تقنية القطارات المعلقة لتطوير مراوح إنتاج الكهرباء من الرياح

محركات حلقية تضاعف إنتاج الكهرباء وتقلل وزن المراوح إلى الربع

سبق للمهندسين الألمان أن بنوا في الثمانينات مروحة عملاقة اسمها «جروفيان» بلغ ارتفاعها 100 متر، إلا أنها توقفت بعد فترة قصيرة لأن الريح وتقنية دوران الريشات لم تكفيا لإدارة المحرك الضخم
TT

يطور علماء جامعة كاسل الألمانية، بالتعاون مع معهد فراونهوفر لتقنية الريح والطاقة البديلة، محركا جديدا يمكن أن يضاعف إنتاج المراوح الهوائية للكهرباء وأن يقلل حجمها ووزنها أيضا. ويستعد العلماء لنصب أول نموذج مصغر من محركات المراوح الحلقية العاملة بالحقول المغناطيسية في مارس (آذار) 2012.

فالمحرك قلب كل مروحة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح حسب تصريح البروفسور زيغفريد هاير المتخصص بالتقنيات الكهربائية من جامعة كاسل الألمانية (غرب). إذ يعمل المحرك على تحويل الطاقة الحركية للمراوح إلى طاقة كهربائية يجري نقله إلى محطة لتوزيع الكهرباء. ويتناسب حجم المحرك، وبالتالي حجم المروحة وحجم المحطة ككل، مع قوة التيار الكهربائي المنتج. هذا يعني أن الطموح لإنتاج طاقة كهربائية كبيرة من مراوح استقبال الرياح تصطدم دائما بالحجم الكبير للمحطات اللازمة لذلك.

يبلغ وزن محركات 6 ميغاواط، التي ينتجها رائد صناعة المراوح الكهربائية «إينركون»، نحو 250 طنا. وحينما تعمل الشركة لصناعة مراوح تنتج الكهرباء بطاقة 10 ميغاواط فإن هذا سيعني أن الوزن سيتضاعف. بكلمات أخرى، حسب تعبير هاير، فإن مستقبل إنتاج الكهرباء من المراوح سيحتاج إلى مراوح وزنها 1000 طن، ونصب ورعاية ونقل مثل هذه المحركات الضخمة متعذر تماما. المستقبل إذن يعود إلى تقنية جديدة، يعمل هاير وفريق عمله على تطويرها في جامعة كاسل، وتخطط لإنتاج محركات عالية الإنتاجية وخفيفة الوزن في آن واحد.

ويمكن لعودة صغيرة إلى الوراء للتذكير بالصعوبات الجمة التي تواجه صناعة المراوح الهوائية بسبب الوزن الثقيل للمراوح مقارنة بطاقة الإنتاج. إذ افتتحت «إنريكون» عام 2002، في مدينة ماجدبورغ الألمانية (شرق)، أكبر مروحة لتوليد الطاقة من الريح في العالم، قادرة على تزويد 15 ألف وحدة سكنية بالكهرباء على مدار الساعة. وذكر معهد طاقة الريح الألماني حينها أن ارتفاع المروحة يبلغ 120 مترا، وتتألف المروحة من ثلاث ريشات، طول الواحدة 52 مترا وعرضها 6 أمتار. وتنتج المروحة - المولدة الطاقة الكهربائية بقوة 4.5 ميغاواط فقط، وهو ما يسد حاجة 15 ألف وحدة سكنية. وسبق للمهندسين الألمان أن بنوا في الثمانينات مروحة عملاقة اسمها «جروفيان بلغ ارتفاعها 100 متر، إلا أنها توقفت بعد فترة قصيرة لأن الريح وتقنية دوران الريشات لم تكفيا لإدارة المحرك الضخم. وسر عمل مروحة ماجدبورغ هي: أولا المعادن الخفيفة نسبيا التي استخدمت في صناعتها بالقياس إلى حجمها، وثانيا التقنية الحديثة المستخدمة في دوران الريشات الثلاث على المفصل. إن E112 أخف بنسبة 40% من مروحة «جروفيان» التي صنعت في الثمانينات، لكنها تنتج الكهربائية أكثر بعشرين مرة.

مع ذلك، بلغت مروحة E112 أقصى ثقل ممكن، واعترفت المهندسة مارتينا كولمان، من شركة «إنيركون»، بأن وزن المروحة العملاقة يبلغ مع ذلك 440 طنا، أي ما يعادل وزن 350 سيارة جو فولكس فاغن من طراز جولف. ولجأت الشركة إلى وسائل النقل النهرية الضخمة والحافلات الاستثنائية في نقل أجزاء المروحة وخصوصا الريشات الثلاث إلى مكانها المخصص في ماجدبورغ. وواجهت الشركة صعوبات جمة في تركيب الريشات بسبب قلة عدد الرافعات القادرة على رفع مثل هذا الوزن إلى ارتفاع 100 متر.

عمل 25 مهندسا من «إنيركون» طوال 3 سنوات على تطوير مروحة E112. وتمت تقوية العمود الذي يحملها بألياف الزجاج، كما لجأ المهندسون إلى تصنيع الريشات بشكل شرائح تتخللها التجاويف، وعلى الرغم من كل ذلك فإن وزن الواحدة لم ينخفض عن 30 طنا. وزود المهندسون المروحة بريشات حادة كالمشرط بهدف تقليل الضجيج وتسهيل الحركة. وأشارت كارتينا كولمان إلى أن استخدام المراوح في إنتاج الطاقة، وبالتالي تقليص انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون، كان سيتحول إلى مشكلة بيئية أخرى (الضجيج) لولا التصميم المتقدم للريشات.

نعود إلى مشروع المحرك الحلقي «ماغنيرينغ MagneRing»، الذي يقوده هاير، وهو مسؤول قسم التقنية في جامعة كاسل، فنقول إنه نال دعما قدره نصف مليون يورو من وزارة البيئة الاتحادية، ومن معهد يوليش للتقنية الحديثة، بغية تخفيف وزن المحركات الحلقية المغناطيسية. ويهدف المشروع إلى تقليل حجوم المحطات والمراوح والمحركات وزيادة طاقتها وتحويلها إلى تقنية رائدة لإنتاج الطاقة البديلة. وسبق للبروفسور هاير أن ساهم في تصميم ونصب كبرى محطات إنتاج الكهرباء من المراوح في «غروفيان» في الشمال الألماني.

لا نجد المحرك في التقنية الجديدة داخل صارية المروحة أو في رأس الصارية وإنما داخل حلقة معدنية تدور بين ريش المراوح والصارية. يتراوح قطر الحلقة بين 20 - 24 مترا تحتوي على أجزاء مغناطيسية ويفترض أنها ستتوصل إلى إنتاج 10 ميغاواط بوزن لا يزيد على 20 طنا. وستعمل المجالات المغناطيسية داخل الحلقة على «تعليق» الحلقة في الهواء وبالتالي تقليل وزن المروحة بأكملها.

تم استلهام تقنية المحرك الحلقي المغناطيسي من تقنية القطار المعلق السريع «ترانسرابيد» الذي تم تشغيله في الصين بين مدينة شانغهاي ومطارها. والقطار كما هو معروف من تقنية ألمانية شاركت فيها جامعة كاسل إلى جانب شركة «توسون» ومعهد فراونهوفر. القطار هنا يسير بواسطة محرك مغناطيسي يصنعه مغناطيس دائم مدمج داخل الخط الذي «يطير» القطار عليه. ومهمة المحرك هنا هو تحويل التيار الكهربائي إلى طاقة دافعة إلى الأمام (حركية)، تدفع القطار إلى الأمام دون أن يحتك بالأرض.

هاير وفريق عمله عكسوا العملية باستخدام نفس التقنية، بمعنى أن المحرك المغناطيسي في المراوح يحول طاقة المراوح الحركية إلى تيار كهربائي. والمحرك الحلقي يعمل بواسطة مغناطيس دائم وليس بواسطة مغناطيس كهربائي، ولهذا فهو ليس بحاجة إلى تيار كهربائي يحركه كما هي الحال مع بقية محركات مراوح الرياح التقليدية. وفضلا عن أنه أصغر وأقل وزنا بكثير، فهو أقل عرضة للعوامل البيئية والتغيرات المناخية، لأن محرك المغناطيس الدائم أقل تأثرا من المحرك الكهربائي بهذه العوامل.

ثم إن المحرك مؤلف من أجزاء دائرية تترتب لتكون شكله الدائري. ولكل جزء من هذه الأجزاء وحدة كهربائية اسمها «ستاتورStator» ومهمتها نقل الكهرباء. ولأن كل من هذه الوحدات، وكل من هذه «الستاتور»، يمكن فصلها عن الأخرى فإن ترميمها يجري منفردا أيضا ولا حاجة لتصليح وترميم المحرك والمروحة بأكملها.

سيجري في مارس 2012 نصب أول محطة مصغرة لإنتاج الكهرباء من الرياح في ألمانيا تستخدم تقنية المحرك الحلقي. وينتظر أن تنتج المروحة الصغيرة الكهرباء بطاقة 100 - 200 كيلوواط قبل أن يجري الانتقال إلى مرحلة بناء المحطات الأكبر.

وحسب رأي هاير، ستكون تكلفة بناء نماذج المحطات الأولى من المحركات الحلقية أكثر من تكلفة بناء المحطات التقليدية، لكن ذلك سيجري تعويضه من خلال مضاعفة إنتاج الكهرباء، وتقليل تكلفة النقل، وتراجع تكلفة التصليح والترميم.