المغربية سميرة القادري تخصصت في «أصعب» أنواع الغناء.. موسيقى القرون الوسطى المتوسطية

«سوبرانو» الأندلسيات تحمل لقب «دكتورة»

سميرة القادري في إحدى حفلاتها («الشرق الأوسط»)
TT

اختارت الفنانة المغربية سميرة القادري أن تتخصص في أصعب أنواع الغناء على الإطلاق وهو «غناء القرون الوسطى».

تغني سميرة بالعربية وبالقشتالية القديمة أندلسيات المغرب العربي وأغاني الغاتيغا بالأدينو والحكايتية، وأغاني السفرديم لشمال المغرب، وبلغة الأوك أغاني الشعراء المتجولين في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا، وبالسريالية تراتيل الكنائس الشرقية، وبالآرامية أغاني السريانيين.

وتجمع القادري كل ذلك في رصيدها الفني، وهي ليست مجرد فنانة تغني هذا الأنواع الغنائية الفردية، بل هي أيضا باحثة متخصصة، ربما تكون الفنانة الوحيدة في العالم العربي التي حصلت على درجة الدكتوراه العلمية. لذلك، تجمع سميرة القادري بين البحث العلمي والغناء النخبوي، القادم عبر الزمن ويصل إلى عشاقه بفضل نبشها في التراث القديم.

نالت مؤخرا الميدالية الذهبية للاستحقاق من المجلس الوطني للموسيقى المغربي، كما منحت صفة سفيرة فوق العادة للثقافة من طرف «مؤسسة النعمان العالمية» في لبنان، وشكل ذلك بداية أخرى في مسارها كفنانة «سوبرانو» تخوض تجربة البحث والتنقيب في غنائيات البحر الأبيض المتوسط المستمدة من الموسيقى الأندلسية، وكانت مشاركتها ضمن 1355 مشاركا من مختلف بلدان العالم وبلغات مختلفة. قال القادري لـ«الشرق الأوسط» بعد أن نالت الجائزة «المبدع لا يشتغل من أجل الحصول على ألقاب أو نيل جوائز، لكن الاعتراف بجهوده يحفزه على ركوب صهوة مغامرات أخرى والخوض في تجارب أكثر عمقا ونضجا من سابقتها، اللقب في حد ذاته تكليف، وأتمنى أن أكون في مستوى هذا الاختيار في نشر الثقافة الفنية والارتقاء بها فكرا وأسلوبا وإنسانية». سبق أن نالت سميرة جوائز أخرى، من ذلك جائزة «المجلس الوطني للموسيقى» التابع لمنظمة اليونيسكو عام 2008، كما تم تكريمها السنة الماضية من بين تسع شخصيات مغربية من قبل أكاديمية الفنون والعلوم والآداب بباريس. وحول اختيارها الغناء النخبوي ترى أنها «محظوظة» لأنها سلكت طريقا صعبا نخبويا أتاح لها الغناء أمام جمهور خاص، وبالاستفراد بتجربتين خاصتين الأولى في أداء الموسيقى الأوبرالية باللغة العربية، وهنا تستحضر باستمرار تجربتها مع أستاذها الراحل مصطفى عائشة، والثانية في غناء أندلسيات البحر الأبيض المتوسط رفقة أربيسك بقيادة المايسترو نبيل أقبيب. وتعتقد القادري أن صوتها «متوسطي» ويساعدها أنها باحثة في موسيقى البحر الأبيض المتوسط.

وتشرح سميرة القادري فكرة هذا النوع من الغناء الذي لا يحظى بشعبية كبيرة في العالم العربي، قائلة «عندما نقول غنائيات البحر الأبيض المتوسط نعني أندلسيات المتوسط شرقا وغربا. فكل الألوان الأندلسية حاضرة من موشح ودور ونوبة وغاتيغا ورومانسي، وأنا أعمل على جميع الألوان التي تأثرت بالموسيقى الأندلسية، اعتمادا على المراجع وبعض الآثار المتحفية من جداريات ومنمنمات. بل أتعدى ذلك في ذكر أن صانعي النوبة من الأندلسيين هم من أرسوا القواعد الأولى للموسيقى الكلاسيكية الأوربية».

وبشأن الاهتمام الأكاديمي بهذا النوع من الغناء، تقول القادري «تعرفت على موسيقات البحر الأبيض المتوسط نتيجة مشاركتي كسوبرانو في الملتقى الموسيقي لمدارس البحر الأبيض المتوسط في إسطنبول عام 2001، يومها أثارت فضولي مجموعة من الأغاني القديمة بلغة قديمة تتشابه وتتقاطع مع موسيقى الآلة الأندلسية، وبحث أكاديميا في الموضوع قبل أن أهتم به فنيا».

وتعمل سميرة القادري حاليا على مشروع بعنوان «حوار المحبة» مع أوركسترا الهارموني بديجون وفرقتي أربيسك تقدمه السنة المقبلة في ثلاثة مهرجانات بفرنسا، في حين تعمل كذلك على تجربة جديدة مع المغنية الهندية «ماييتا بنديتا». وتهتم سميرة القادري بالتراث المتوسطي المستمد من الأندلس، وهذا ما يجعل الريبتوار الذي تعمل عليه يكون غالبا صلة وصل بين الشرق والغرب. كل ذلك أتاح لها الحضور على الساحة الموسيقية العالمية، وبالتالي جعلها تسلك تجربة متفردة في «الموسيقى العالمة» التي تقترن بالبحث الأكاديمي.