اكتشاف مادة حافظة طبيعية لقتل البكتيريا المنقولة بالأغذية

من خصائصها أنها سهلة الهضم وغير سامة ولا تسبب الحساسية ويصعب على البكتيريا مقاومتها

أعلن باحثون في جامعة مينيسوتا الأميركية خلال شهر أغسطس الحالي، عن اكتشافهم بالصدفة مادة طبيعية من مجموعة «لانتيبيوتيك» (Lantibiotic) تساعد في حماية الأغذية من البكتيريا الضارة مثل السالمونيلا، وإي – كولاي، والليستيريا
TT

الأمراض المنقولة عن طريق الأغذية، التي تعرف بحالات التسمم الغذائي، تعد من بين القضايا والتحديات الصحية العالمية بالغة الأهمية، وتحدث هذه الأمراض نتيجة تناول غذاء ملوث، إما بالكائنات الدقيقة الضارة مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، أو السموم التي تنتجها، أو مواد كيميائية سامة مثل المبيدات الحشرية، أو نتيجة للتداول غير الآمن للغذاء منذ تسلمه وحتى تقديمه، وبخاصة الأغذية محتملة الخطورة التي تكون أكثر احتمالا لأن تصبح ملوثة، وتكون سببا في النمو السريع للبكتيريا، مثل اللحوم والدواجن والأسماك ومنتجات الألبان والبيض والخضراوات.

وفي خطوة علمية، يمكن أن تساعد على إبقاء الغذاء في مأمن من البكتيريا الضارة، أعلن باحثون في جامعة مينيسوتا الأميركية خلال شهر أغسطس (آب) الحالي، عن اكتشافهم، عن طريق الصدفة، مادة طبيعية من مجموعة «لانتيبيوتيك» (Lantibiotic) تساعد في حماية الأغذية من البكتيريا الضارة مثل السالمونيلا، وإي - كولاي والليستيريا، وتعد هذه المادة، أول مادة حافظة طبيعية يمكنها قتل البكتيريا الضارة في الأغذية، وقد حصلت الجامعة بموجبها على براءة اختراع، ويسعى حاليا مكتب الجامعة لتسويق التكنولوجيا، للترخيص لهذا الاكتشاف.

ويمكن استخدام هذه المادة لمنع البكتيريا الضارة الوجود في اللحوم والأجبان المصنعة ومنتجات الألبان والبيض والأغذية المعلبة والمأكولات البحرية وتوابل السلطات الجاهزة، وغيرها من الأغذية.

وتمتاز هذه المادة بأنها، سهلة الهضم، وغير سامة، ولا تسبب الحساسية، ويصعب على البكتيريا الخطرة تطوير مقاومة ضدها، هذا بالإضافة إلى مزايا السلامة الغذائية.

يقول البروفسور دان سوليفان، أستاذ علوم الغذاء والتغذية في كلية الأغذية والزراعة وعلوم الموارد الطبيعية بجامعة مينيسوتا، الذي اكتشف هذه المادة أثناء بحثه عن جينوم البكتيريا، بأن «هذه المادة الحافظة تهدف إلى حماية الأغذية من مجموعة واسعة من الحشرات التي تسبب الأمراض».

ومجموعة «لانتيبيوتيك»، هي فئة من ببتيدات المضادات الحيوية، التي تتألف من حلقات مميزة من الأحماض الأمينية، وتعتبر هذه الببتيدات ذات تأثير مضاد وقاتل للبكتيريا، وذلك من خلال النفاذ عبر الأغشية وتدميرها أو تعطيل العديد من الوظائف الفسيولوجية. وقد اجتذبت هذه المجموعة الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، نظرا لاستخدامها كمواد حافظة للأغذية، وقد تم تقديم مصطلح «لانتيبيوتيك» في عام 1988، كاختصار لببتيد المضادات الحيوية المحتوية على الحمض الأميني «لانثيونين» (Lanthionine-containing peptide antibiotics). وقد أنتج أول هيكل لهذه العوامل المضادة للجراثيم، من خلال العمل الريادي الذي قام به العالمان إيرهارد غروس وجون موريل، حول هذا المجال في أواخر الستينات وأوائل السبعينات.

يذكر أن، التسمم الغذائي الناتج عن بكتيريا السالمونيلا، يعد أحد أشهر الأمراض المنقولة بالغذاء، إذ يحذر الخبراء من احتمالات انتشار هذا النوع من البكتيريا بسرعة والمخاوف من خروجها عن نطاق السيطرة وتحولها لوباء فتاك، بسبب مقاومتها للمضادات المتعارف عليها، وتعدد أنواعها التي تقدر بأكثر من 2000 نوع.

ووفقا لتقديرات المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، والمعلنة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فإنه: في كل سنة في الولايات المتحدة، يصاب نحو 1 من كل 6 أفراد بالأمراض المنقولة بالغذاء (نحو 48 مليون شخص)، حيث يدخل المستشفيات 128 ألف شخص، ويموت 5000 شخص، كنتيجة للإصابة بهذه الأمراض، وتسهم بكتيريا السالمونيلا في 28 في المائة من أكثر من 3000 حالة وفاة كل عام ناتجة عن الأمراض المنقولة بالغذاء.

ولهذا هناك حاليا تشديدات عالمية واسعة النطاق، على أهمية تقديم غذاء آمن وسليم صحيا، وبخاصة في المطاعم، فقد وجد أن معظم الحالات المسجلة للأمراض المنقولة بالغذاء، التي تم تتبعها، وجد أن مصدرها الأساسي في المطاعم، والمتسبب فيها الأفراد المعنيون بتحضير الغذاء الذين لا يغسلون أيديهم جيدا، والأغذية المكشوفة أو المعرضة للحشرات، والمرضى الذين يأتون إلى العمل ويقومون بتحضير الغذاء، ونظام الصرف الصحي غير الجيد، ومعدات وأدوات المطبخ غير النظيفة، وحاويات النظافة المكشوفة.

في دراسة نشرت عام 2007، أجراها علماء التغذية في جامعة ولاية أوهايو الأميركية، لمعرفة ما إذا كانت المياه الباردة يمكن أن تقتل البكتيريا الموجودة على الأطباق الملوثة مثل السالمونيلا وإي - كولاي، وجدت الدراسة أنه حتى عندما كانت تغسل الأطباق عند درجات حرارة أكثر برودة، ما زالت عملية تنظيف الأطباق بعيدة عن إزالة هذه البكتيريا، وفقا للمستويات المقبولة ضمن لوائح إدارة الغذاء والدواء الأميركية. فقد حاول الباحثون التعرف على تأثيرات استخدام مياه بدرجة حرارة أقل، فقاموا بوضع أنواع مختلفة من بقايا الأطعمة على عدة أطباق وأوان مستخدمة من قبل مرتادي المطاعم، واستخدموا البيض والجبن والحليب وأحمر الشفاه، وأضافوا لتلك البقايا كمية من البكتيريا التي تسبب حالات النزلات المعوية الوبائية، والتي يمكنها البقاء والتكاثر على بقايا الأطعمة في الأطباق، ما لم تتم إزالتها بالكامل، وتركوا هذه الأطباق والأواني لمدة ساعة حتى تجف، وهي تقارب المدة التي تبقى فيها عادة بعد استخدامها من قبل مرتادي المطاعم وقبل البدء بغسلها. وقد تبين للباحثين أن غسل الأطباق والأواني بالماء الساخن، ثم غمرها بعد ذلك في سائل للتعقيم، قد أدى إلى إزالة شبه تامة للبكتيريا عن الأطباق، وأوصى الباحثون بأنه من الأفضل غسل الأطباق مباشرة بعد الاستخدام وقبل أن تجف بقايا الطعام عليها لأنه يحقق إزالة تامة للميكروبات التي تنمو بسهولة على هذه البقايا، حيث إن ترك هذه الأطعمة على الأطباق يشجع البكتيريا على النمو، خصوصا في الأجواء الرطبة، وقد لاحظ الباحثون أن الأدوات المستخدمة في الأكل وتقديم الطعام، لا تتأثر بالميكروبات بنفس النسبة ودرجة التلوث، وبقاء الميكروبات عليها حتى بعد غسلها، فقد وجد أن الشِوَك الفولاذية كانت أفضل مكان لعيش البكتيريا، وكان من الصعب إزالتها منها نظرا لهيئتها، حيث إن نظام تشعيبها يحمي البكتيريا العالقة بينها من إزالتها أثناء التنظيف، ولهذا تتطلب وقتا أطول في عملية التنظيف، وأضاف الباحثون بأن الحليب الجاف العالق بالأكواب كان أفضل بيئة لنمو الميكروبات، في حين أن بقايا أحمر الشفاه العالقة على بعض الكؤوس، كانت أقل مادة مناسبة لنمو البكتيريا، الأمر الذي يشير إلى احتواء أحمر الشفاه على خصائص للقضاء على الميكروبات.

وهناك 5 عوامل للخطورة تسبب معظم الأمراض المنقولة بالغذاء، تم وضعها من قبل المركز الأميركي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، تتمثل في: شراء الغذاء من مصادر غير موثوقة وغير مصدقة، ودرجات الحرارة غير المناسبة التي تترك عليها الأغذية (ما بين 41 درجة و135 درجة فهرنهايت) (5 - 57 درجة مئوية)، والأفراد الذين لا يعتنون بالنظافة، والغذاء غير المطهي جيدا، والتلوث العرضي الذي ينتج عن انتقال الجراثيم من غذاء إلى آخر.

لهذا، أصبح هناك ضرورة عاجلة لإعداد حملات وطنية مستمرة جادة وفعالة للتوعية بالأسس والوسائل المهمة لسلامة الغذاء وكيفية الوقاية من التسمم الغذائي، مع التركيز على أهمية دور وسائل الإعلام في هذا الشأن، ومن بين الوسائل المهمة للوقاية من التسمم بالأمراض المنقولة بالغذاء، المراقبة المستمرة لأماكن إعداد وتحضير الأغذية، من حيث نظافة البيئة المحيطة وتوفير نظام جيد للصرف الصحي، وحاويات مغطاة للنظافة، والفحص الدوري للأفراد المعنيين بإعداد الغذاء والحرص على نظافتهم الشخصية وتثقيفهم بخصوص سلامة وأمن الغذاء، وإبعاد المرضى منهم، وخصوصا المصابين بنزلات معوية، وعدم ترك الأغذية مكشوفة ومعرضة للحشرات، أو للجو الحار لفترات طويلة، والحرص المستمر على نظافة معدات وأدوات المطبخ والأطباق اللازمة لإعداد الغذاء، والتخلص بشكل يومي من الأغذية القديمة، وبخاصة التي تغير طعمها أو لونها أو رائحتها، وعدم خلطها بالطازجة منها، والإحساس بالمسؤولية عموما تجاه صحة وسلامة المستهلكين.