«السقا».. مهنة يزداد الطلب عليها في ليالي رمضان بالعراق

عوامل عديدة ساهمت في عودة هذه المهنة بعد الغزو عام 2003

«سقا» يبيع «عرق السوس» وقت السحور في بغداد (أ.ف.ب)
TT

على الرغم من أن مهنة «السقا» في العراق فقدت بريقها كواحدة من المهن الشعبية التي تعد جزءا من الفولكلور الشعبي في العراق، فإنها تسللت ثانية بعد عام 2003 بسبب عوامل بدت مساعدة لها. فالعراق وطوال السنوات الثماني الماضية يعاني موجة جفاف حادة انعكست على المناخ بقوة بحيث تحول الصيف إلى موسم لا يطاق في هذه البلاد. هذا الأمر جعل الناس تهرب إلى الماء، الأمر الذي أنعش هذه التجارة من خلال انتشار معامل المياه التي تبيع المياه المعبأة، فضلا عن انتشار أجهزة تصفية المياه في المنازل. لذلك، فإنه في الوقت الذي بدأت فيه العديد من المهن تندثر في العراق، فإن مهنة بيع الماء تكاد تكون المهنة الوحيدة التي تخطت البعد الموسمي على الرغم من زيادة الطلب عليها في الصيف وفي رمضان بالدرجة الأساس. ولا تتنافس مع هذه المهنة التي يتولاها في الغالب صبية صغار سوى مهنة بيع شراب «عرق السوس» التي لا تزال واحدة من المهن التي تنتشر في الأسواق والمحلات الشعبية القديمة في بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى. لكن الفرق بين الاثنين أن مهنة بيع الماء أو «السقا» مثلما يطلق عليها في العراق وعدد من الأقطار العربية موسمية، بينما مهنة بيع «عرق السوس» دائمية.

وإذا كانت مهنة السقا لم تعد تخضع للتقاليد المتوارثة، حيث إن سقاية الماء لم تكن مهنة لأغراض الربح في العراق بقدر ما كانت ترتبط بالأجر والثواب، فإن أشهر الصيف الطويلة في العراق التي تزحف على أجزاء من موسمي الربيع والخريف، بالإضافة إلى كثرة السيطرات والحواجز، خصوصا عند التقاطعات، جعلت مهنة السقاية تأخذ في الغالب شكل الموسم وما يحتاجه الناس فيه. ففي الصيف تكون الأولوية للماء البارد الذي يوضع في علب كبيرة من مادة «الفلين» مع قوالب من الثلج، أما في فصل الشتاء حيث يقل الطلب على الماء ويزداد على أنواع العصائر والمشروبات الغازية، فقد يتحول باعة الماء إلى باعة لأنواع المشروبات الغازية فضلا عن السجائر. لكن في رمضان يبدو الأمر مختلفا، حيث تكاد تزول الفوارق بين الحاجة إلى الماء والأجر والثواب، خصوصا في المحلات الشعبية التي لا تزال تنتشر فيها المجالس الرمضانية التي تستمر حتى ساعات متأخرة من الليل. الحاج كريم سهيل يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «العراقيين يقسمون الفصول فيقولون مثلا إن النار فاكهة الشتاء، وذلك بسبب كون مناخ العراق حارا جافا صيفا وباردا ممطرا شتاء مثلما هو مثبت في كتب الجغرافية»، ويستدرك الحاج سهيل قائلا «هذا كان في الماضي لأننا ومنذ سنوات طويلة لم نعد نشعر كثيرا بالفارق بين الشتاء والصيف في بلادنا التي انتشر فيها الجفاف وهو ما أثر حتى على نوعية الماء فيها». ويضيف قائلا «كنا مثلا في الماضي نشرب حتى من مياه الأنهر دون خوف، بينما الآن نخشى حتى المياه المعلبة التي زحف عليها الفساد المالي، حيث لا يخضع الكثير منها للفحوصات المطلوبة وهو ما جعلنا نعمل تصفية إضافية له في المنازل». وعما إذا كانت مهنة السقاية ترتبط بالأجر أم بكونها مهنة للحصول على الماء، يقول سعد فرحان الذي كان يقوم بدور الساقي في إحدى الجلسات الرمضانية في منطقة البياع غرب بغداد، إن «الماء وبسبب هذا الحر اللاهب بات المادة الرئيسية على موائد العراقيين، فكثير من الناس يقول إنه لا يفطر سوى على الماء مع قليل من التمر». ويضيف فرحان قائلا «عقب خروج المواطن من داره قاصدا المقهى أو المضيف أو أي تجمع رمضاني، لا سيما في المحلات الشعبية، فإن مهمة توفير الماء تصبح هي الشغل الشاغل لصاحب المقهى أو المضيف أو المجلس أو التجمع، ولذلك ترى الجميع في حالة من الاستنفار لتوفير الماء ومن بعده المشروبات الغازية والعصائر التي بدأت تنتشر بكثرة لرخص ثمنها وتنوعها مثل شراب النومي بصرة والبرتقال والفيمتو والتمر هند وغيرها».