«عباءة كرداسة».. تراث لم يفقد بريقه بعد

تجد سوقا رائجة في الخليج ويقبل عليها الأجانب بسعادة بالغة

عباءات كرداسة.. تتنوع أشكالها وألوانها ولها جاذبية خاصة
TT

تتنوع أشكال وأنواع وخامات العباءات بمدينة كرداسة المصرية بشكل يرضي كل الأذواق والطبقات المختلفة، ويمكن للزبون بسهولة أن يجد ما يناسبه منها ويتواءم مع ثقافته وعاداته، خاصة أن المعروض يتنوع بين العباءات العادية التي تستخدم للاستعمال المنزلي وحتى العباءات غالية الثمن التي لا يطلبها سوى الأمراء والملوك وإن كانت تصنع بالطلب.

ويختلف سعر العباءة وفقا لمعايير ثلاثة، أولها طريقة الصنع سواء كانت يدوية أو آلية، والثاني طريقة تزيينها، أما الثالث فهو الخامة المصنوعة منها. ويرتفع الثمن كثيرا كلما كانت العباءة مصنوعة يدويا، وهو ما يجد طلبا كبيرا من المشترين بسبب تميزها البالغ والأريحية العالية التي توفرها للمشتري.

الحاج محمد عبد الحميد، صاحب إحدى ورش تصنيع العباءات اليدوية بكرداسة يؤكد على أن العباءات اليدوية لا يضاهيها منافس على الإطلاق لذلك فهي لا تزال مطلوبة رغم منافسة العباءات المصنعة في الصين وغيرها من الدول الآسيوية. ويرى مصطفى بندق، تاجر عباءات، 50 عاما، أن الإنتاج الصيني لم يؤثر عليه على الإطلاق، فالعباءة اليدوية التي تصنع في كرداسة تسوق نفسها بنفسها ولها زبونها الذي يقبل عليها رغم ارتفاع أسعار العباءة العربية عن نظيرتها الصينية. ويقول محمد عنان، بائع عباءات، لـ«الشرق الأوسط»: «السائح يطلب العباءة العربية بالاسم، فهم يجدونها مريحة جدا للاستخدام المنزلي وفقا لكلامهم». يضيف منصور أن محله الذي يعمل في مجال العباءات منذ ما يزيد على الثلاثين عاما يقيم معارض في دول أوروبية عديدة خاصة ألمانيا والنمسا وسويسرا وهو ما يجد تجاوبا كبيرا من الأجانب. عنان الذي قاطعه أكثر من أجنبي أثناء حديثه أظهر مرونة فائقة في التعامل مع الزبائن الأجانب، واللافت أن كل راكبي الأوتوبيس السياحي اشتروا قطعا مختلفة من العباءات والسجاجيد من محله. وعن ذلك يقول «مشتريات الأجانب سواء النساء أو الرجال تشكل جزءا كبيرا من مبيعاتنا، فهم يقبلون على العباءات بنهم شديد باختلاف جنسياتهم». ولدى الحاج عبد الحميد خط إنتاج كامل لتصميم العباءة الليبية والسودانية منذ ما يزيد على عشرين عاما، ففي ورشته التي لا تبعد أكثر من 300 متر من محله تتنوع التصميمات بين العباءات المصرية والليبية والسودانية والخليجية، كما تبرع ورشته في صناعة الأحزمة العريضة المستخدمة في ربط العباءات الليبية والعمانية. وكذلك تنفيذ كل الملابس والعباءات الشعبية في مختلف دول العالم وليس فقط في العالم العربي.

ورغم تنوع إنتاج الملابس في العالم كله وظهور أشكال وأنواع مختلفة من الملابس، فإن العباءة لم تفقد بريقها بعد، فعم حنفي (64) عاما، الذي يعمل في صناعة العباءة الإبرة يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل في صناعة العباءات منذ خمسين عاما تقريبا ولم يقل إطلاقا عدد العباءات التي أصنعها في ورشتي، بل الطلب في زيادة مستمرة». ويرجع البعض الإقبال الكبير على العباءات لرخص ثمنها مقارنة بالملابس الأخرى، مما يعطيها أفضلية كبيرة خاصة مع تميز مصمميها وصناعها في توفير منتجات جيدة بأسعار معقولة.

ووفقا لطريقة الصنع يمكن تصنيف العباءات إلى العباءة اليدوية، أو ما يطلق عليه العباءة الإبرة، التي يعكف الصانع على تنفيذها خيطا خيطا، وغرزة غرزة، مما يجعلها تستغرق وقتا طويلا بشكل كبير وتتطلب دقة ومهارة فائقة جدا في صناعتها ولكنها تخرج في صورة جد متميزة.

يليها العباءة الخيامية التي تستغرق صناعتها يومين أو ثلاثة للقطعة، ويتم تنفيذ جزء كبير منها بالطريقة اليدوية، ويوجد أيضا العباءة نصف الآلية التي تصنع يدويا ولكن يتم الانتهاء منها بشكل آلي، ثم العباءة الآلية التي تتميز بغزارة الإنتاج اليومي منها لأنها لا تأخذ وقتا طويلا، وقد تنتج الورشة الواحدة مائة قطعة منها يوميا.

أما من ناحية الخامات فأكثر الخامات المستخدمة هي الخامة «الدكرون» وهي تستخدم في العباءات الرخيصة والمتوسطة الثمن مثل العباءات المنزلية ولكن بالنسبة إلى العباءات الأكثر فخامة، فالخامة «الساتانية» هي السائدة ببريقها وروعتها المعهودة وهي تستخدم في صناعة العباءات الراقية المخصصة للمناسبات والأفراح. وتتميز مدينة كرداسة بإنتاج العباءات الراقية التي لا تجد لها سوقا سوى في دول الخليج حيث يقبل على شرائها الأمراء والأميرات. وتخصص كل ورش ومحال كرداسة جزءا كبيرا من إنتاجها للعباءات المخصصة للسهرات والمناسبات، واللافت أن بعض الأمراء يطلبون تصميمات مميزة لهم شريطة ألا يتم تنفيذها من جديد، ويقدمون للورش الحلي والزينات الخاصة لتزيين العباءة، وهو ما يجعها باهظة الثمن ولكنها تخطف الأنظار. وأجمع العديد من تجار العباءات أن أكثر ما تطلبه السوق الخليجية هو العباءة المصنعة من خام القطن، لأنها مناسبة بطبيعة الحال لحرارة الجو عكس السوق الأوروبية التي تتطلب الخامات الأثقل التي تساعد على الدفء.

أما أحمد سيد، صاحب ورشة لصناعة العباءات اليدوية، فيرى أن مهنة صناعة العباءة اليدوية مهنة مرنة جدا، فهي تتكيف مع الأذواق السائدة وبذلك فهي مهنة تعتمد في الأساس على ما يفضله الناس. ويقول أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل وفقا للموضة السائدة، وهو ما يجعلنا قادرين على تصميم وتنفيذ أي شيء لأنه يعطينا مرونة فائقة». وعلى امتداد مائة متر هو مجمل طول الممر السياحي في كرداسة تعرض آلاف التصميمات من العباءات المنزلية زاهية الألوان. ومع كثرة المعروض من العباءات المنزلية، يؤكد أحمد أن العباءة المنزلية هي أكثر الأنواع المطلوبة على الإطلاق، وعليه فإن معظم المحال تتجه لإنتاج كميات كبيرة جدا وضخمة منها وتتنوع في الشكل والألوان إلى درجة تجعل المشتري في حيرة من أمره وقت الشراء.