هل كانت مصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل جاسوسة للألمان؟

كتاب أميركي يتهمها بالتعاون مع النازية وتنفيذ مهمات مخابراتية خلال الحرب العالمية الثانية

أثار كتاب جديد عن مصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل الجدل في فرنسا حيث يدعي أنها كانت جاسوسة للنازية (نيويورك تايمز)
TT

يثير كتاب لصحافي أميركي يقيم في باريس صدمة لدى مضيفيه الفرنسيين؛ لأنه يتهم رائدة الموضة الباريسية كوكو شانيل (1883 - 1971) بأنها كانت جاسوسة نازية خلال الاحتلال الألماني لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. وأشار المؤلف إلى أنه توصل إلى هذه القناعة بالاستناد إلى وثائق كثيرة في المحفوظات الأرشيفية في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة.

الصحافي هال فوغان حاول أن يسجل ما يسمى السيرة غير المرخص بها للمصممة التي اشتهرت بلقب «المدموازيل»، وذلك في كتاب بعنوان «النوم مع العدو.. أسرار كوكو شانيل الحربية»، صدر أمس. وعلى الرغم من أن طبعة فرنسية من الكتاب لم تظهر بعد، فقد أثارت أنباء الطبعة الأميركية ضجة في أوساط مؤرخي الموضة الباريسية ممن تناولوا سيرة شانيل في الكثير من المؤلفات. وهم قد أشاروا إلى صداقاتها المعروفة مع نبلاء إنجليز وألمان، قبل الحرب، دون أن تثبت عليها تهمة التورط بالتخابر مع العدو.

وحسب الفصول التي تسربت من الكتاب، فإن الصحافي الأميركي كتب أن «المدموازيل» كانت في الـ57 من عمرها عندما جندتها المخابرات الألمانية مع اندلاع الحرب لتكون العميل رقم 7124، وقد منحت اسما حركيا هو «وستمينستر»، تبعا لاسم صديقها وحبيبها البريطاني السابق دوق وستمينستر. ويضيف الكتاب أن شانيل، واسمها في شهادة الميلاد غابرييل بونور شانيل، سافرت إلى إسبانيا، عام 1941، مع عميل ثان هو البارون لوي دو فوفريلاند، في مهمة لحساب المخابرات النازية بهدف تجنيد عملاء جدد هناك. وكانت الجاسوسة المفترضة تأمل أن تحصل، في المقابل، على أمر بإطلاق سراح ابن شقيقها الذي كان سجينا في معسكرات الاعتقال النازية.

يروي الكتاب، أيضا، أن «المدموازيل» وقعت في غرام ضابط ألماني يتعاون مع جهاز المخابرات العسكري، هو البارون هانز غونتر فون دينشلاغ، الشهير بـ«سباتز». وقد دامت علاقتهما سنوات طويلة. وهذه المعلومة ليست جديدة بل سبق أن تطرقت إليها كتب وتقارير سابقة من دون التأكد من أن النبيل الألماني كان عميلا سريا. ويربط المؤلف بين هذه العلاقة وبين تجنيد مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة باعتبار أن فون دينشلاغ هو من قدمها إلى البارون دو فوفريلاند، وكان هذا عميلا قديما لـ«الغستابو» في المغرب. وبفضل حبيبها الألماني، تمكنت شانيل من الإقامة، طوال سنوات الاحتلال النازي لفرنسا، في الطابق السابع من فندق ريتز الفخم في باريس، المكان الذي كان يتردد عليه كل من القائد الألماني هيرمان غيورنغ ووزير دعاية هتلر، جوزيف غوبلز. وحسب المؤلف، فإن الحبيب «سباتز» كان قد التقى، قبل أشهر قلائل من تعرفه على «المدموازيل»، كلا من هتلر وغوبلز في برلين.

في عام 1944، عادت شانيل إلى مدريد، حيث تلقت مبلغا كبيرا من المال من يد ضابط في «الغستابو». لكن المؤلف يذكر أن المال لم يكن الهدف الرئيسي لها، بل سعت من خلال علاقتها مع الضباط الألمان إلى السيطرة على كامل شركة العطور التي تحمل اسمها؛ حيث لم تكن تملك سوى حصة بسيطة من الأسهم فيها، أما باقي الحصص فكانت في حوزة رجلي الأعمال الأخوين ويرثيمر. ونتيجة لتلك الصلات الملتبسة، تعرضت المصممة الشهيرة للتوقيف لفترة وجيزة، بعد تحرير فرنسا، ثم جرى إطلاق سراحها بعد بضع ساعات بفضل تدخل صديق كبير من أصدقائها، ولم يكن ذلك الصديق سوى رئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل. وطوال حياتها التالية، واصلت «المدموازيل» تكذيب أي تعاون لها مع النازية، فهل كانت عميلة مزدوجة؟ وهل كان الإفراج عنها في الوقت الذي تعرض فيه آلاف المتعاونين الفرنسيين للتنكيل والقتل، جزءا من صفقة ما؟

إن سيرتها تغري المؤلفين بالنبش فيها، كما تم نقل حياتها إلى الشاشة في فيلم تولت بطولته الممثلة الفرنسية أودري توتو؛ فهي قد وُلدت في أسرة كبيرة العدد، وكان والدها بائعا جوالا وزير نساء، ووالدتها خياطة رحلت وهي شابة، متأثرة بالولادات الكثيرة وبمرض السل الذي تسلل إلى صدرها من وقوفها في الأسواق المكشوفة، تحت البرد والمطر، لمساعدة زوجها وبيع بضاعتها. وكان عمر غابرييل آنذاك 12 عاما. ثم هجر الأب أبناءه وبناته وسافر إلى أميركا بحثا عن الرزق، لكن ابنته تلاعبت في سيرته، قليلا، وكانت تزعم أن أباها كان رحالة مغامرا. أليس من حقها أن تكذب لكي تتجمل بعد أن احترفت الخياطة، بدورها، وحققت فساتينها ذات اللونين الأبيض والأسود نجاحا لدى سيدات باريس الميسورات؟

وهي تطرق أبواب الشهرة والثراء، غيرت غابرييل اسمها الأول إلى كوكو، وابتدعت لتصاميمها رمزا يتألف من حلقتين متداخلتين غير مكتملتين من الحرف الأول لهذا الاسم الجديد. لكن طريق الشهرة لم يكن ممهدا؛ فهي قد تعلمت التطريز في معهد للراهبات، ثم عملت موديلا للمصورين، وجربت الرقص والغناء، إلى أن استقرت في مهنة الخياطة. لقد كانت أحلامها أكبر من قامتها الضئيلة ولم تكن تريد أن تقضي حياتها وهي تطرز الأزهار على الشراشف القطنية التي يطلبها أهل زمانها. ولكي تصل إلى أهدافها، فإن الوسائل كلها كانت نافعة، ومنها الاستفادة من دعم رجال مشاهير وميسورين وأصحاب ألقاب نبيلة. وبفضل نصائح أصدقائها تمكنت، عام 1909، من افتتاح دكان لها في جادة «مالزيرب» في باريس، تبيع فيه قبعات من تصميمها. وانطلاقا من ذلك الدكان بنت كوكو شانيل إمبراطورية للموضة والعطور ومستحضرات التجميل والحقائب ومكملات الزينة، وصار لها عنوان شهير في الرقم 31 من شارع كامبون، القريب من جادة الشانزليزيه؛ حيث سكنت في شقة تزينها تحف نادرة ما زالت قائمة حتى الآن، وتربعت على هرم الأزياء الراقية وأصبحت المرأة التي تبتدع مظهرا جديدا يليق بنساء القرن الـ20. اليوم، يذهب السياح اليابانيون والروس والكوريون الجنوبيون لكي يلتقطوا الصور أمام باب عمارتها في شارع كامبون، وهو نفس ما كان يفعله الجنود الأميركيون الذين دخلوا باريس لتحريرها من الاحتلال الألماني. فهل كان يدور في خاطرهم أن شبهة العمالة ستلاحق «المدموازيل» بعد أكثر من نصف قرن؟