لندن المحطة التي يحلم بها الدبلوماسيون

باربرا ستيفنسن أول أميركية تتولى منصب نائب السفير في بريطانيا تتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن تجربتها

باربرا ستيفنسن، نائبة السفير الأميركي في لندن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

خلف باب خشبي صلب تمتد ردهة طويلة مؤدية إلى مكتب السفير الأميركي في لندن، علقت على جدرانها صور أبرز مسؤولي البعثات الأميركية إلى بريطانيا منذ عام 1785 التي شهدت وصول أول بعثة. صور لـ39 وزيرا - كما كان يطلق على رؤساء البعثات حتى عام 1893، وكان أولهم جون أدامز - وسفيرا، وهو اللقب الذي تم اعتماده في عام 1893 مع توماس بايارد الذي كان أول مع حمل اللقب. كانت الصور متشابهة من ناحية خشونتها، كلها حملت رجالا، معظمهم ملتحون وشيب الشعر. حتى الصور التي لم تعلق، بسبب نقص المساحة، لرؤساء البعثات المتبقين البالغ عددهم 22، من بينهم السفير الحالي روبرت تاتل، لم تكن لتحدث فارقا، فواشنطن لم تعين بعد سفيرة امرأة إلى لندن منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

ولكن اليوم، وللمرة الأولى، تجلس امرأة في المكتب... وإن مؤقتا. باربرا ستيفنسن، نائبة السفير الأميركي التي تحمل أيضا لقب «وزير»، تمارس طوال الشهر الحالي مهمة السفير خلال فترة غيابه لقضاء إجازته السنوية. ولكن ستيفنسن لا تفخر بكونها المرأة الأولى التي تجلس في المكتب الواسع والشديد الحماية داخل السفارة الأميركية في وسط لندن، بل لكونها المرأة الأولى التي تشغل منصب نائب السفير. تقول باعتزاز، من مكتب السفير في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «أنا المرأة الأولى التي تشغل منصب نائبة السفير في سفارتنا في لندن، وهي أكبر سفارة أميركية لنا في أوروبا بفارق كبير... وهذا منصب مرغوب جدا لدى الدبلوماسيين الأميركيين».

تعتبر ستيفنسن نفسها من الناشطين في مجالات تمكين المرأة والدفاع عن حقوقها. وواقع أنها تعمل لدى وزيرة خارجية هي أيضا امرأة يزيد من ثقتها بضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا في تحسين حياة النساء حول العالم. تقول: «أعمل لدى وزيرة خارجية تهتم كثيرا بقضايا المرأة، وأنا أؤيد رؤيتها حول ما إذا أردنا تحقيق كامل طاقات البلد، فلا يمكن أن نحيد نصف السكان». تروي أن صديقة لها وصفت مرة هيلاي كلينتون بأنها «على الأرجح الزعيم الوحيد في العالم الذي يستيقظ كل صباح ويسأل نفسه ماذا يمكنني أن أفعل لأحسن حياة النساء في العالم».

ولكن في منصبها في السفارة الأميركية، الذي تشغله منذ العام الماضي قادمة من باناما حيث شغلت منصب السفير لمدة عامين، لا يتسنى لها كثيرا العمل على مشاريع متعلقة بقضايا المرأة. عملها انطلاقا من منصبها كنائبة للسفير، أو «الرئيس التنفيذي للعمليات» كما تفضل أن تسمي نفسها، يتركز على التنسيق مع البريطانيين في مختلف الوزارات، من الدفاع إلى الداخلية والخارجية وغيرها.

تقول إن الموضوع السوري اليوم يترأس أجندة المشاورات السياسية مع البريطانيين. تكرر الجملة الرسمية للبيت الأبيض حول الأوضاع في سوريا، وتقول: «سوريا على رأس أولوياتنا. نحن نشعر بالقلق والروع من مستوى العنف، ومصممون على إسماع صوتنا وزيادة الضغوط على النظام في سوريا لوقف المذابح». وتشدد على «مستوى التنسيق العالي» مع البريطانيين «حول التعاطي مع الملف السوري وزيادة الضغوط على النظام لوقف العنف». تحاول أن تشرح الفارق في التعاطي الأميركي البريطاني بين الملفين الليبي والسوري، وعدم استعداد البيت الأبيض لدعوة الرئيس السوري للرحيل. تقول: «أعتقد أنه يمكنني أن أجيب عن ذلك بالنظر إلى ما حصل عندما تحدثت الجامعة العربية عن ليبيا، تسبب ذلك في تغيير كبير في تعاطي واشنطن مع الأمر واتخاذها خطوات لوقف حمام دم في بنغازي». وتضيف: «يمكن أن نرى من هنا مدى التأثير عندما تتحدث الجامعة العربية بصوت واحد، وتقول إنه يجب القيام بشيء. وهذا كان واضحا جدا في واشنطن».

تتحدث عن رؤية الولايات المتحدة لـ«العلاقات المميزة» التي تؤرق البريطانيين وتشغلهم. وتؤكد أن العلاقات المميزة «تعني الكثير لهم، وتعني الكثير لنا». تتحدث عن تاريخ العلاقات وعن اللغة المشتركة وعن النظرة للعالم التي غالبا ما تكون موحدة. تقول: «ننظر إلى العالم، وفي معظم الأحيان نراه بالطريقة نفسها، نرى المشكلات بالطريقة نفسها والحلول أيضا، بغض النظر عن الحزب الذي في السلطة».

ورغم أن أحد أدوار ستيفنسن هو إجراء مناقشات وتنسيق الجهود مع البريطانيين حول التعاطي مع الثورات في العالم العربي، فهي لا تتطرق إلى نقاشات شبيهة مع زملائها السفراء العرب في لندن. تقول إنه لا علاقات مميزة تربطها بهم، وإن اللقاءات تقتصر على المناسبات الرسمية المختلفة والأعياد الوطنية.

تتحدث عن «دروس» تعلمتها من عملها كنائبة منسق مكتب العراق في الخارجية الأميركية، من عام 2006 حتى عام 2008. تقول إن الدرس الأهم هو «إيجاد حكومات تستجيب على المستوى المحلي أو مستوى المحافظات، وأن تكون طلبات الشعب مستجابة من قبل حكوماتهم التي تعمل بشفافية وتخضع للمحاسبة». وبالنسبة إليها، الطريقة المثلى لمساعدة بناء الديمقراطيات تكون عبر تدعيم وبناء الحكم «لأن ذلك يسمح للشعب أن يقرر من يريد أن يقوده».

وكما تؤمن ستيفنسن بأهمية الحكم الرشيد في مساعدة بناء الديمقراطيات، تحاول تطبيق ذلك في السفارة التي تقول إن فيها «نفس» الحكومة الأميركية «غير موجودة إلا في سفارات قليلة لنا حول العالم». تشير إلى هناك 41 هيئة حكومية ممثلة في هذه السفارة، وألف موظف بينهم 500 موظفون مباشرون لدى الحكومة الفيدرالية في واشنطن، ما يعني أيضا انتقال «المنافسة بين الهيئات الموجودة في واشنطن، إلى لندن».

تفخر ستيفنسن بأنها هي التي تسمح بتهيئة المناخ للحوار الناجح بين الهيئات في لندن. ورغم أنها تتحدث عن منافسة، تنفي أن تكون هذه المنافسة تصل إلى حد عرقلة اتخاذ القرار. تقول ممازحة: «لا يتشاجرون أمامي». قبل أن تضيف: «دائما أقول لهم لا شيء يجعل قلبي يغني أكثر من الحكم الرشيد. ولكن أيضا لا شيء يجعلني أكثر استياء من أن أشاهد كيف نضيع أموال دافعي الضرائب عبر التصارع معا».

تصف الأزمة التي وقعت في واشنطن مطلع الشهر، بين الكونغرس والبيت الأبيض، وكادت أن تدفع بالولايات المتحدة إلى إعلان عجزها عن الوفاء بديونها للمرة الأولى في تاريخها، بأنها «مثبطة للغاية». ولكنها تؤكد أنها لم تتلقَّ «الاتصالات المذعورة» في لندن، وتقول: «الجميع توقع منا أن نتوصل إلى اتفاق».

بين محاولة خلق مناخ للحوار بين الهيئات الـ41 الممثلة في السفارة، وتنسيق الجهود مع المسؤولين البريطانيين، تعترف ستيفنسن بأن المهمة متعبة، ولكنها تضيف أنها «تعطي شعورا بالرضا عن النفس». تتحدث عما تجلبه هي إلى الوظيفة من خبرة طويلة في السلك الدبلوماسي منذ انضمامها إلى الخارجية الأميركية في عام 1985. تقول: «ما أجلبه إلى هنا، هو خبرة سنوات في الخدمة الخارجية، وخبرة في إدارة الوكالات المختلفة معا... والقدرة على (خلق أجواء) العمل كفريق لحل المشكلات التي تظهر أمامنا». وعندما تقارن عملها بعمل السفير، تقول هو «يجلب خبرة عمر من الصداقات التي جمعها والاتصالات»، وتضيف ضاحكة: «مثلا أنا أحلم بأن أرفع سماعة الهاتف وأتحدث إلى (نائب الرئيس) جو بايدن». أسألها إذا كانت تقوم بذلك في فترة غياب السفير، تهز رأسها نفيا. أقترح ربما لأن بايدن نفسه أيضا في إجازة، تنفجر بالضحك وتقول: «نعم... مع السفير». ولكنها تستعيد شيئا من الجدية وتعود وتشدد إلى أي مدى وظيفتها مرغوبة لمن يعملون في السلك الدبلوماسي، وتقول: «عادة إذا كان دبلوماسي سيذهب إلى التقاعد ولم يمر بعد بلندن يطلب أن يخدم هنا».