كيارا ماستروياني تواجه في «المحبوبات» والدتها النجمة كاترين دينوف

لعبة الشعر الأشقر وتحولات الجاذبية السينمائية وأذواق الجمهور

الأُم والابنة في لقطة من «المحبوبات»
TT

في فيلمه الجديد «المحبوبات»، الذي ينزل إلى الصالات في فرنسا هذا الأسبوع، يجمع المخرج كريستوف هونوريه بين النجمة كاترين دينوف وكيارا ماستروياني؛ حيث تقومان على الشاشة بدوري أم وابنتها، أي نفس دوريهما في الحياة. وليست هي المرة الأولى التي تتواجه فيها الاثنتان في فيلم سينمائي، لكنهما هذه المرة تتواجهان وقد أصبحت الابنة امرأة ناضجة هي أقرب إلى الصديقة منها إلى البنت. وإذا كانت دينوف قد أخذت، طوال نصف قرن، حظها من الأضواء فإن كيارا، الابنة التي أنجبتها من الممثل الإيطالي الراحل مارشيلو ماستروياني، قبل 40 عاما، ما زالت تبدو وكأنها تدور في حلقة محدودة على الرغم من أنها سليلة نجمين حققا أعلى مراتب الشهرة والنجاح.

يبلغ رصيد كيارا في السينما 40 فيلما ونيف، وهي قد ظهرت خلال السنوات الـ10 الأخيرة في 18 فيلما، لكنها ما زالت بالهشاشة التي تمنعها من حمل بطولة سينمائية حقيقية على كاهلها وحدها، كما أن المتفرج يخرج من مشاهدة أفلامها وهو معجب بها إعجابا لطيفا، دون أن يبقى الدور خالدا في الذاكرة. ولعل هذه الهشاشة هي إرثها من والدتها كاترين دينوف التي ما زالت تعتبر وجها جميلا على الشاشة ومؤدية مطيعة للمخرجين أكثر من كونها ممثلة بارعة وقديرة. وفي الأدوار القليلة التي سطع فيها أداؤها، مثل «جميلة النهار» فإن الفضل كان، بالدرجة الأولى، لمخرج مثل لوي بونويل.

في «المحبوبات» تقوم كل منهما بدور امرأة تحمل نظرتها الخاصة للحب، وهي نظرة مختلفة ما بين الأم التي عاشت صباها في السنوات الذهبية للتحرر النسائي في فرنسا وتدرك أن كل علاقة تبدأ متوهجة ثم تذبل، وبين ابنة تعتبر العلاقة مع الرجل نذيرا بحزن مقبل لا مناص منه. هذا مع العلم أن الفيلم يتنقل بين أكثر من زمن وأكثر من بلد. ولم يسند المخرج دور البطلة مادلين (دينوف)، في شبابها إلى ابنتها كيارا، كما كان متوقعا، بل إلى الممثلة لوديفين سانييه. وهكذا لم يكن على كيارا التي ورثت شعرها الأسود من والدها الإيطالي، أن تظهر في الفيلم شقراء، لكن المخرج قرر أن تكون ذات شعر ذهبي.

تشبه كيارا والدتها إلى حد كبير حين تصبغ شعرها باللون الأشقر، أو هي خليط عجيب من دينوف وماستروياني، الممثل الكبير الذي كان أشهر فتيان السينما الإيطالية وسامة. وكان من الطبيعي أن تتجه البنت، حال بلوغها سن الصبا، إلى التفكير بالعمل في السينما واحتراف التمثيل، خصوصا أنها من المهن التي تورث، كما يبدو، من دون أن يثبت العلم إمكانية توريث المواهب. وتعثرت كيارا في أدوارها الأولى إلى أن خطر لها أن تتحول إلى شقراء، فإذا بالكاميرا تصادق وجهها وتمنحه ألقا لم يكن فيه من قبل. وكان هناك من المخرجين من سعى للتعاقد معها لمجرد أنها صارت نسخة طازجة من كاترين دينوف، مع ما يثيره ظهورها على الشاشة من ذكريات في نفوس المشاهدين المخضرمين. ولعله من المفيد التذكير بأن دينوف مرت بالطريق نفسه من قبل؛ فهي ولدت بشعر قاتم وظهرت به في أدوارها الأولى. لكن العصر كان عصر الشقراوات في السينما الفرنسية، مثيلات ميشيل مورغان وبريجيت باردو وجان مورو، وفي السينما العالمية مارلين مونرو وغريس كيلي وأنغريد برغمان وكيم نوفاك. ولما أخذت قرار التحول إلى شقراء لقيت تجاوبا أكبر من المخرجين ومن الجمهور.

قبل 10 سنوات، نشرت مجلة «إيل»، النسائية الباريسية، صورة لكيارا ماستروياني على غلافها بعد أن جاءت بخبير ماكياج جعل منها نسخة من والدتها، بفمها المكتنز المصبوغ بالأحمر وحاجبيها المرفوعين لأعلى وجبهتها العريضة البادية من تسريحة ممشطة للوراء. كان التطابق مثيرا بحيث حقق العدد مبيعات استثنائية. وكانت الصورة توحي، للوهلة الأولى، بأنها لقطة قديمة لكاترين دينوف، أو أنها صورة جديدة لها بعد عملية لشد جلد الوجه. ولم يتصور القراء أن كيارا قد كبرت وهي تسعى لمنافسة والدتها في عقر دارها. هذا مع فارق شكلي وحيد يتمثل في الشامة السوداء الكبيرة تحت زاوية الفم.

نشأت ابنة النجمين الثريين في مدرسة داخلية ولم تعرف دلع أبناء المشاهير. وكانت والدتها تبعدها عن الصحافة وترفض التقاط الصور لها وهي صغيرة. ولما كبرت قليلا بدأت تجربة الفن بصوتها، لا بملامحها. فقد سجلت شريطا لحساب دار فرنسية للنشر توزع كتبها مسجلة، لا مطبوعة على الورق. وبالأجر الذي نالته من تلك التجربة اقتنت البنت تذكرة بالقطار لاكتشاف العواصم الأوروبية. وحال عودتها من الجولة عرض عليها مصمم الأزياء جان بول غوتييه أن تظهر في عرضه المقبل فوافقت على الفور. ومن منصة الأزياء تعززت ثقتها بنفسها فطرقت أبواب الاستوديوهات وبدأت تظهر في أدوار صغيرة، منها واحد أمام والدتها عنوانه «موسمي المفضل». ولم يكن ذلك صعبا ما دامت تحمل اسما عائليا براقا، غير أن النقاد والجمهور كانوا دائمي المقارنة بينها وبين كاترين دينوف في سباق لم يكن لصالحها. ثم حدث وفازت بجائزة «هنري لانغلوا» التي تمنح للمواهب الواعدة، فاستحقت لقب ممثلة. لكنها ظلت بعيدة عن الحفلات والأضواء، تتمتع بخفر طبيعي وتواضع جميل وتبتعد عن المغامرات والشائعات والفضائح.

ومثلما كبرت البنت وتزوجت من المغني بنجامان بولاي، كبرت دينوف وتجاوزت السبعين من دون أن تبتعد عن السينما. ولعلها حين تقرر الاعتزال ستترك للجمهور نفحة منها هي كيارا، الممثلة الهادئة التي لا تمتلك نزق النجمات.