تطوير أرجل «بيونية» جديدة تسمح للمبتورين بالمشي الطبيعي

تستخدم أحدث التطورات في مجال الكومبيوتر وأجهزة الاستشعار والبطاريات الكهربائية

تمكن العلماء من صناعة أدوات وأجهزة ومكونات إلكترونية، تستخدم كملحقات صناعية مكملة للمكونات البيولوجية للجسم البشري
TT

سبق أن تناولت كتابات وأعمال الخيال العلمي، الحديث عن الكائن البيوني «بيونكس Bionics» (مصطلح مشتق من الكلمتين Biological Electronics)، الذي يتم فيه دمج المكونات الإلكترونية بالمكونات البيولوجية، كما في المسلسل التلفزيوني «رجل الستة ملايين دولار» عام 1973-1978، وسلسلة «المرأة الخارقة» عام 1976-1978، والمسلسل الفضائي «ستارتريك فوياجر» عام 1995. ويرتبط بمصطلح «بيونكس»، مصطلح آخر يسمى «سيبورغ» (Cyborg)، وصاغه عام 1960 عالما الفضاء الأميركيان مانفريد كلاينز وناثان كلاين، من الكلمتين (Cybernetic organism)، ويعني حرفيا كائنا مهجنا من الآلة والأعضاء الحية. ويدخل المصطلحان معا ضمن علم «السيبرنتيكا» الذي يحظى حاليا باهتمام عالمي متزايد، ويعني علم دراسة الاتصالات والتحكم الآلي في النظم العصبية للكائنات الحية ومحاكاة الآلات لها، ويهتم هذا العلم بدعم النظم البيولوجية من خلال توصيلها بأعضاء صناعية أخرى، كما يهتم بتطوير آلات أفضل، من خلال فهم مبادئ التصميم البيولوجي والعمل على محاكاتها في الآلات.

ولقد تمكن العلماء بالفعل في العصر الحالي، من صناعة أدوات وأجهزة ومكونات إلكترونية، تستخدم كملحقات صناعية مكملة للمكونات البيولوجية للجسم البشري، تفيد في استبدال الأعضاء التالفة في جسم الإنسان أو إحلالها محل الأعضاء المبتورة، أو في أغراض علاجية أخرى.

وفي خطوة علمية واعدة في مجال تطوير وتصنيع أطراف سفلية تعويضية صناعية ذكية، لمساعدة الأفراد مبتوري الأرجل، أعلن باحثون من جامعة فاندربيلت الأميركية، مؤخرا خلال شهر أغسطس (آب) الحالي، عن تمكنهم من تطوير أطراف سفلية بيونية (بيولوجية -إلكترونية) جديدة، تسمح لمبتوري الأطراف بالمشي بشكل طبيعي، من دون خاصية المشي بسحب الأرجل الصناعية التقليدية.

ويستخدم في الساق البيونية الصناعية الجديدة أحدث التطورات في مجال الكومبيوتر وأجهزة الاستشعار والمحركات الكهربائية وتكنولوجيا البطاريات، لإعطائها قدرات بيونية.

وتعد هذه هي أول ساق بيونية، يتم فيها تشغيل مفصل الركبة ومفصل الكاحل من خلال جهاز، وتعمل جميعها في انسجام وتناغم، ويأتي تجهيزها بأجهزة استشعار لمراقبة الحركة الخاصة بالمستخدم، وتحتوي على معالجات مبرمجة تستخدم البيانات للتنبؤ بما يحاول الشخص القيام به وتشغيلها بالطرق التي تسهل من أداء الحركات المختلفة.

ومفصل الركبة هو أكبر مفصل في جسم الإنسان وهو مفصل يربط بين أطول عظمتين في جسم الإنسان، حيث يصل عظمة الفخذ بعظمة الساق، ويؤدي وظائف مهمة في أغلب الأنشطة الحركية للإنسان مثل الوقوف والمشي والصعود والنزول. أما مفصل الكاحل، فيربط القدم بالساق، ويسمح للقدم بالتحرك لأسفل ولأعلى، وللداخل وللخارج.

والساق البيونية الجديدة التي تم تطويرها، هي نتيجة مشروع بحثي لمدة سبع سنوات في مركز فاندربيلت لهندسة «الميكاترونكس» الذكية، وتم تمويله من مؤسسة العلوم الوطنية والمعاهد الوطنية للصحة. ومصطلح «ميكاترونكس» (Mechatronics) من المجالات الهندسية الواسعة المتداخلة التي تتطور حاليا بصورة مذهلة ومتسارعة، وهو يجمع بين الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر وهندسة الإلكترونيات وهندسة التحكم. ويعتمد تصميم أي منتج ذكي في هذا المجال الهندسي على دمج أنظمة ميكانيكية وإلكترونية، تقوم فيها منظومة تحكم بدور المنسق، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في اليابان عام 1969.

يقول البروفسور مايكل غولدفارب، أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز فاندربيلت لهندسة «الميكاترونكس» الذكية، بأنه «من خلال النموذج الحديث الذي تم تصميمه، قد تمكنا من التأكد من صحة فرضية أن لدينا التكنولوجيا المناسبة والمتاحة لعمل طرف سفلي صناعي مزود بمفاصل ركبة وكاحل يتم تشغيلها بجهاز»، وأضاف أن «الجهاز الذي قمنا بتصنيعه يوضح مدى التقدم الذي حققناه في مجال الدمج ما بين الإنسان والآلة».

وهذه الأطراف السفلية الصناعية التي صممتها جامعة فاندربيلت، سوف تفيد الأفراد مبتوري الأطراف السفلية، في أنشطة الحركة في الحياة اليومية، مثل المشي والجلوس والوقوف وصعود السلالم. إذ تبين الدراسات التي أجراها الفريق البحثي، أن المستخدمين لهذه الساق الصناعية التي تعمل بجهاز، يمكنهم المشي بشكل طبيعي وأسرع بنسبة 25 في المائة على الأسطح المستوية، منه عندما يستخدمون الأطراف الصناعية السفلية السلبية (غير مزودة بجهاز)، وهذا لأنهم يستخدمون مجهودا أقل بنسبة 30 إلى 40 في المائة من طاقتهم لتشغيلها.

يقول كريغ هوتو (23 عاما، ومبتور الساق)، الذي تم اختباره لهذه الساق الصناعية الجديدة لعدة سنوات، بأن «الساق الصناعية التقليدية السلبية، دائما خطوة ورائية، فصعود ونزول المنحدرات، أحد أصعب الأمور التي يمكن فعلها بهذه الساق الصناعية التقليدية، ويجب أن أكون واعيا، كما أكون متعبا جدا من المشي ونزول هذه المنحدرات، ولكن الآن لم يعد هناك مشكلة مع هذه الساق الصناعية الجديدة المطورة المزودة بجهاز، فقد أصبح صعود ونزول المنحدرات، تقريبا مثل الساق الطبيعية».

ويقوم أيضا مركز هندسة «الميكاترونكس» الذكية بجامعة فاندربيلت، بتطوير ذراع صناعية وهيكل خارجي متقدم للمساعدة في العلاج الطبيعي.

وعلى صعيد آخر متصل، أعلنت وكالات الأنباء خلال شهر أغسطس الحالي، عن تمكن شركة «تتش بيونكس» (Touch Bionic) الاسكتلندية من تزويد فتاة بريطانية عمرها 15 عاما بأصابع بيونية، لتصبح أصغر شخص في أوروبا مزود بها، وكانت الفتاة قد فقدت أصابع يدها اليسرى، ما عدا إبهام ونصف أصبع في يدها اليمنى، وذلك جراء إصابتها بتسمم في الدم نتيجة تعرضها للجدري المائي أو جدري الماء (تشيكن بوكس) عندما كان عمرها ثلاثة أعوام ونصف العام، وقد رصد والداها مبلغ 38 ألف جنيه إسترليني من أجل صناعة تلك الأصابع البيونية، التي يتم السيطرة عليها من خلال إشارات إلكترونية من النهايات العصبية في يدها. وقد استطاعت الفتاة أن تتعلم المهام الأساسية للتحكم في هذه الأصابع البيونية واستخدامها في تنظيف الأسنان واستعمال السكين والشوكة للمرة الأولى. وقالت الفتاة بأنه كان من الصعب عليها أن تعيش في ظل عدم قدرتها على فعل أي شيء، فهي لا تستطيع ممارسة الرياضة أو الإمساك بالأشياء، أما الآن فقد تغيرت حياتها بالكامل بعد أن استخدمت هذه الأصابع.

يذكر أن شركة «تتش بيونكس»، كانت قد طورت يدا تعويضية صناعية بيونية، تحت اسم اليد الذكية أو الطرف الذكي (i-LIMB Hand)، متوفرة الآن تجاريا، وتم تصنيعها باستخدام المواد البلاستيكية عالية القوة، وهي خفيفة الوزن وقوية وجذابة للغاية، كما أنها مزودة بتقنية متقدمة، تتيح التحكم في حركة الأصابع بشكل فردي ومستقلة عن بعضها، باستعمال عضلات ما تبقى من الذراع، كما تسمح هذه اليد بالإحساس باللمس بصورة أكثر واقعية، حيث تم تزويدها بمستويات عالية من الإحساس، تمكن مستخدموها من التقاط الأشياء بقليل من الجهد، وتعمل هذه اليد بنظام سيطرة فريد يمكن مستخدمها من الاستجابة لرغباته، حيث يتضمن إشارات كهربائية عضلية لفتح وإغلاق أصابع اليد.

جدير بالذكر أن شركة التكنولوجيا الطبية «أوتو بوك هيلث كير» الألمانية، قد أعلنت في مايو (أيار) من العام الماضي، وضمن أول مشروع من نوعه في أوروبا، أنها طورت ذراعا صناعية بيونية بـ7 مفاصل حلت محل الذراع اليسرى لشخص فقد ذراعيه الاثنتين، ومنحته شعورا كافيا باللمس، وقد مكنته من اجتياز اختبار قيادة السيارات والسماح له بقيادة سيارته من دون أي مساعدة. فقد أتاحت له هذه الذراع الصناعية التي يتم التحكم فيها باستخدام أفكاره وفي الزمن الحقيقي، تشغيل وإدارة مؤشري الاتجاه في السيارة وبوقها وجميع أجهزة السلامة الأخرى. وقالت الشركة بأن هذه الذراع والاستشعار بها، لا تزال في مراحلها الأولى، التي قد تستغرق نحو أربع سنوات قبل أن يتمكن الشخص من استخدامها في جميع أعماله اليومية.