مهرجانات رمضان تبلغ ذروتها في طرابلس

«على ضوء القمر» إنشاد ديني وفتلة مولوية للدراويش

الفنان مصطفى سعيد وفرقته
TT

تحتفل المدن اللبنانية بشهر رمضان، من خلال مهرجانات خاصة، وبرامج غنائية وإنشادية موسيقية، سواء في العاصمة أو المناطق، وإن كان «مسرح بابل» في بيروت الذي يديره المخرج المعروف جواد الأسدي مستمرا في حفلاته الرمضانية السنوية المعتادة، فإن «مسرح بيروت» ينضم إلى الركب هذه السنة، بينما لا ينتهي مهرجان في مدينة طرابلس إلا ليبدأ آخر. وإن كانت ليالي بيروت تتيح في المجال للأغاني الطربية، والموسيقى التراثية لا بل ومختلف أنواع الفنون خلال شهر رمضان، فإن هذه الأجواء لم تعد تنسحب في السنوات الأخيرة، على كل المناطق لا سيما ذات الطابع الإسلامي المحافظ منها. مدينة طرابلس مثلا هذه السنة وتحت وطأة النقد الذي وجهه مشايخها لحفلات العام الماضي، على اعتبار أنها خرجت عن تقاليد شهر الصيام، اكتفت بالأغنيات الدينية والإنشاد، وفرق الدراويش، والقليل من الطرب لإبهاج القلوب. وقد اختتم «مهرجان ليالي طرابلس» الذي تنظمه «جمعية العزم والسعادة» التابعة لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي في المدينة، مساء الأربعاء الماضي بحفل للفنان المعروف وائل جسار، ليبدأ مساء الخميس مهرجان آخر يحمل اسم على «على ضوء القمر» ينظمه «مركز الصفدي الثقافي» التابع لوزير المالية اللبناني الحالي محمد الصفدي.

وائل جسار المعروف بأغنياته الرومانسية قرر هذه المرة أن يركز على الأغاني الدينية، وخاصة تلك التي صدرت في ألبوم خاص منذ سنة ونصف تقريبا تحت عنوان «في حضرة المحبوب»، إضافة إلى أغنية أو اثنتين من ألبوم ديني جديد له أيضا صدر مؤخرا للأطفال. الجمهور من جانبه ألح على الاستماع إلى أغنيات الحب الهادئة التي اشتهر بها جسار مثل «غريب الناس» و«جرح الماضي». وهو ما كان قد اتفق عليه مع المنظمين حسب ما قال لنا جسار في اتصال لنا معه. لكن يبدو أن رغبة الحاضرين - الذين ربما زاد عددهم على الخمسة آلاف - في الاستماع إلى المزيد من أغاني الحب على حساب الأغاني الدينية، تسبب في شيء من الحرج للمنظمين. وبدا أن الحفل قطع بشكل سريع، استغرب له الحاضرون، ربما، درءا لأي خروج عن الخطة المرسومة، وإثارة انتقادات ذات طابع ديني، ليس هذا وقتها، ضد رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، راعي المهرجان.

وائل جسار الآتي من المغرب بعد حفل حضره هناك ما يقارب 140 ألف شخص، لا يبدو أن ألبوميه الدينيين معروفان في لبنان بالقدر الذي شاعا فيه في مصر ودول عربية أخرى. مما جعل بعض الحاضرين يشعرون بأنهم يستمعون لما لم يكونوا ينتظرونه. وبين من يريد أن تبقى الاحتفالات في إطار الإنشاد الديني ومن يعتقد أن شيئا من الطرب الأصيل لا يضر الصائمين، تأرجحت المهرجانات الرمضانية المناطقية هذا العام.

انتهى مهرجان في طرابلس إذن ليبدأ آخر. واختتم «مهرجان ليالي طرابلس» ليفتتح «على ضوء القمر» مساء الخميس الماضي مع عازف العود والمرنم المصري المعروف بغنائه للتراث الكلاسيكي العربي مصطفى سعيد بحيث أسمع الحضور بعضا من المدائح النبوية القديمة، وأخرى أحدث عهدا وانتهي بعزف على العود، وبأغنيات تراثية لم تخل من الحب، يرافقه عزفا على القانون الموسيقي غسان سحاب. أما ختام السهرة الافتتاحية فجاء مع فرقة الوداع الرمضانية، وعرض لفرقة طرابلس التراثية للإنشاد والفتلة المولوية التي فاجأت الحضور بظهورها وسط الجمهور، حيث قدمت وصلات بقيادة الشيخ جميل الحموي، ومجموعة من الأناشيد المتعلقة بشهر رمضان والتواشيح الدينية والمدائح النبوية، بمشاركة أحد المتصوفة الذي اعتلى بثوبه الفضفاض الأبيض، منصة وسط باحة خارجية، للمركز الثقافي، بحيث تجمهر حوله الناس وشاركوا الفرقة المدائح على إيقاعات ملحني الفرقة.

في اليوم ذاته، كان الممثل الكوميدي أسعد، وبدعم من «مركز الصفدي» أيضا وبشراكة مع بلدية طرابلس، يقدم اسكتشات نقدية في طرابلس على مسرح «الرابطة الثقافية». ويسعى السياسيون من أبناء المدينة على الوجود ثقافيا وفنيا أثناء شهر رمضان، إذ سيمتد المهرجان الذي يدعمه المركز الثقافي للوزير محمد الصفدي كل خميس حتى نهاية الشهر، ويقدم حفلا لكورال الفيحاء وآخر الأسبوع الذي يليه للفنان المعروف شربل روحانا، يقتصر على معزوفات جديدة على العود بعيدا عن الغناء. كما يدعم «مركز الصفدي» حفلا لفرقة الفنون الشعبية الموسيقية لإنشاد التراث. وهدف المركز بحسب ما تقول لنا المسؤولة الإعلامية فيه نهلة المنير «هو جعل رمضان مناسبة للاحتفال على المسارح وفي الساحات، وفي مختلف أحياء طرابلس، وإتاحة الفرصة للناس للاختيار بين هذه الأنشطة، كل على هواه».

ومن الملاحظات التي تستحق التسجيل مشاركة فنانين مسيحيين في هذه الأمسيات الرمضانية ذات الطابع الديني، مثل شربل روحانا، وكذلك غسان سحاب الذي شارك في تلاوة الذكر مع المرنم مصطفى سعيد وعزف إلى جانبه، وهناك أيضا المايسترو الأرمني باركيف تاسلاكيان الذي يقود كورال الفيحاء، لا بل هو مؤسسه وعموده الفقري. والاحتفالات الرمضانية لا تقتصر على بيروت وطرابلس التي هي الأكثر نشاطا. إذ تنظم بلدية صيدا، احتفالات بالتعاون مع لجان المناطق ومؤسسة الحريري. وشهدت منطقة الفيلات الشعبية في المدينة، منذ عدة أيام، عروضا تراثية بالسيف والترس، وصدحت الأناشيد والابتهالات الدينية الرمضانية.