شريحة إلكترونية لاسلكية رقيقة تلتصق بالجلد لمراقبة العلامات الحيوية للمرضى

ضمن الدمج ما بين علوم الإلكترونيات والبيولوجيا وآفاقها الواعدة في الحاضر والمستقبل

TT

من بين الاتجاهات العلمية العالمية الحديثة التي تشهد حاليا تطورا متسارعا ومتزايدا، الدمج ما بين علوم الإلكترونيات والبيولوجيا، التي سوف تمكن الأجهزة الإلكترونية من التفاعل مع الجسم البشري، مبشرة بتطبيقات واعدة في الحاضر والمستقبل، وخاصة في المجالات الطبية الحيوية، التي تدخل ضمن ما يسمى طب الاتصالات عن بعد.

وحاليا، يستخدم في مراقبة العلامات الحيوية للمرضى مثل درجة الحرارة ومعدل نبضات القلب ورصد موجات الدماغ، أجهزة ومعدات ضخمة وثقيلة، مزودة بالعديد من الأسلاك والأقطاب الكهربائية، التي قد تأخذ وقتا في أداء هذه القياسات، كما تكون مرهقة للمرضى.

ولكن، في خطوة علمية هائلة، تمكن مؤخرا فريق بحثي من جامعة إلينوي الأميركية في إربانا - شامبين، من ابتكار شريحة إلكترونية لاسلكية رقيقة جدا، أرق من الشعرة، تبدو مثل «الوشم المؤقت أو الطابع الصغير»، تلصق بالجلد ومن دون لاصق، تقوم بوظيفة الاستشعار عن بعد والتشخيص الطبي والاتصالات، حيث تستخدم لمراقبة وقياس العلامات الحيوية للمرضى، من خلال أجهزة استشعار إلكترونية، وذلك بصورة أكثر دقة وسهولة وراحة للمرضى، التي سوف تلغي الحاجة إلى الأجهزة الكبيرة والأقطاب والأسلاك المستخدمة حاليا في هذه القياسات، كما ستعطي دفعة قوية للأمام لتطبيقات المراقبة الحيوية للجسم والتفاعل بين الإنسان والآلة، وقد نشرت النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي، في مجلة «ساينس» الأميركية، عدد 12 أغسطس (آب) الحالي.

يقول البروفسور جون روجرز، قائد الفرق البحثي، وأستاذ علوم وهندسة المواد في جامعة إلينوي في إربانا - شامبين، إن «ما نحاول القيام به، هو إعادة تشكيل وتطوير للإلكترونيات، لتكون مناسبة وملائمة للاندماج بجسم الإنسان، ولهذا نحاول أن نجعل التكنولوجيا تتوافق وتتكيف مع طبقات الجلد السطحية، فالهدف هو طمس وإنهاء الفروق بين الإلكترونيات والبيولوجيا».

ويشير البروفسور تود كولمان، أحد المشاركين في البحث، من جامعة كاليفورنيا الأميركية، في سان دييغو، إلى أهمية هذا الابتكار في التوسع في فهم مفهوم «الإلكترونيات الملبوسة؛ أي التي يمكن ارتداؤها» (wearable electronics). ويقول، البروفسور يونغانغ هوانغ، أستاذ الهندسة بجامعة نورث ويسترن الأميركية، ومن ضمن الفريق البحثي، إن النقطة الأساسية المهمة هي في عدم الوضوح بين عالمي الإلكترونيات والبيولوجيا، فهما عالمان مختلفان، فكل الأشكال المصممة من الإلكترونيات، تكون صعبة وصلبة وجامدة، والبيولوجيا، لينة ومرنة، لهذا فالابتكار الحالي، هو أسلوب حقيقي لدمجهما معا.

ويشير الفريق البحثي، إلى أن الشريحة الإلكترونية أرفع من قطر شعرة الإنسان، وتشبه الضمادة الشفافة، وتحتوي على هوائي، يتم عن طريقه نقل البيانات، كما أنها يسيرة جدا في التعامل، فهي مرنة تتحرك مع الجلد، وهي مثل أي شريط لاصق، يسهل لصقها ونزعها من دون الحاجة إلى مواد لاصقة، وقد استمرت هذه الشريحة في البقاء ثابتة في مكانها على الجلد لمدة 24 ساعة. وبالإضافة إلى استخدامها في قياس وملاحظة العلامات الحيوية للمرضى، كدرجة الحرارة ومعدل ضربات القلب، فإنها ستستخدم أيضا في رصد الموجات الدماغية، ونشاط حركة العضلات واستشعار الحنجرة أثناء الكلام. يقول الباحثون، إنه بالإضافة إلى استخدام الإلكترونيات المثبتة على الجلد، في جمع البيانات، فإنها ستوفر لمرتديها، قدرات إضافية أخرى، على سبيل المثال، فسوف يتمكن المرضى الذين يعانون اضطرابات عصبية أو عضلية، من استخدامها في التواصل والتفاعل مع أجهزة الكومبيوتر. وحول إمكانات الرقائق الإلكترونية في المستقبل، يقول العالم الأميركي راي كيرزويل، الخبير البارز في الذكاء الصناعي، إن الذكاء غير البيولوجي سيكون شائعا بحلول عام 2019، حيث سيتم حقن مجسات متناهية الصغر في أوردة وشرايين الإنسان، وزراعة رقائق إلكترونية دقيقة في بعض أعضائه، يمكن أن تؤدي وظائف المخ، وسيتمكن الإنسان وقتها من تقاسم الذكريات والمشاعر والأحاسيس والخبرات الداخلية، من خلال بثها إلكترونيا إلى الآخرين، إذ إنه سيمكن إعادة هندسة الدماغ البشري، من خلال برامج كومبيوتر قد لا تتجاوز تكلفتها أكثر من ألف دولار فقط، لزيادة القدرات الذهنية بما يعادل ألف مرة مما هي عليه الآن.

على سبيل المثال، تجرى حاليا في مراكز البحوث العلمية العالمية المتقدمة، أبحاث وتجارب علمية، بهدف استبدال الأجزاء المصابة في الخلايا العصبية لدماغ الإنسان، بشرائح سليكونية إلكترونية رقيقة جدا، تقوم ببعض وظائف الذاكرة، مما يمكن الشخص المريض من استعادة الذاكرة، حيث ستقوم هذه الرقائق الكومبيوترية بتعزيز القدرات الدماغية أو العصبية للإنسان، من خلال تعويض الخلايا العصبية المتضررة في الدماغ عن طريق تلقي النبضات الإلكترونية ومعالجتها، ثم الاتصال مع جوانب حية في الدماغ. ومن بين هذه التجارب الواعدة، تجارب وأبحاث العالم الأميركي ثيودور بيرغر، من جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، التي تهدف إلى تطوير بعض لغات البرمجة في شرائح الكومبيوتر السليكونية، لتقوم ببعض أعمال المراكز العصبية عند الإنسان، فقد تمكن من ابتكار مجموعة من النماذج العصبية الرياضية الخاصة بنشاط الخلايا العصبية عند الإنسان، تستخدم كأساسيات للمخ البديل وتتشابه مع وظائف مركز الذاكرة عند الإنسان، وذلك عن طريق ربطها بدوائر كهربائية مبتكرة لها القدرة على نسخ أنشطة الخلايا العصبية بمركز الذاكرة. ومن بين تجارب بيرغر التي تعطي الأمل لمرضى الزهايمر (خرف الشيخوخة) والشلل النصفي وإصابات المخ، قيامه بزراعة شريحة سليكونية صغيرة عرضها ملليمتر في منطقة حساسة بمخ الفئران، تسمى «قرين أمون»، وهي المسؤولة عن الاحتفاظ بالذاكرة طويلة المدى، وقد ثبت من التجربة، نجاح الرقيقة في نقل ملايين النبضات الكهربائية والإشارات المختلفة المتتالية خلال المخ عن طريق قطب كهربائي، حيث يقوم القطب بتغيير مسار الإشارات إلى الشريحة التي تعوض الجزء التالف بالمخ، حيث تقوم الشريحة بمعالجة البيانات وتحليل المعلومات وإرسالها للخلايا العصبية الأخرى التي تقوم بتفسيرها وبالتالي المساعدة في عملية التذكر. في كتابه الصادر عام 1997، بعنوان «رؤى مستقبلية: كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الحادي والعشرين» يقول عالم الفيزياء النظرية الأميركي ميتشيو كاكو، إنه في القرن الحادي والعشرين، سوف تصبح وعلى نطاق واسع أجهزة الكومبيوتر صغيرة جدا وقوية ومنتشرة في كل مكان، وستكون مخفية، نظرا لانتشار تكنولوجيا الشريحة الدقيقة والرخيصة، وسوف تحس أجهزة الكومبيوتر الخفية بالعالم حولها، عن طريق وسيلتين غير مرئيتين، هما الصوت والطيف الكهرومغناطيسي، وسوف تستخدم وسائط ذكية غير مرئية مختلفة لأغراض متعددة، وعلى سبيل المثال، ستلتقط أجهزة الاستشعار أوامرنا الصوتية لتنفذ رغباتنا، وباستخدام آلات تصوير فيديو مخبأة، ستتمكن أجهزة الكومبيوتر من تحديد وجودنا وإدراك تعابير وجوهنا، كما أن أجهزة الكومبيوتر ستتواصل مع بعضها ومع شبكة الإنترنت عن طريق موجات اللاسلكي والميكروويف.