تقرير بريطاني: مطالبة بقواعد وإجراءات صارمة لتنظيم التجارب على الحيوانات

أسست السعودية أول كرسي بحثي في الوطن العربي مختص في نشر مبادئ الأخلاقيات الحيوية

متظاهرون ضد التجارب على الحيوانات
TT

تعد التجارب باستخدام الأجنة المهجنة من الإنسان والحيوان (Hybrid Embryos) من القضايا العلمية العالمية التي تحظى حاليا بالجدل والنقاش، فعلى الرغم من أهميتها في المساهمة في دفع الأبحاث الطبية والعلمية خطوات واسعة للأمام وخاصة في علاج الأمراض المستعصية، فإن هناك قضايا وجوانب أخلاقية ودينية وقانونية متعددة تتعلق بهذه التجارب والأبحاث، فهناك مخاوف متزايدة من الغموض في طبيعة هذه التجارب، الأمر الذي قد يسمح بانفلاتها من القواعد الحالية المنظمة لها، وخروجها عن سيطرة الإنسان. ففي تقرير صدر خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، طالبت الأكاديمية البريطانية للعلوم الطبية، بوضع قواعد وإجراءات أكثر صرامة ووضوح، لتنظيم التوسع المتزايد في إجراء التجارب باستخدام الجينات أو الأنسجة البشرية المزروعة في حيوانات. وقالت الأكاديمية إنه على الرغم من الاعتراف بحقيقة أن مثل هذه التجارب ضرورية للأبحاث الطبية، فإنه يتمخض عنها قضايا أخلاقية تتطلب هيئة من الخبراء للنظر فيها. وأكدت الأكاديمية ضرورة الحظر التام لتجارب الفئة الثالثة التي أجريت على أمخاخ القرود، وأدت إلى أنماط سلوكية في هذه الحيوانات شبيهة بأنماط السلوك البشري، حيث تقول الأكاديمية إنها تتوقع زيادة كبيرة في البحوث التي تجرى على الحيوانات وتكون الخلايا البشرية أحد مكوناتها، وتخشى أن يكون بعض هذه البحوث الجديدة غامضا في طبيعته لدرجة تسمح بالإفلات من القواعد الحالية المنظمة، فمثلا تنص القواعد الحالية في التجارب التي تجرى على جنين بشري حقنت فيه خلايا حيوانية، على أنه لا يسمح لذلك الجنين بأن يعيش أكثر من 14 يوما منذ بدء التجربة، ولكن في حالة ما إذا كان الجنين مأخوذا من حيوان تجارب وحقنت فيه خلايا بشرية، فإنه لا توجد قواعد منظمة على الإطلاق.

وتقول التقارير إنه يوجد أكثر من 150 جنينا مهجنا من الإنسان والحيوان تم تخليقها في المعامل البريطانية خلال الثلاث سنوات الماضية، وعلى الرغم من الحساسية العلمية التي أثارت حفيظة البريطانيين، فإن مثل هذه التجارب مرخصة بموجب قانون الإخصاب والأجنة البريطاني لعام 2008، الذي يجيز تخليق أنواع مختلفة من الكائنات المهجنة، التي تتضمن زرع نواة خلية بشرية داخل خلية حيوانية.

وقد صاغ التقرير، مجموعة متميزة من العلماء، وجاء كنتيجة للتزايد المطرد في أعداد التجارب التي يقوم فيها العلماء بإضافة جينات وأنسجة بشرية للحيوانات، مما يؤدي إلى استحداث كائنات مؤنسنة على غرار تلك الموجودة في فيلم الخيال العلمي «كوكب القرود»، ففي العام الماضي، تم إجراء أكثر من مليون تجربة على حيوانات معدلة وراثيا معظمها من الفئران والأسماك التي تحتوي على جينات بشرية بغرض استخدامها لاستحداث وتطوير أنواع جديدة من العقاقير لعلاج أمراض مثل السرطان والزهايمر (خرف الشيخوخة) أو للتعرف على دور الجينات الفردية، كما قام العلماء أيضا بتخليق حيوانات مؤنسنة عن طريق إدخال خلايا جذعية بشرية في أجنة حيوانية، وهذه الكائنات غير مألوفة الشكل (chimeras)، تستخدم بغرض فهم وإلقاء الضوء على حالات مثل السكتات الدماغية والتهاب الكبد الوبائي والسرطان.

يقول البروفسور روبين لوفيل - بيج، من مجلس البحوث الطبية التابع للمعهد الوطني للبحوث الطبية، والمؤلف الرئيس لهذا التقرير «إن العلماء لا يعيرون الأجنة المهجنة من الإنسان والحيوان أي اهتمام، حيث يتم تدمير هذه الأجنة في غضون 14 يوما»، ويضيف «إن السبب وراء إجراء هذه التجارب هو الحصول على فهم دقيق لتطور الإنسان في مراحل نموه الأولى والتوصل إلى طرق لعلاج الأمراض الخطيرة، وأشعر بأن هناك ضرورة أخلاقية لمتابعة هذه الأبحاث والتجارب. وطالما كان لدينا ضوابط كافية وفعالة، فلا بد أن نكون فخورين بمثل هذه الأبحاث»، كما دعا إلى تطبيق قيود صارمة على نوع آخر من أبحاث الأجنة الذي يتم فيه زرع أجنة حيوانية وبها كميات صغيرة من مواد جنينية بشرية. ويشير التقرير إلى أن العلماء يمكنهم تخليق حيوانات تحتوي على مواد بشرية مما يستدعى وجود حدود أخلاقية منظمة، كما دعا التقرير إلى تأسيس جمعية تضم عددا من الخبراء في وزارة الداخلية لمراقبة هذه التجارب، وطالب التقرير أيضا بحظر بعض الأبحاث التي من بينها تلك التي يتم فيها حقن خلايا جذعية بشرية في أدمغة الرئيسيات، الأمر الذي يؤدي إلى استحداث أجناس تحاكي سلوك الإنسان، وبالتالي منع العلماء من تخليق قرود تتمتع بذكاء يشبه ذكاء الإنسان وبالقدرة على الكلام.

يقول البروفسور توماس بالدوين، المؤلف المشارك في التقرير، «هناك مخاوف من أنه إذا تم وضع أعداد كبيرة من خلايا مخ الإنسان في أدمغة الحيوانات الرئيسية، يمكن فجأة تحول هذه الرئيسيات إلى شيء ما لديه بعض القدرات التي يتميز بها الإنسان مثل الكلام. كل هذه الاحتمالات، التي هي في معظمها الآن تدخل ضمن الخيال العلمي، نحن في حاجة للبدء بجدية في التفكير فيها». وحول قضية تخليق كائنات مهجنة غريبة الشكل من الإنسان والحيوان بغرض التجارب، يقول البروفسور عبد الله دار، مدير مركز الأخلاقيات والسياسة بمركز ماكلفلان للطب الجزيئي بجامعة تورونتو الكندية، في مقال علمي نشر العام الماضي بدورية (بي إم سي الصحة الدولية وحقوق الإنسان)، إن هناك تحفظات أخلاقية بشأن تخليق كائنات غريبة من الحيوان والإنسان، تتمحور حول القلق الذي يثيره تجاوز الحدود بين الأنواع، مما أدى لطرح العديد من التساؤلات المشروعة، من بينها: ما موقع هذه الكائنات على التسلسل الهرمي للأنواع؟ وماذا سيحدث إذا هاجرت الخلايا البشرية إلى الجهاز العصبي المركزي لهذه الكائنات؟ وإذا حدث، هل هذه الكائنات ستصبح أكثر إنسانية بتطويرها لمشاعر ومخاوف إنسانية؟ وهل ستشعر بالظلم والكبت في قفص وغير قادرة على توصيل آلامها وأحزانها؟ وكم عدد خلايا عصبية تحتاج إلى استبدالها بخلايا عصبية إنسانية، حتى يصبح ذلك مصدر قلق حقيقي؟ ويرى الكثيرون أن الحالة المعنوية لهذه الكائنات المهجنة الغريبة غير واضحة، وتضاربت آراء المحللين حولها، إلا أن البعض منها ركز على احتمال توالد أجيال من هذه الكائنات المهجنة وطبيعة أنسالها غير المؤكدة.

وعلى صعيد آخر متصل، قام اللورد ألتون بمناقشة قضية تخليق كائنات مهجنة من الإنسان والحيوان أمام مجموعة من العلماء في إحدى جلسات البرلمان البريطاني المنعقدة في شهر يوليو (حزيران) الماضي باعتبارها مسألة مبادئ وقيم، حيث قال «لم يقدم أحد من العلماء الموجودين أي تبريرات من حيث أسلوب التعامل مع هذه المخلوقات»، ويضيف «دائما ما يأتي تبرير العلماء عند كل مرحلة تجريبية في أبحاثهم بقولهم، إنه إذا فقط سمحتم لنا بالقيام بهذا، فسوف نجد ونكتشف علاجات لكل الأمراض المعروفة للبشرية، وهذا يعتبر ابتزازا عاطفيا». وجدير بالذكر أنه توجد في بريطانيا ثلاثة معامل مسموح لها بالقيام بإجراء مثل هذه التجارب، في كلية لندن الملكية وجامعة نيوكاسيل وجامعة وورويك، كما أن التجارب على الحيوانات في بريطانيا تخضع لإشراف «لجنة قواعد أبحاث الحيوان» التابعة لوزارة الداخلية.

يذكر أن مخاوف وتحذيرات العلماء من هذه الكائنات المهجنة، قد وجدت صداها في العديد من كتابات وأفلام الخيال العلمي، فمثلا، فيلم الخيال العلمي الأميركي الكندي الفرنسي «ترقيع أو لصق» (سبليس)(Splice) عام 2009 للمخرج الكندي فينسينزو ناتالي، يعالج الأبعاد الأخلاقية لأبحاث وتقنيات الهندسة الوراثية وخاصة قضية التجريب والتعامل مع حيوانات المعامل، ويحكي الفيلم قصة زوجين يعملان في مجال الهندسة الوراثية - كلايف وإيلسا - ويرغبان في تحقيق الشهرة من خلال نجاحهما في خلط الـحمض النووي «دي إن إيه» لدى أنواع مختلفة من الحيوانات بهدف تخليق كائنات جديدة مهجنة للاستخدام في مجال الأبحاث الطبية، وبعد أن نجحا في تخليق نوع ذكري من هذه المخلوقات، أرادا استخدام حمض نووي بشري، لتخليق كائن من شأنه إحداث ثورة طبية، ولكن الشركة الممولة لمشروعهما رفضت الفكرة وأمرت بالتركيز على اكتشاف واستخلاص بروتينات من المخلوقات التي تم تهجينها بالفعل، ولكن وفي سرية تامة قام العالمان بتنفيذ فكرتهما والاستمرار في التجريب وذلك بدمج حمض نووي بشري بآخر حيواني، ولكن الكائن المهجن ظهر مشوها وعدوانيا، حيث قام بعض إيلسا أكثر من مرة بعد ولادته مباشرة، وتم تسميته «درين» (Dren)، وهي القراءة المعكوسة لكلمة Nerd الإنجليزية والتي تعني «شخص غريب الطباع». وفي فيلم الخيال العلمي الأميركي الحديث بعنوان «نهضة كوكب القرود»، الذي تم إطلاقه خلال أغسطس (آب) الحالي، ومن إخراج البريطاني روبيرت وايت، حيث يتناول قصة عالم وراثة يعيش حاليا في مدينة سان فرانسيسكو، وينجح في اكتشاف علاج لمرض الزهايمر بالتجريب على القرد الشمبانزي «سيزر»، والذي لا يساعد فقط على إصلاح خلايا مخه، ولكنه أيضا قد عدل من تركيبه الجيني وطريقة تفكيره، مما أدى إلى تخليق جنس جديد من القرود، يتمتع بذكاء يشبه ذكاء الإنسان، مما دفع السلطات إلى حبسه، إلا أن القرد «سيزر» تمكن من الهروب، وإطلاقه لخلية في الهواء اكتسبها أقرانه من القرود، ليصبحوا مثله، وليتمكن من بناء جيش من القرود لمحاربة البشر والتخلص منهم جميعا، ليؤكد سيادة جنس القرود على الأرض. وتدخل مسألة الأجنة المهجنة، ضمن مجال علم «الأخلاقيات الحيوية» (Bioethics)، الذي يعد من مجالات البحث العلمية العالمية المهمة حاليا، وهو علم متكامل يهدف عموما إلى وضع ضوابط للقضايا والأبحاث العلمية التي يجريها الباحثون على الإنسان أو الحيوان أو النبات، وتوجيهها الوجهة السليمة، وبما يعزز شعورهم بالمسؤولية تجاه الفرد والمجتمع، وتتأثر الأخلاقيات الحيوية بعادات وتقاليد وثقافة كل دولة، ولكن تبقى القضايا والمسائل العلمية مشتركة بالمفهوم العالمي لها. ولهذا بدأت العديد من الدول المتقدمة بوضع برامج وأبحاث للدراسات العليا في الجامعات حول هذا المجال. وهناك أيضا جهود عربية متنامية في عالمنا العربي حول الاهتمام بعلم الأخلاقيات الحيوية، وخاصة في السعودية، حيث قامت بتأسيس اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية، تحت إشراف وإدارة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، وتأسيس أول كرسي بحثي في الوطن العربي مختص في نشر مبادئ الأخلاقيات الحيوية، مدعوم بالبرامج والخبراء من قبل منظمة اليونيسكو ومقره مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالشؤون الصحية للحرس الوطني.