حين تشكل السكاكر وألعاب الأطفال جملا فنية

جياني كولوسيمو يستهدف الأطفال في معرض فني

جانب من معرض الفنان الإيطالي جياني كولوسيمو
TT

لو كانت الأعمال التي يقدمها متحف جورج بومبيدو – ميتز (شمال شرقي فرنسا) لم تذكر كلمة أطفال، أو أنها موجهة، لمن تبدأ أعمارهم من السابعة ولغاية السابعة والسبعين لكان من الممكن جدا، التعامل معها بوصفها أعمالا، غاية في التعقيد، إما لناحية استبطانها وحملها لقضايا سياسية وفكرية وحتى آيديولوجية (هرم ماو)، كنموذج ذي طابع سياسي ضمن هذه الأعمال لهذه الأعمال أو ما يتجاوز ذلك، مثل «العلم الإيطالي الفرنسي المتآخي»، الذي صنع من كميات هائلة من السكاكر الملفوفة بورق السوليفان اللامع.

ومن الجائز حتى لو تم الإمعان والصبر أن لا يستوعب مشاهدو هذه الأعمال ماهيتها ولا حتى الهدف منها. فهي من جهة، تتميز ببساطة غارقة في بساطتها، بحيث يمكن لأي مشاهد القول: «يمكنني أن أفعل ذلك» ومن جهة ثانية، هي أعمال مغرقة في الرمزية، أما إذا تم التدقيق، مليا، في نوعية المواد التي استخدمت في تكوينها، إلى جانب بعض الخيال، فيمكن معرفة أنها تعتمد البساطة والرمزية والمرح إلى جانب الجد والإتقان.

تقدم الأعمال في هذا المعرض، الذي يلقى إقبالا كثيفا جدا، من كافة الفئات العمرية صورة واضحة عن اتجاهات المدارس الفنية في النصف الثاني من القرن العشرين، والحال التي هي عليه في القرن الحالي. ولذلك، ربما عمد جياني كولوسيمو إلى إعادة إنتاج بعض الأعمال التي حظيت بالشهرة الكبيرة.

لهذا اختار جياني كولوسيمو في معرضه هذا، إعادة النظر وتفسير الأعمال الشهيرة خاصة أعمال، مارسيل دو شامب وإيف كلاين وجورج بازيلتز وجينو دومينيك ودانيال بورن وداميان هيرست وآخرين، فأعاد تدوير ما يمكن منها وصنع أخرى، كما أنه، وهنا لب عمله، استخدم مواد تحاكي هذه المرحلة كلها، ومن خلالها توجه للأطفال، الذين، كما تعلمنا الفلسفة، هم الذاكرة اليقظة التي تختزن كافة الابتكارات، تلك الأعمال التي تترك أثرها قوية في تاريخ الفن. كما في كل شيء، فمن دون ذاكرة يقظة على الدوام لا يمكن لأي أثر أن يبقى.

غني عن القول، أن هذا المعرض، وما يتضمنه من أعمال، تحاكي الذاكرة، يعمل على توسيع الخيال، ليس فقط من خلال الحلم، أو الادعاء بل الإبحار في الذاكرة والاستخدام المفرط للخيال، وفق نظرية رومنطيقية، تعتبر أن الخيال إنما يأتي من ذلك المكان المغرق في البلادة، لذلك يحتاج إلى صدمة وإلى عامل إنذار قوي ليعمل. غير أن الخيال الذي يحفزه هذا المعرض الذي تشغله الألوان الأساسية، خاصة الأحمر منها، يهدف أساسا إلى تحفيز خيال لا يزال يتمتع بنظارته مصارعا من أجل البقاء في زحمة الأعمال الفنية التي تشغل العالم.

والحق أن الاعتماد على الذاكرة الناضجة، لدى رواد الفن المعاصر والكلاسيكي، لا يكفي وحده بحسب كولوسيمو للإبقاء على هذه الأعمال في المخيلة. هذا إذا اعتبرنا أن حتى كلمة «خيال» هي بالأساس كلمة مطاطة جدا ولا خط أفق منظور لها.

أما النظرية التي وقفت خلف هذا المعرض وكذلك الأعمال وقولبتها وإعادة إنتاجها «تدويرها» فهي إتاحة المجال أمام الطفل وذاكرته بطريقة مرحة والدخول إلى الفن المعاصر من هذا الباب، في محاولة جريئة لإزالة الغموض الفكري والالتباسات التقنية إلى جانب الدوافع التي تميز الفن المعاصر عن غيره من الفنون الأخرى.