النخلة تعيد وهجها الاقتصادي محليا وعالميا

بريدة تجدد قصص السعوديين مع النخلة عبر مهرجانها للتمور

شاب سعودي من منطقة القصيم يعمل على بيع إنتاج منطقته من التمور في مهرجان بريده (تصوير: بندر الجلعود)
TT

النخلة و«البترول» عنصران يعتبران عصب اقتصاد السعوديين سابقا وحاليا، وإن كان الحال قد تغير لحسابات العرض والطلب فتراجعت النخلة وقل الاعتماد عليها بظهور البترول.

لكن في السنوات الأخيرة ومع ظهور المهرجانات التسويقية للتمور في السعودية، وخاصةً مهرجان بريده زاد الإقبال على زراعة النخلة، خاصةً الفاخرة، وهو ما قاد إلى ارتفاع إنتاجها، وبلغ نتيجة هذا الأمر ارتفاع سعر صندوق التمر الفاخر الذي لا يتجاوز 5 كيلوغرامات في الوزن قرابة 350 ريالا (نحو 100 دولار)، وهنا تنشأ ببساطة المقارنة بين برميل النفط، وصندوق التمر، خصوصا لدى تُجّار أسواق التمور ومرتاديه.

ومعلومٌ أن السعودية تعمل حاليا على إنشاء مجلسٍ دولي للنخيل والتمور، على أن تكون هي مقرا له، ويأتي ذلك فيما احتضنت العاصمة السعودية الرياض في وقتٍ مضى اجتماعا تمهيديا لإنشاء المجلس الدولي للنخيل والتمور بحضور ممثلين للدول المنتجة عالميا والمنظمات الدولية والإقليمية.

وكانت مدينة بريده في منطقة القصيم (وسط السعودية) أطلقت مساء الاثنين الماضي مهرجانها للتمور في نسخته العاشرة بمدينة التمور، بعد اكتمال التحضيرات اللازمة لهذا الحدث، وصمم من قبل المنظمين على تلافي سلبيات النسخ السابقة، وتنظيم شكلٍ جديد يشمل مناحي مدينة التمور بعد تنامي المهرجان والازدياد المُضطرد في كميات التمور المباعة في السوق.

ومع تدفق النفط في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وبعد توحيد البلاد على يد المغفور له الملك عبد العزيز، كان اهتمام الدولة بالنخلة بالغا وجليا ونابعا من مكانتها، وتم اختيارها ضمن الشعار الرسمي للدولة، والذي يتكون من نخلة وسيفين يقاطعانها.

ومع العصر الزاهر، زاد النماء والرخاء، ووجه الأبناء للتعليم، وتحولت البلاد لعصر التطور والصناعات، وانخرط أبناؤها في قطاعات عدة وظهور الحياة المدنية بعد حياة البادية والأرياف، ومعه خفت الاهتمام بالنخلة من قبل الأهالي، وأوكلت تلك المهمة لمزارعين جدد من جنسيات مختلفة لم تعرف التعامل معها، مما سبب ضعف إنتاج التمور وقل الاعتماد عليه.

ومن أوائل المشاريع الحكومية المختصة في الزراعة مشروع خاص بالنخيل باعتبار هذه الثمرة جزءا مهما من منظومة الاقتصاد، وأنشئ في الأحساء (شرق السعودية) مشروع الري والصرف، الذي دشنه الملك فيصل عام 1392هـ كأكبر مشاريع الري في الشرق الأوسط، ويوفر المياه بأسلوب مقنن لمزارع المنطقة، ودفعت الحكومة قروضا ميسرةً للمزارعين تشجيعا على زراعتها.

ووصل إجمالي عدد النخيل في المملكة بحسب إحصاء لوزارة الزراعة إلى 23 مليون نخلة، في حين يبلغ الإنتاج السنوي من التمور نحو مليون طن من خلال 155 ألف هكتار، وتبلغ كمية التمور المصدرة منها قرابة 8 في المائة من الإنتاج المحلي، رغم أن المملكة ثالث أهم دولة مُنتجة عالميا.

ومع تسليط الضوء على النخلة وانتشار المهرجانات التسويقية لها ومن أهمها مهرجان بريده للتمور، أخذت مساحة النخيل اتجاها عاما متزايدا، وارتفعت معه الاستثمارات المرتبطة بالتمر، ويوجد في السعودية ما يقرب من 50 مصنعا للتمور تستوعب ما يصل إلى أكثر من 100 ألف طن من التمور، أي نحو 8 في المائة من إنتاج المملكة.

وبدأت النخلة تستعيد جزءا من مكانتها الاقتصادية في البلاد، بعد أن اتجه المزارعون لتحسين والتغلب على المشاكل التسويقية التي كانت حجر عثرة في وجهم بالسابق، بعد أن فتحوا نوافذ تسويقية جديدة منها المهرجانات؛ حيث كان ذلك، والتي ساهمت بتسويق منتجاتهم.

ومع إطلاق مهرجان بريده للتمور يتوقع أن يرتفع معروض المهرجان من التمر لهذا العام لأكثر من 200 ألف طن من مختلف أنواع وأصناف التمور، بنموٍ في المعروض يصل إلى 20 في المائة، بقيمة تتجاوز المليارين ونصف المليار ريال سعودي.

وأشار في هذا الصدد أمين لجنة التمور بمهرجان بريدة سليمان عبد الرحمن الفايز إلى أن المهرجان وارتفاع محصول النخيل، ساهما بإنشاء مدينة كاملة للتمور، وهي واقع الآن بمساحة 300 ألف متر، وانتهى العمل في جزء منها، وستضم أيضا فندقا 5 نجوم، وهايبر ماركت خاصا للنخيل، ومركزا للنخلة.

واعتبر الفايز أن هذه المدينة منطلق أيضا لجميع المناسبات التي تقام على مدار العام والخاصة بالنخلة وإنتاجها، بعد اكتمال أجزاء المدينة لتكون منارة للنخيل والتمور في السعودية.

ومن حيث الجديد في مهرجان بريده للتمور هذا العام، فقد أدخلت اللجنة المنظّمة هذا العام بواباتٍ إلكترونية يناط بها دقة التنظيم، وتم التعاقد مع إحدى الجمعيات التعاونية لتكون عين الرقيب على الموازين في السوق أكبر وأعلى مما مضى، لتكون عمليات البيع والتسويق بشكلٍ أدق وأكبر فاعلية.

الدكتور خالد النقيدان المدير التنفيذي لمهرجان بريدة الدولي للتمور، يرى أنه مع كل موسمٍ لجني التمور، والذي يبدأ مع بداية شهر أغسطس (آب) الحالي حتى منتصف سبتمبر (أيلول)، يظهر في نفوس بعض المُهتمين «تشبيه للنخلة بالبترول» بين مزارعي التمور وباعة التمور، نظرا للعوائد المادية المجزية التي يحققونها ووصول سعر بعض الأصناف من التمر الفاخر بـ300 ريال للكرتونة التي لا يتجاوز وزنها 5 كيلوغرامات، وهو ما يقترب نوعا ما من سعر برميل البترول في هذه الأيام، ومن هنا تتجلى المفارقة بين هاتين السلعتين.

أما محمد الحربي رئيس الشؤون الإعلامية لمهرجان بريده للتمور، فربط نجاح مهرجان تمور بريدة خلال السنوات الماضية بجهودٍ بُنيت على تأسيس وتخطيطٍ عالي المستوى، فيما لم يُغفل القائمون على تأسيسه، ضرورة وجود من يتولى سرد قصصٍ عن تاريخ النخلة والتعريف بها من قبل كبار السن للأجيال التي لم تعاصرها ولم تشهد اقتصادها، كونها وثيقة الارتباط بمناحي الحياة بشكل واسع في الفترة السابقة، وكونها السلعة الرئيسية التي يقايضون بها، ويجلب لبيعها تُجّار الشام واليمن والعراق، وتأكيد أن من يمتلك النخيل في الوقت السابق يعتبر من الأثرياء، وبعددها تحسب ثروتك ورصيدك.

ووصف محمد الحربي النخلة بـ«النفط» في الوقت السابق، كونها لا تقتصر على إنتاج التمر فقط، بل تدخل في صناعات عدة، منها بناء البيوت وسقفها بجريد النخل، ويُعمل الحصير من سعفها ويستخدم كسجاد داخل المنزل، والأواني التي كانوا يأكلون بها، وتساهم أيضا باستخراج الماء من الآبار قديما، وقد تسببت النخلة في صراعات عدة للظفر بها، وعرفانا بدور هذه الشجرة في حياتهم وتأثيرها على حياتهم اليومية، تصدرت «النخلة» العديد من قصائد الشعراء، وخُصّت أيضا بقصائد وضربت أمثالٌ عدة بها.