«في حضرة الغياب» يشعل جدلا ثقافيا وسياسيا وشعبيا

مثقفون يدعون لوقف «التزوير والتسطيح» وآخرون يردون: هذه عقلية استبدادية

لقطة من مسلسل «في حضرة الغياب»
TT

مع كل يوم يمر على عرض مسلسل «في حضرة الغياب» الذي يتناول حياة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، يحتدم الجدل حوله بين مطالب بوقفه تماما ومدافع عنه، وهو جدل يأخذ طابعا ثقافيا وسياسيا أكثر منه فنيا. ولا يتوقف الجدل اليوم على آراء مثقفين فحسب، بل تحول إلى صفحات «فيس بوك» و«تويتر» ووسائل الإعلام.

بدأ الجدل مع أول حلقة من مسلسل «في حضرة الغياب»، إذ طالب بعدها نحو ألفي مثقف بينهم ناشطون وأكاديميون في فلسطين والعالم العربي والعالم عبر بيان تلفزيون فلسطين والفضائيات الأخرى بوقف بثه، واصفين إياه بالمهزلة، وأنه يسيء إلى صورة محمود درويش. وقال البيان «نرى في هذا العمل تشويها لذاكرة جميلة ومحاولة للصعود والتسلق على ما تركه درويش خلفه من أجل جني الأرباح فقط. لم نجد في الحلقات الأولى من المسلسل إلا عاشقا يحول حياة العظيم درويش إلى حالة عاطفة رخيصة لجذب انتباه المراهقين بشكل درامي بحت. كما نحذر من السيناريو البعيد عن الحقيقة والمليء بالتسطيح والإخراج الدرامي. عناصر التزييف والتزوير والتسطيح كلها اجتمعت لقتل الذاكرة الدرويشية فينا.. لهذا نحن نكتب ضد المسلسل».

هكذا بدأ الهجوم على المسلسل، وطال حتى أبطاله والمشاركين فيه. وقال المثقفون «ندين تورط الفنان مارسيل خليفة والكاتب حسن يوسف والمخرج نجدت أنزور في هذا العمل السطحي المزيف». وبعد قليل راح المثقفون الغاضبون وناشطون ومثقفون وأصدقاء لدرويش، يشنون هجوما شخصيا على بطل العرض، الفنان السوري فراس إبراهيم، بسبب أنه بحسب كثير من المثقفين والناشطين على «فيس بوك» يمثل وجه «النظام السوري».

وانتقد عدد من الكتاب والإعلاميين والفنانين الفلسطينيين، في بيان لهم، الحملة التي أطلقها عدد من المثقفين على صفحات التواصل الاجتماعي لمنع عرض مسلسل «في حضرة الغياب».

وقال بيان وقعه عدد من المثقفين والكتاب، تحت عنوان، «لا للمنع وضد الاستبداد الثقافي في فلسطين»، إنهم يؤكدون على موقفهم الرافض لمنع أي عمل فني أو ثقافي، معتبرين أن هذه المواقف استبداد واحتكار ثقافي، وهو يعود بالذاكرة لصور ظلامية حدثت في التاريخ الإنساني كإحراق كتب ابن رشد وصلب الحلاج وقتل فرج فودة ومحاولة قتل نجيب محفوظ.

ورأى الموقعون على البيان أن «عقلية المنع التي يتحلى بها عدد من المثقفين الفلسطينيين هي مؤشر خطير يدلل على عقلية استبدادية ومحاولة لاحتكار إرث الشاعر العظيم الذي تجاوز حدود فلسطين». واعتبر الموقعون على البيان أن «دور المثقف الحقيقي يكمن في تقديم رؤى نقدية تهدف إلى توعية المجتمع، وسياسة المنع هي عقلية أحادية قمعية»، مؤكدين أن موقفهم لا يعني بالضرورة موافقتهم على العمل الفني وليس انتقاصا من قيمة محمود درويش.

لم ينته الجدل عند ذلك، فكتب الصحافي والمحلل خليل شاهين، على صفحته على «فيس بوك»، يقول ردا على بيان المثقفين الثاني «ما هذه المقارنات التي تساق في بيان المثقفين الرافضين لمنع عرض مسلسل (في حضرة الغياب)؟ لا يجري الحديث عن ابن رشد بل عن فراس إبراهيم وسلاف فواخرجي المدافعين عن نظام دموي يقصف شعبه بالدبابات، بينما ينتحل فراس بصورة مثيرة للغضب طيلة ثلاثين يوما صورة شاعر طالما جسد قيم الحرية والعدالة والإنسانية. لماذا تتم إثارة فزاعة المنع وكأن عرض تلفزيون فلسطين المسلسل قدر لا راد له؟».