وسهلة وسريعة التركيب، كما أنها مناسبة للجسور الجديدة والقائمة حاليا.

يذكر أن المتطلبات الفيدرالية الأميركية الحالية تدعو للتفتيش البصري للجسور على الطرق السريعة مرة واحدة بين عامين إلى خمسة أعوام، تبعا لحالة الجسر، والجسور التي تعتبر ناقصة هيكليا يجب أن يتم فحصها كل عام.

ولمدة عام تقريبا، قام الباحث كالانتاري باختبار الجهاز الجديد، بالتعاون مع قسم المواصلات في ولاية ميريلاند، حيث تم قياس المعالم الهيكلية لجسور الطرق السريعة في بيئة حقيقية، وقد مكنه ذلك من تحسين أداء الجهاز واختبار استهلاكه للطاقة الذي يعد نموذجا حديثا وصغيرا وأكثر كفاءة في استهلاكه للطاقة بـ10 مرات عن الأجهزة السابقة، كما سمح الجهاز باختبار استجابة الجسر للتغيرات في الظروف الجوية وحركة المرور. على سبيل المثال، تم قياس كيفية تمدد المعدن وانكماشه وفقا لارتفاع درجة الحرارة وانخفاضها، ومقارنة استجابة المعدن خلال فترات الذروة والأحمال الخفيفة. ويأمل كالانتاري في توسيع نطاق الاختبار الميداني على نطاق أوسع في ولاية ميريلاند ونشر أجهزة الاستشعار بالكامل عبر امتداد جسور الولاية.