حياة أطول للفئران البدينة تمنح الأمل للبشر على اختلاف أوزانهم

دواء جديد للحماية من الأمراض المرتبطة بالبدانة عن طريق تقليل الدهون

الدواء يحمي الفئران من الأمراض المعتادة المرتبطة بالبدانة عن طريق تقليل كمية الدهون في الكبد وزيادة الحساسية للأنسولين
TT

على نحو يبقي على بصيص من الأمل في إمكانية إبطاء سرعة تقدم العمر لدى البشر، أثبت الباحثون أنه يمكنهم إطالة متوسط العمر المتوقع للفئران البدينة من خلال دواء مصنوع خصيصا.

الدواء، وهو «إس آر تي – 1720» يحمي الفئران من الأمراض المعتادة المرتبطة بالبدانة عن طريق تقليل كمية الدهون في الكبد وزيادة الحساسية للأنسولين. وتمكن هذه التأثيرات الصحية الإيجابية وغيرها الفئران البدينة التي تلقت الدواء من العيش لعمر أطول بنسبة 44% من متوسط العمر المتوقع للفئران البدينة التي لم تتلق الدواء نفسه، بحسب فريق باحثين رأسهم رافئيل دي كابو، اختصاصي الشيخوخة بالمعهد الوطني للشيخوخة.

وتخضع الأدوية المرتبطة بدواء «إس آر تي – 1720» الآن لتجارب إكلينيكية على البشر.

والنتائج «تكشف للمرة الأولى عن احتمالية تصميم جزيئات جديدة آمنة وفعالة في إطالة العمر وحماية الثدييات من الإصابة بالكثير من الأمراض المرتبطة بتقدم العمر»، هذا ما كتبه الدكتور دي كابو وزملاؤه في إصدار يوم الخميس من دورية «ساينتيفيك ريبورتس» الجديدة. ويؤكد استنتاجهم صحة مزاعم كانت موضع شك في دراسة سابقة انتقدت دواء «إس آر تي – 1720».

ربما يبدو دواء يسمح بالتمتع بوزن زائد مجانا مصدر خطر محتملا أكثر من كونه حافزا للتمتع بصحة جيدة. لكن الأساس المنطقي وراء البحث مختلف نوعا ما؛ فالباحثون يحاولون التعرف على فوائد الدواء التي تسمح للفئران التي تتبع أنظمة غذائية تشتمل على نسبة منخفضة جدا من السعرات الحرارية بأن تعيش عمرا أطول. يبدو فقط أن مثل تلك الفوائد يعتبر إثباتها أسهل بكثير عند الفئران الواقعة تحت ضغط فسيولوجي مثل البدانة منها عند الفئران الطبيعية.

«يمكن استخدام الأدوية كوقاية لتجنب الأمراض، لكني لا أعتقد أنها ستكون مبررا على الإطلاق لإيذاء جسدك»، هكذا تحدث ديفيد سينكلير، عالم الأحياء بكلية هارفارد الطبية رئيس مجلس الإدارة المشارك في المجلس الاستشاري العلمي بشركة «سيرتريس» التي ابتكرت دواء «إس آر تي – 1720». وقامت الشركة، التي تعتبر شركة أدوية صغيرة في كامبردج بولاية ماساتشوستس، بتصنيع دواء «إس آر تي – 1720» ومجموعة أدوية مماثلة لمحاكاة مادة الريسفيراترول التي يعتقد أنها تنشط البروتينات الوقائية المعروفة باسم «بروتينات السيرتوين» (Sirtuins).

تساعد بروتينات السيرتوين في إطالة مدى عمر الفئران التي اتبعت أنظمة غذائية تحتوي على نسبة منخفضة جدا من السعرات الحرارية بنسبة 30% تقريبا. ونظرا لأن قليلا من البشر فقط هم من يمكنهم اتباع مثل هذا النظام الغذائي غير الشهي، يأمل الباحثون في أن توفر جرعات الريسفيراترول وسيلة غير مؤلمة للتمتع بصحة أفضل وعمر مديد.

غير أن هناك حاجة لجرعات ضخمة من الريسفيراترول لإحداث تأثير، من ثم تم ابتكار مواد كيميائية تحاكي «إس آر تي – 1720» لتنشيط السيرتوين باستخدام جرعات أقل بكثير.

وقد ثبت كون عالم بروتينات السيرتوين شيقا جدا، لكن هدف إطالة متوسط العمر تراجع العام الماضي عندما أظهرت تجارب موسعة لمادة الريسفيراترول أنها لا تطيل عمر الفئران، مع أنها بدت لا تسبب لهم أي ضرر. وأتت لطمة أخرى في عام 2009، عندما أشار علماء الأحياء بشركة «فايزر» إلى أن دواء «إس آر تي – 1720» وغيره من الأدوية المحاكية في تركيبها للريسفيراترول لا تقوم بتنشيط بروتينات السيرتوين وليست لها أي تأثيرات مفيدة على الفئران البدينة.

وربما يسهم التقرير الذي أعده دي كابو وزملاؤه بشكل كبير في إنقاذ دواء «إس آر تي – 1720» من هذا الاستنتاج. فقد اكتشفوا أن «إس آر تي – 1720» عاد بفوائد مهمة على الفئران البدينة، مع عدم ظهور أي علامات سمية. وعلى عكس الدراسة قصيرة المدى التي أجرتها شركة «فايزر»، فقد تتبعوا مجموعات ضخمة من الفئران لأكثر من 3 سنوات.

«هذا دليل جيد على أن هذا المركب له تأثير إيجابي على وظائف جسم الحيوان البدين، وهذا يبشر بنتائج إيجابية بالنسبة للبشر بالقطع»، قال جان فيج، خبير في الشيخوخة بكلية ألبرت أينشتين للطب في برونكس في نيويورك.

قدم الدكتور دي كابو وفريقه «مثالا معقولا» يشير إلى أن المركب يعمل عن طريق تنشيط بروتينات السيرتوين، مع أنهم لم يثبتوا صحته، بحسب الدكتور فيج.

إلى حد ما، لا يهم كثيرا كيفية اكتساب الدواء تأثيراته، ما دام فعالا. غير أن مصداقية «إس آر تي – 1720» والأدوية الأخرى الشبيهة به ترتكز على تصنيعها كمنشطات للسيرتوين.

ورغم النتائج الجديدة الإيجابية التي ثبتت عند تجربة «إس آر تي – 1720»، فإن شركة «سيرتريس» لا تخضعه للتجارب الإكلينيكية، لأنها تعتقد أن أحد الأدوية الأخرى المحاكية في تركيبها للريسفيراتراول، وهو «إس آر تي – 2104» يبشر أكثر بالأمل بالنسبة للبشر. فهذا الدواء «أكثر ملاءمة للاستهلاك الآدمي»، بحسب قول الدكتور سينكلير المشارك في كتابة تقرير دكتور دي كابو.

قال سينكلير: «أثيرت تساؤلات حول الجزيئات وما إذا كانت تعمل بالصورة التي ذكرناها». وأضاف: «لكن مع هذه الورقة، تميل كفة الأدلة لصالح الافتراض القائل إنه بوسعنا تعديل مسار تقدم العمر باستخدام الأدوية».

تعتبر الفئران البدينة أداة بحث قياسية، لكن الخبراء يختلفون فيما بينهم فيما يتعلق بمدى ملاءمة هذا الدواء للبشر. «لقد سمموا الفئران بهذا النظام الذي يحتوي على نسبة عالية من الدهون، مما يجعل الفئران تمرض بشدة، ومع استخدام دواء (إس آر تي – 2104)، يمكنهم القضاء على تأثير جزء من ذلك المرض»، هكذا قال الدكتور ريتشارد إيه ميلر، خبير الشيخوخة عند الفئران بجامعة ميتشيغان.

وأشار الدكتور ميلر إلى أن النتائج «تبدو أمرا يجب أن يوليه الناس كثيرا من الاهتمام»، لكنه أضاف أن الدراسة كان من المتوقع أن تكون أكثر إمتاعا، لو كانت قد أظهرت تأثيرا على الفئران الطبيعية.

وضمن الدكتور دي كابو وفريقه فئران هزيلة لم تخضع لأي علاج في دراستهم كمجموعة ضابطة لمجموعة الفئران البدينة التي تلقت الدواء والتي لم تتلق الدواء. عاشت الفئران البدينة التي تلقت الدواء عمرا أطول من تلك التي لم تتلق الدواء، لكنها ماتت قبل الفئران الطبيعية بوقت طويل. ورغم أن الفئران البدينة التي تلقت الدواء عاشت متوسط عمر أطول، فإنه لم يكن هناك اختلاف كبير بين مدى العمر الأقصى لها وبين مدى العمر الأقصى للفئران التي لم تتلق الدواء. بعبارة أخرى، ساعد الدواء في استمتاع الفئران البدينة بقدر أكبر من مدى العمر المتاح لها من دون زيادة هذا المدى نفسه.

كان من الممكن أن تكون النتائج التي توصل إليها الباحثون أكثر أهمية لو كانوا قد أثبتوا أن دواء «إس آر تي – 2104» أطال عمر الفئران الطبيعية. قال الدكتور سينكلير إن هذا الجزء من الدراسة كان قد بدأ في الوقت نفسه، ولكن الفئران الطبيعية التي تلقت الدواء أخذت وقتا أطول قبل أن تموت ولم يمكن تضمين تقارير بنتائجها مع بقية الفئران الأخرى. لكن الدكتور دي كابو قال إن النتائج كانت «مشجعة»، لكن لا يمكن مناقشتها إلى أن تنشر في بداية العام المقبل. لكن الدكتور فيج أشار إلى أنه نظرا لأن الدواء لم يطل مدى العمر الأقصى للفئران البدينة، فسيكون من المفاجئ أن يحدث هذا التأثير لدى الفئران النحيلة. ويقول بعض الباحثون إنه قد وُجه قدر مبالغ فيه من الاهتمام إلى الريسفيراترول والأدوية المحاكية المنشطة لبروتينات السيرتوين، وإن مركبات أخرى مثل المضاد الحيوي «الراباميسين» ربما يزيد معها أمل إحداث هذا التأثير عند البشر. لكن بروتينات السيرتوين «تستحق قدرا كبيرا من الاهتمام، مع أنه قد ثبتت صعوبة تذكر الادعاءات الأولى مرة أخرى» قال دكتور ميلر. بسبب الشك المتعلق بالكثير من النتائج السابقة، فقد أصبح مجال بروتينات السيرتوين استقطابيا. «البعض يؤيد بشدة، والبعض الآخر مقتنع بأنه لا يوجد شيء مؤكد»، هذا ما قاله بريان كيندي، رئيس معهد «باك» لأبحاث الشيخوخة. وصف نفسه بأنه يقف في موقع وسط، ولكن يأمل في أن يثبت كون بروتينات السيرتوين «عوامل أساسية مساعدة في تعديل مسار تقدم العمر».

* خدمة «نيويورك تايمز»