رحيل هند رستم.. «مارلين مونرو الشرق» بعد رحلة فنية خصبة

صاحبة أفلام «باب الحديد» و« صراع في النيل» و«إشاعة حب»

TT

بعد رحلة عطاء أثرت من خلالها الشاشة الفضية بالكثير من الأفلام المهمة والمتميزة، وعن عمر يناهز 82 عاما، وصراع مع أمراض القلب، طوت هند رستم المعروفة بـ«مارلين مونرو الشرق» صفحتها مع الحياة، تاركة نموذجا لإنسانة وفنانة يحتذى به، عرفت كيف تبكي بشكل واقعي، وكيف تنتزع الضحكات والتصفيق وإعجاب الجمهور في الكثير من المواقف الإنسانية البسيطة والمعقدة التي طالما جسدتها في مشوارها مع السينما.

«رحلت في سلام وسكينة تامة».. خمس كلمات موجزة تحدث بها محمد نصير (34) عاما – الحفيد الوحيد للفنانة الراحلة هند رستم من ابنتها الوحيدة «بسنت». وأردف قائلا: كانت «كالنسمة.. حين تجلس معها يمر الوقت بلا تعب أو معاناة».

وقال نصير لـ« لـ«الشرق الأوسط»: «لقد مر كل شيء بسرعة وهدوء شديد، لقد عانت فجأة من بعض أعراض التعب في القلب وأدخلت المستشفى وشخصت الحالة بأنها التهاب في الشعب الهوائية وارتفاع في درجة الحرارة وتم معالجتها، واستقرت الحالة، ولكن مع كبر السن تدهورت حالتها الصحية مرة أخرى، خاصة أنها أجرت من قبل عملية قلب مفتوح، أعقبها تركيب دعامات للقلب».

يضيف نصير: هند رستم كانت في اليومين السابقين للوفاة توصي كثيرا كل من حولها على أولادي (أبناء حفيدها) وأن نأخذ بالنا من بعضنا ونظل مترابطين أسريا كما كانت وهي معنا.

ويذكر الحفيد أنها كانت تستقبل شهر رمضان كل عام بحفاوة كبيرة، ولظروفها الصحية المعقدة لم تكن تستطيع الصيام في أواخر سنوات عمرها، لهذا كانت تصر على أن تتكفل بإفطار عدد معين من الصائمين تعويضا عن عدم قدرتها على الصوم، وقد فعلت هذا العام، وحرصت كعادتها كل عام، أن يكون إفطار الصائمين على مدى الثلاثين يوما، وبشكل لائق وكريم.

وكان لافتا غياب عدد من النجوم عن وداع هند رستم لمثواها الأخير، وهي الفنانة التي شاركت غالبية نجوم الوسط الفني في أعمال سينمائية لها قيمتها الكبيرة. واقتصرت الجنازة على كوكبة صغيرة من الوسط الفني من بينهم نادية لطفي، وإلهام شاهين، وسمير صبري، وأشرف عبد الغفور، وطارق النهري، ومحمد أبو داود، وحلمي فودة، والماكيير محمد عشوب، والمنتج محسن علم الدين.

ونفى نصير أن تكون عائلة هند رستم أصابتها صدمة من قلة عدد الفنانين الذين شاركوا في جنازتها، قائلا: «لم تحدث لنا صدمة من ذلك بالمرة، فهند رستم اعتزلت العمل الفني منذ سنوات طويلة جدا قاربت الثلاثين عاما وهي بطبيعتها لم تكن ذات علاقات واسعة كما يتخيل البعض، وبعد اعتزالها الفن أصبحت علاقتها بالفنانين والوسط الفني عامة قليلة جدا جدا، ويكاد يقتصر عددها على أصابع اليد الواحدة، فعندما تفرغت للمنزل ولكي تكون بعيدة عن الأضواء لم تتراجع عن هذا القرار». وأضاف حفيد الفنانة الراحلة قائلا: «لقد كانت وصية هند رستم قبل الوفاة أن تكون الجنازة من مسجد السيدة نفسية تحديدا وأن تدفن في مدافن آل رستم في مقابر الغفير وهذا ما فعلناه تماما».

هذا، وكان خبر وفاة هند رستم قد مثل صدمة كبيرة للوسط الفني مساء أمس، خاصة أولئك الذين اشتركوا معها في بطولة أفلامها، حيث قال الفنان حسن يوسف «لـ«الشرق الأوسط»: أنا «حزين للغاية على رحيلها ولكنها سنة الحياة والموت علينا حق وفراق الذين نحبهم أمر جلل ويحزن القلب، وأسأل الله أن يكرمها في مثواها الأخير بفضل هذا الشهر الكريم، فقد توفيت في أيام كريمة، أيام الرحمة والمغفرة وأدعو كل محبيها ومعجبيها أن يدعوا لها بالرحمة، فلقد كانت إنسانة عظيمة ونبيلة الخلق ووفية لزملائها وأهلها».

أما الفنانة نادية الجندي، فلم تتمالك نفسها من كثرة البكاء على رحيل هند رستم وقالت بصوت متحشرج: «أدعو لها بالمغفرة والرحمة وأن يتقبلها الله قبولا حسنا في هذا الشهر الكريم، فلقد كانت أعظم إنسانة ممكن أن تقابلها في حياتك، كانت سيدة من طراز فريد وفنانة من نوع خاص ولا أنسى لها الكثير من المواقف الإنسانية، وشهادتها في حقي في أحد أعمالي الفنية الأخيرة (مسلسل الملكة نازلي) كانت وساما على صدري لا يمكن أن أنساه أبدا، وكأني حصلت على جائزة دولية».

بينما أشار رمسيس نجيب، شيخ المصورين السينمائيين ورفيق درب المخرج الراحل يوسف شاهين على مدار 40 عاما: «لقد خسرنا خسارة كبيرة بوفاتها والفن المصري لا ينسى لها أبدا الكثير من الأدوار السينمائية الخالدة ولا يمكن أحد أن يعوض مكانتها وكل من كان يحاول تقليدها يخسر الرهان، ولقد كانت فنانة ملتزمة وقادرة على أداء أدوارها بحرفية عالية وبراعة. إن تاريخها الفني سيظل شاهدا على قدرتها على الإبداع».

ورغم اعتزال هند التمثيل فما زال لها حضور ملحوظ في الكثير من الأدوار المتنوعة التي قدمتها وبلغ عددها 74 فيلما، مثل أفلام «سيد درويش» و«الراهبة» و«الزوج العازب» و«تفاحة آدم» و«الخروج من الجنة» و«شفيقة القبطية» و«ملكة الليل» و«كلمة شرف». كما تضمنت قائمة أفضل 100 فيلم مصري في القرن العشرين بمناسبة مئوية السينما عام 1996 أربعة أفلام لهند رستم تعد من كلاسيكيات السينما العربية، هي: «رد قلبي» لعز الدين ذو الفقار، و«باب الحديد» ليوسف شاهين، و«بين السماء والأرض» لصلاح أبو سيف، و«صراع في النيل» لعاطف سالم، وهي واحدة من الممثلات القليلات اللاتي ظهرن بشخصياتهن الحقيقية في بعض الأفلام ومنها فيلم «إشاعة حب»، لمخرجه فطين عبد الوهاب.

أما آخر تكريم فني لها فكان من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عام 1993.

واشتهرت رستم التي ولدت في حي محرم بك بالإسكندرية، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1929 بأدوار الإغراء في السينما المصرية في الخمسينات، وعرفت «بملكة الإغراء» وأطلق عليها النقاد اسم «مارلين مونرو الشرق»، لشبهها الظاهر بمارلين مونرو بشعرها الأشقر، فيما كان أول ظهور فني لها عام 1949 في أغنية «اتمخطري يا خيل» لمدة دقيقتين كـ«كومبارس» تركب حصانا خلف ليلى مراد في فيلم «غزل البنات» مع نجيب الريحاني وليلى مراد ويوسف وهبي، ثم توالت بعد ذلك الأدوار الصغيرة حتى التقت بالمخرج حسن رضا الذي تزوجها وأنجبت منه ابنتها الوحيدة «بسنت»، وبدأت رحلة النجومية في السينما. هذا ولم تشارك هند رستم في أعمال درامية تلفزيونية وعرض آخر أفلامها «حياتي عذاب» 1979. تزوجت هند رستم للمرة الثانية من الدكتور محمد فياض، أستاذ النساء والولادة الشهير. وذلك بعد طلاقها من المخرج حسن رضا.