شوارع الطعام الهندية في رمضان.. حركة دائبة حتى الصباح

يتم استبدال شرائط قرآنية وابتهالات بموسيقى الأفلام

TT

يوجد هنا في الهند بعض شوارع الطعام الشهيرة التي يصيبها الجنون طوال ليل شهر رمضان – وربما تعد هذه الشوارع هي مناطق الطعام الوحيدة في العالم أجمع التي توجد في الهواء الطلق حيث يجتمع الناس من جميع أنحاء العالم في شهر رمضان الكريم ليتناولوا أطباق الطعام الشهية التي تختفي تماما في آخر ليلة من رمضان.

وعندما تغرب الشمس تتلألأ الأضواء الخضراء اللامعة في جامع المنارة في مومباي، العاصمة الاقتصادية للهند، بينما تعم الفوضى الشوارع. وإذا ما تحدثنا عن رمضان والطعام الجيد الذي يقدم خلال هذا الشهر، نجد أن أحد الأماكن التي تقدم أفضل مطاعم المأكولات الهندية هو جامع المنارة الذي يقع على طريق محمد علي والذي يعتبر وجهة كل محبي الطعام.

ويشهد هذا المكان، الذي يزدحم بالرواد طوال شهر رمضان، عاشقي الطعام وخبراء الطعام القادمين من كل حدب وصوب. وإذا ما سرت في هذا الممر، تفتن بالرائحة الشهية للدجاج المشوي على لهيب الفحم، والكباب المطبوخ في الأواني العملاقة. ويتنافس مالكو محلات الطعام على جانبي الممر على جذب المارة نحو محلاتهم التي تقدم لحم الكباب ودجاج تكا والخشدة الهندية والكبد والكلاوي ومخ السمان المقلي.. إلخ.

وتنتهي أيام الصيام بليالي الاحتفال حيث تجتمع العائلات في الشوارع التي يتم تقديم الطعام فيها في الهواء الطلق حول المسجد ليلتهموا المأكولات اللذيذة طوال الليل. ويعمل مقدمو الطعام في الممر الشهير بصورة تشبه خلية النحل لتقديم المأكولات الشهية ودعوة الصائمين لاحتفال عظيم للإفطار بعد يوم طويل من الصيام. المحلات الموجودة على جانبي الممر تقدم جميع أنواع الأطعمة والتي تناسب الجميع فمن المأكولات النباتية وغير النباتية وأطباق الحلوى التي تغري الخبراء بالطعام الجيد للالتهام ما يزيد عن شهيتهم المعتادة. كل ما عليك فعله هو أن تقوم باتباع أنفك - فالهواء مفعم برائحة التوابل واللحم المقلي من الدجاج ولحم الضأن والكبد والكلاوي والخبز المحلي.

كما أن المشهد مثير للغاية، حيث يقوم المديرون والموظفون الذين يرتدون أربطة العنق الأنيقة بقضم الكباب بلهفة ويأكل طلاب الجامعة الذين يرتدون الجينز والقمصان الدجاج المقلي بشراهة شديدة، فيما يلتهم كبار السن أطباق الحلوى بينما تقوم العائلات بتناول الكاري مع الخبز. وينتشر الدخان الكثيف القادم من محلات الكباب على الرصيف، فيما ترى رجالا ونساء في أبهى حللهم يطوفون المكان بحثا عن أفضل المحلات التي تقدم الكباب والحلوى، في الوقت الذي تأخذ فيه بعض النساء استراحة من الطعام لتقوم بفحص المحلات على جانب الطريق التي تبيع الحلي الرخيصة والخلاخيل والملابس والأحذية وما شابه ذلك.

ما هو المكان الآخر الذي يمكنك فيه أن ترى الطاهي يقرع كرة من العجين على لوحة ثم يقوم، بمهارة شديدة تشبه مهارة الحاوي، برميها في الهواء حتى تتحول إلى قرص دائري كبير ثم يقوم بفردها في مقلاة من الحديد ويقوم بوضعها لدقيقة واحدة في الفرن. ثم يقوم بعد ذلك بطي الـ«رومالي روتي»، الذي يكون ناعما ورقيقا مثل المنديل، مثل مفرش المائدة ثم يقدمه إلى العميل مع شيش الكباب، ثم ينقع كباب لحم الضأن المفروم جيدا في الزبادي والتوابل ثم يوضع في سيخ الكباب ويشوى على لهيب الفحم.

ويقول الشيخ عقيل، وهو يأتي بصورة دورية إلى هذا المكان طوال شهر رمضان، إن الطعام الذي يقدم في مطاعم هذا الشارع يعد غذاء للروح والجسد بعد صيام يوم كامل منذ الفجر وحتى الغسق.

ويقول إسماعيل أحمد الذي يتردد على هذا المكان طوال شهر رمضان «أشعر بأنني أفتقد إلى شيء ما إذا لم أحضر إلى هنا في رمضان».

ويؤدي اندفاع الكثيرين من محبي الطعام إلى هذا المكان إلى وقوف أصحاب المطاعم على أقدامهم حتى فجر اليوم التالي.

ومما يدعو للدهشة هو أن هذا المكان يبعث إلى الحياة كل عام في اليوم الأول من شهر رمضان ويختفي تماما فور انقضاء آخر يوم للصيام، حيث يأتي التجار من مختلف أنحاء البلاد لجني الأرباح.

يقول أبرار باني، 30 عاما، الذي يدير منفذا لبيع المأكولات السريعة على طريق محمد علي ويقدم الكثير من الأطباق من خلال نافذته: «ما من سبيل إلى الذهاب للنوم حتى وإن كنت منهكا للغاية، فإذا ما ذهبت للنوم، ستخسر صفقة جيدة من العمل».

المكان لا يزدحم بالمسلمين فقط بعد يوم من الصيام، وإنما يتوافد على المكان الكثير من غير المسلمين الذين يتشاركون في الاحتفال مع إخوانهم المسلمين.

براشي، فتاة جامعية، تأتي إلى هنا بصورة منتظمة طوال شهر رمضان وتقول: «أحب أن أكون هنا. كما أحب رؤية الكثير من الأشخاص وهم منهمكون في تناول الطعام. ويعد هذا المكان ملاذا لكل من النباتيين وغير النباتيين على حد سواء».

وقال خالد، الذي يمتلك أحد هذه المحلات: «نحو 25% من الزبائن من غير المسلمين، فلقد أصبحت هذه عادة طوال شهر رمضان».

في الحقيقة أن جو رمضان متشابه في جميع المدن القديمة سواء كان ذلك في جامع المنار في مومباي أو مسجد جاما في دلهي أو مسجد مكة في حيدر آباد.

ويعد أشهر شوارع الطعام في مدينة دلهي خلال رمضان في منطقة بالقرب من مسجد جاما، الذي يعد معجزة القرن الـ17، وأكبر المساجد في الهند، ويقدم مشهدا ساحرا عبارة عن بازار كثير الرواج يموج بالبسمات تحت اللون الذهبي المشرق للمسجد الجذاب. وفي منتصف الليل، يموج المكان بالحركة والنشاط.

وتقام ترتيبات الأكل المؤقتة على جانبي الطريق لتناول الإفطار في المساء حيث يتم تقديم كميات كبيرة من الطعام باهظ التكلفة. وتضفي الأضواء التي تنير مسجد جاما العظيم جوا مشرقا في رمضان.

وبينما تتجه إلى نهاية الشارع، ستجد عددا لا حصر له من المحلات التي تبيع الدجاج المشوي وكباب اللحم البقري وكباب أيرون رود. ويعج المكان بالألوان المتعددة ورائحة الزيت الساخن والزبد واللحم المشوي والتوابل المحمصة.

كما تتم إنارة المحلات بأضواء زاهية. ويتم استبدال شرائط قرآنية وابتهالات بموسيقى الأفلام في مدح النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

وإذا تحركت أمتارا قليلة ستجد أن بازار ماتيا محل يعج بالألوان والأضواء وجميع أنواع النسيج والعطور، لكن فور دخولك سوق ماتيا محل، ستنسى تماما الحمية التي تتبعها وتقوم بالتهام الحلوى والوجبات الخفيفة. ويتمتع المكان بشهرة عالمية لوجود مطعم كريم الذي يعد أحد أقدم المطاعم التي تحيط بمسجد جاما كما أن له تاريخا طويلا وذلك لتقديمه طبق المغلاي. وعلى مدار السنوات، رغم ذلك، يبدو أن كريم بدأ في تقديم الأطباق للسياح (الهنود والأجانب) كما قام بإدخال تعديلات على الوصفات القديمة التي يقدمها. وتغيرت النكهات وفقا للتغييرات التي يشهدها العالم ولم تقتصر على وصفات من المطبخ المسلم فقط.

بعد ذلك يأتي مطعم «دجاج إسلام»، حيث يصطف الناس ويطلبون الطعام بسبب الصفوف الطويلة! ويقدم هذا المطعم الدجاج المشوي الممزوج بالكريمة والزبد والتوابل مع الرومالي روتيس وتعد هذه الأطباق هي أسباب رواج هذا المكان. ولا يحتاج محبو الدجاج الذهاب بعيدا عن «ساهي تشيكن كورنر»، بالقرب من كالان، حيث يتم هناك شي الدجاج الطري الموضوع على عصيان حديدية أمامك. ويقول الشاب الذي يقف وراء آلة الحساب: «يتم بيع نحو 200 دجاجة طوال ليل شهر رمضان».

وبعد انتهاء حفل الإفطار، وأثناء تجولك في المكان، تستطيع شراء أرخص وأفضل أنواع البيجامات وأغطية السرير والحلي والعطور من محلات مثل أمان غارمينتس وآتار هاوس ومحل «آتار فاروش آند فاشون زون». وفي مدينة زكير ناغار التي تقع جنوب دلهي، يقوم «غاليري فاشون» الذي يملكه أفطاب بهاي ببيع القرطق الذي يتراوح سعره بين مائة روبية وألف روبية. ويأتي الخبراء في القطن الجيد والقرطق المغزول يدويا إلى هنا من كل حدب وصوب.

ويعد رمضان من أفضل الشهور في مدينة حيدر آباد حيث يعد المكان ملاذا لمحبي الطعام. وفي الشهر المعظم، تزدحم شوارع تشارمينار. ويتحدث الكثير عن لاد بازار بأنه يشبه المتاهة ويزدحم كثيرا بالطعام والأشخاص الذين يقومون بشراء الطعام من بائعي الشارع ومحلات الطعام التي تقع على جانبي الطريق منذ الظهيرة وحتى أوقات متأخرة من الليل أو حتى صباح اليوم التالي.

ورغم أنه يتعين إغلاق المحلات التجارية الأخرى بحلول العاشرة مساء والمطاعم في الحادية عشرة مساء، في رمضان لا يتم الالتزام بهذه القواعد. ويصل الصخب والضجيج إلى ذروته في الثالثة صباحا حيث تكون جميع الأنشطة في أوج ازدهارها. وتكون جميع المطاعم التي تقع على امتداد شارع الباثيرغاتي مفتوحة كل مساء كما تتم إنارة الشارع بمصابيح قوية.

وتمتد الروح الثقافية في حيدر آباد إلى ما هو أبعد من تشارمينار الشهير ومسجد مكة. وبحلول شهر رمضان تستمع إلى الضجيج في المناطق المحيطة بالبازارات في المدينة. ويقوم الآلاف بعمل خط مباشر أمام الكثير من منافذ الطعام، بغض النظر عن حجمها، ليحصلوا على طبق حليم، وهو طبق إيراني الأصل شهير مصنوع من لحم الضأن والزبد الصافي والقمح.