«قصر الأمير بشتاك».. مركز لإحياء التراث الموسيقي في قلب القاهرة الفاطمية

يضم قاعة للحفلات وغاليري للفنون التشكيلية

يعود تاريخ إنشاء القصر إلى عام 1339م («الشرق الأوسط»)
TT

في قلب القاهرة الفاطمية وبعد سنوات من الانتظار، تم افتتاح بيت الغناء العربي بقصر الأمير بشتاك بشارع المعز لدين الله، ليكون مركزا ومدرسة للموسيقى والغناء الشرقي، وكأحد الأماكن التي تسعى للحفاظ على تراث الموسيقى العربي الأصيل، وإعادة إحيائه من جديد، والحفاظ على الجوانب التراثية التي قلت أو كادت تنتهي في مجالات الموسيقى والغناء والطرب.

ويعد قصر الأمير بشتاك واحدا من نماذج العمارة الفريدة للعصر المملوكي، وواحدا من أجمل المباني بمنطقة شارع المعز لدين الله الفاطمي، وقد أنشأه الأمير سيف‏ ‏الدين‏ ‏بشتاك‏ ‏الناصري، ‏أحد‏ ‏أمراء‏ ‏الناصر‏ ‏محمد‏ ‏بن‏ ‏قلاوون‏ ‏الذي ‏قتل‏ ‏بمكيدة‏ ‏من‏ ‏الأمير ‏قوصون‏ ‏أثناء‏ ‏حكم‏ ‏السلطان‏ ‏الأشرف‏ ‏علاء‏ ‏الدين‏ ‏كجك.‏ يعود تاريخ إنشاء هذا القصر إلى عام 1339م. وقد تعرض لبعض التصدعات على مر الزمان بلغت ذروتها بعد زلزال عام 1992، ولكن تم ترميمه بالتعاون مع معهد الآثار الألماني.

‏يتكون‏ القصر ‏من‏ ‏طابقين‏، ‏الأرضي ‏به‏ ‏قاعة‏ ‏وإسطبلات للخيول‏ ‏ومخازن‏ ‏غلال‏ ‏وغرف‏ ‏للخدم، أما الطابق‏ ‏العلوي ف‏يضم‏ ‏قاعة‏ ‏الاحتفالات‏ ‏وغرف‏ ‏النوم،‏ وكان‏ ‏يحتوي على ‏طابق‏ ‏ثالثا‏ ‏للحريم‏ ‏لكنه‏ تهدم. ‏ ‏والقاعة‏ ‏الرئيسية‏ ‏‏يتصل‏ ‏بها‏ ‏سلم‏ ‏صاعد‏ ‏يتقدمها‏ ‏سطح‏ ‏مكشوف‏ ‏وتتكون‏ ‏من‏ ‏أربعة‏ ‏إيوانات‏ (‏مساحة‏ ‏مربعة‏ ‏مفتوحة‏ ‏للجلوس‏)،‏ ‏والأسقف‏ ‏الخشبية‏ ‏يتدلى ‏منها‏ ‏وحدات‏ ‏إضاءة‏ ‏فريدة‏ ‏الشكل، ‏بالإضافة‏ ‏إلى‏ ‏الإيوان‏ ‏الشرقي ‏الذي ‏يمتاز‏ ‏بمشربياته‏ ‏الخشبية‏ ‏الكثيرة‏، ‏والإيوان‏ ‏الغربي الذي يضم ‏نوافذ‏‏ ‏معشقة‏ ‏بالزجاج‏ ‏الملون،‏ ‏أما‏ ‏الإيوانان‏ ‏الشمالي ‏والجنوبي ‏فيحوي ‏كل‏ ‏منهما‏ ‏بائكات‏ ‏ثلاثية‏ ‏العقود‏ ‏ترتكز‏ ‏على‏ ‏أعمدة‏ ‏رخامية‏ ‏ذات‏ ‏قواعد‏ ‏وتيجان‏ ‏على‏ ‏الطراز‏ ‏الإسلامي،‏ ‏وملحق‏ ‏بهذه‏ ‏القاعة‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الحجرات‏ ‏ودورات‏ ‏المياه‏، كما توجد‏ ‏ بجوار‏ ‏الإيوان‏ ‏الشرقي‏ ‏‏فتحة‏ ‏باب‏ ‏مؤدية‏ ‏إلى‏ ‏ممرات‏ ‏مطلة‏ ‏على القاعة المخصصة للاحتفالات‏ بالدور‏ الثاني.‏ ‏وكانت‏ ‏هذه‏ ‏الممرات‏ ‏تستخدم‏ ‏قديما‏ ‏لرؤية‏ ‏ما‏ ‏يجري في القاعة،‏ ‏حيث‏ ‏كانت‏ ‏النساء‏ يجتمعن‏ ‏بغرف‏ ‏الحرملك‏ ‏بالدور‏ ‏الثالث‏ ‏المندثر‏، ‏ولا‏ ‏يسمح‏ ‏لهن‏ ‏بالجلوس‏ ‏مع‏ ‏الضيوف‏ ‏بالدور‏ ‏الثاني.

ولقصر بشتاك ثلاث واجهات، الأولى هي الواجهة الرئيسية التي تقع في الجهة الشمالية الغربية وتطل على شارع المعز لدين الله الفاطمي، وتتكون من ثلاثة طوابق محلاة بالمشربيات ذات الرسوم الهندسية الدقيقة، أما‏ ‏الواجهة‏ ‏الثانية‏ ‏فتقع‏ ‏بالناحية‏ ‏الشمالية‏ ‏الشرقية‏ ‏وتطل‏ ‏على ‏درب‏ «‏ترمز»، و‏بها‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏النوافذ‏ ‏المغطاة‏ ‏بأجنحة‏ ‏معدنية وبها‏ ‏أيضا‏ ‏بوابة‏ ‏تؤدي ‏للقصر،‏ أما الواجهة الثالثة بالجهة‏ ‏الجنوبية‏ ‏الغربية‏ ‏تطل‏ ‏على‏ ‏حارة‏ ‏بيت‏ ‏القاضي.‏ ‏وبالنسبة‏ ‏للمدخل‏ ‏الحالي ‏فيتم‏ ‏الوصول‏ ‏إليه‏ ‏بسلم‏ ‏خشبي ‏مزخرف‏ ‏يؤدي ‏إلى‏ ‏باب‏ ‏خشبي ‏عليه‏ ‏كتابات‏ ‏عن‏ ‏منشئ‏ ‏القصر‏ ‏وتاريخ‏ ‏إنشائه‏.

الفنان محسن فاروق، المسؤول عن بيت الغناء العربي، يوضح أن البيت يسعى للحفاظ على التراث الموسيقي والتركيز على الأجيال الجديدة من خلال المدرسة التي تقدم دراسة فنية وموسيقية على يد كبار الفنانين للأجيال الشابة من الفنانين، من أجل خلق جيل جديد قادر على الحفاظ على التراث الموسيقي والغنائي العربي وقادر على نقله إلى آخرين، فهناك أشكال فنية وآلات موسيقية شرقية أوشكت على الاندثار نتيجة قلة الاهتمام بها وعدم وجود أماكن تقوم بتعليم هذه القوالب الفنية.

وكبداية لانطلاقه يبدأ البيت تعليم ثلاث آلات شرقية، هي القانون والكمان والناي، والدراسة متاحة للمصريين والعرب والأجانب على السواء. وستكون المدرسة متاحة للشباب من سن 17 إلى 27 عاما بشرط اجتياز اختبار للقبول في الغناء، وأن يكون الطالب على دراية بالآلة الموسيقية التي يرغب في دراستها في حالة الرغبة في دراسة آلات موسيقية، وستبدأ المدرسة بورشة للغناء العربي وورشة لآلة الكمان مع الفنان عبده داغر.

أما خلال شهر رمضان فيستضيف البيت أنشطة فنية وحفلات موسيقية لبعض فناني الطرب والموسيقى الشرقية المصريين والعرب، مثل فرقة أساتذة الطرب للتراث، والفنان نصير شمة وفرقة عيون وسداسي شرارة، إضافة إلى بعض حفلات لشباب الموسيقى العربية.

ولا يقتصر النشاط على الموسيقى والغناء فهناك غاليري للفنون التشكيلية يقام فيه الآن معرض فني مستوحى من منطقة شارع المعز لدين الله والأماكن الأثرية وطبيعة الحياة فيها.

ويبين مسؤول البيت أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من الأنشطة والفعاليات المقامة داخل القصر، حيث ستعقد ندوات ومنتدى ثقافي، إضافة إلى النشاط الموسيقى والفني والحفلات، ليكون قصر الأمير بشتاك مركزا للفن والفكر والثقافة في شارع المعز.