اللبنانيون يتنفسون الصعداء .. هواء لا دخان فيه

مع صدور قانون منع التدخين في الأماكن العامة.. بعد طول انتظار

مدخنون من مختلف الأعمار
TT

«طفّي (أطفئ) سيجارتك، صدر القانون» ملصق وضعه أحد المواطنين اللبنانيين المؤيدين لصدور «قانون منع التدخين في الأماكن العامة» في لبنان على سيارته كونها تعبر عن مدى التزامه بصدور القانون الذي انتظرته شريحة كبيرة من اللبنانيين، وهو واحد منهم منذ أكثر من 10 سنوات.

ولم تتوان جماعات أخرى عن رفع لافتات ضخمة على شرفات منازلها تحمل عبارات مشابهة مثل «أخيرا.. سنتنفس» أو «التدخين عنا (عندنا) ممنوع»، في حين ألصق البعض الآخر عبارات بالعربية وبالإنجليزية على أبواب أو نوافذ مكاتبهم تحمل تحذيرات وشارات في هذا الخصوص تعبيرا عن تضامنهم مع القانون الجديد، المتوقع أن يطبق فعليا إثر صدوره في الجريدة الرسمية مع أن تطبيقه في المطاعم والملاهي قد يتطلب سنة كاملة، حسب ما ينص أحد بنوده.

وفي هذه الأثناء، فتحت شريحة من الشباب اللبناني صفحات خاصة عن الموضوع عبر موقع «فيس بوك» تحت عناوين قاسية وأخرى مضحكة للوقوف على عدد الأشخاص الذين يؤيدون القانون أو يرفضونه، ولتمرير رسائل مباشرة لأصحاب هذا الموقف أو ذاك والدخول معهم في نقاشات ساخنة حوله.

كان مجلس النواب اللبناني قد أقر «قانون منع التدخين في الأماكن العامة» بعد سنوات كثيرة من العمل على إقراره، وبعد عرقلة ولادته عدة مرات من قبل الجهات المتصلة بشركات التبغ في لبنان التي اعتبرته وسيلة مباشرة للقضاء على باب رزقهم.

من جانبه، أكد الدكتور عاطف مجدلاني، رئيس لجنة الصحة في مجلس النواب، أنه ابتداء من أول سبتمبر (أيلول) المقبل سيصبح التدخين ممنوعا في قصر بعبدا الرئاسي وفي السراي الحكومي (مقر الحكومة) ومبنى مجلس النواب، وكذلك في مباني الوزارات والمجالس والضمان الاجتماعي والمدارس والجامعات ووسائل النقل والطائرات المدنية. وتابع أن مفعول منع الإعلانات والرعاية والتوزيع المجاني والترويج للتبغ ومشتقاته سيسري بعد 6 أشهر، أما موضوع التدخين في الأماكن العامة المغلقة مثل المطاعم والمقاهي والملاهي فسينفذ بعد سنة تدريجيا بالترافق مع حملة توعية مكثفة ومستديمة.

وعن مصير المحلات التي تؤمن توصيل النارجيلة (الشيشة) مجانا إلى المنازل، وهي ظاهرة راجت بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة في لبنان، أفاد الدكتور مجدلاني في حديث مع «الشرق الأوسط» بأن هذه الخدمة لا يشملها القانون الصادر كونها تصب في خانة الحرية الشخصية للمواطن.

هذا، وكانت دراسات أجريت مؤخرا قد أشارت إلى أن نسبة 38 في المائة من البالغين في لبنان هم من المدخنين، و46 في المائة منهم من الذكور و34 في المائة منهم من الإناث، ونسبة الـ38 في المائة هذه تتجاوز إلى حد كبير المعدل الإقليمي في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والجدير بالذكر أن التدخين، وفق التقارير العلمية الموثوق بها يقصر عمر المدخن 13 سنة بالمقارنة مع الشخص غير المدخن. ومن جهة ثانية، يشهد لبنان نسبة مرتفعة من التعرض لما يسمى «التدخين السلبي» - أو غير المباشر - الناجم عن وجود المرء في مكان واحد مع مدخنين في مكان محصور. فقد أظهرت دراسة نشرت حصيلتها مؤخرا، وكانت أجريت لرصد نوعية الهواء في 28 مطعما ومقهى في لبنان، أن نوعية الهواء سليمة في مطعم واحد فقط لأن الدخان ممنوع فيه، أما المطاعم الـ27 الأخرى فتبين أن معدل تلوثها بالدخان عال جدا، وصنف ضمن المعدلات الأكثر خطورة على الإنسان حسب مؤشر منظمة الصحة العالمية لنوعية الهواء.

القانون الجديد يمنع التدخين بصورة قطعية - 100 في المائة - في الأماكن المغلقة نظرا لأنه لا توجد نسبة آمنة للتعرض لـ«التدخين السلبي». وكشفت الدراسات عن أن أنظمة التهوية، بما فيها الأجهزة المتطورة منها، لا تخفض نسبة الدخان إلى مستوى آمن. كذلك لا جدوى من الفصل بين قسم للمدخنين وقسم آخر لغير المدخنين، لأن الدخان ينتقل بين هذين القسمين ويستحيل السيطرة عليه أو ضبطه، فبعد 8 دقائق فقط من إشعال أي منتج تبغي سواء كان سيجارة أو سيجارا أو غليونا أو نارجيلة، إلخ، داخل غرفة مفتوحة يصل التلوث إلى الطرف الآخر من الغرفة إلى النسبة ذاتها في المكان حيث أشعل المنتج التبغي.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، أوضح الدكتور جورج سعادة، مدير «البرنامج الوطني للحد من التدخين» في وزارة الصحة العامة اللبنانية، «أن القانون وضع من أجل الحفاظ على صحة المواطن اللبناني، ومن حق هذا المواطن أن يعرف الحقوق والمسؤوليات الصحية والبيئية والاجتماعية المترتبة تجاهه وله من قبل المجتمعين المدني والقضائي»، وأردف «أن عليه (المواطن) دعم القانون وتحمل مسؤولية تطبيقه بحذافيره، خصوصا أن ثقافة احترام القانون شبه غائبة في مجتمعنا، والغالبية تحاول الالتفاف عليه بطريقة أو بأخرى».

وعن الغرامات المادية التي ينص عليها القانون تجاه المخالفات التي يرتكبها الأفراد أو المؤسسات عند مخالفتهم إياه، قال سعادة «علينا أن نكون حازمين في هذا الموضوع، والغرامة تساهم في تطبيق القانون بصورة أفضل وبسرعة أكبر. وإذا ما طبق بنسبة 50 في المائة في لبنان فإن هذا سيعتبر تقدما بحد ذاته». واستطرد «أقول هذا لأن بلدا كبريطانيا، مثلا، المعروفة بصرامتها في تطبيق القوانين والالتزام بها، تبين إثر مسح أجري عام 2011، بعد 7 سنوات من تطبيق قانون منع التدخين فيها، أن نسبة تطبيقه وصلت إلى 82 في المائة، وهذا ما يجعلنا نأمل في تحقيق إيجابيات عدة، أهمها العيش لمدة أطول مع أحبائنا وأولادنا».

على صعيد الغرامات، يفرض القانون الجديد على مخالفيه غرامات مالية تبدأ بمبلغ 100000 ل. ل (نحو 70 دولارا أميركيا) يدفعها الفرد المخالف في حين تتراوح ما بين الـ3 ملايين و40 مليون ل. ل (ما بين 2000 دولار و26000 دولار) لصاحب المؤسسة المخالفة. أما «الخط الساخن» الذي سيخصص لتلقي شكاوى المواطنين في أي وقت في حال تعرضهم لأي تهديد، أو أرادوا الإدلاء بأي معلومات تصب في خدمة هذا القانون، فيحمل الرقم 112.

وبالنسبة لوسائل التوعية التي اعتمدها مكتب مكافحة التدخين في وزارة الصحة العامة، فإنها تشمل إطلاق كتيب يوضح تفاصيل القانون ويحدد واجبات ومسؤوليات الجميع تجاهه، ويتضمن 10 نقاط أبرزها ما يلي: ماذا يتضمن القانون الجديد؟ ولماذا يجب على لبنان أن يصبح خاليا من التدخين؟ وماذا يجب أن تفعل للتحول إلى مكان خال من التدخين؟ وكيف تتعامل مع المدخن؟.. بالإضافة إلى نقاط أخرى، كالتطرق إلى الغرامات والعقوبات، وكيفية تطبيقها، والإشارات واللافتات التي يجب عرضها لتطبيق القانون، وغيرها من النقاط التي تعطي المواطن فكرة وافية عن أي سؤال يراوده في هذا الخصوص.

وراهنا، ينقسم اللبنانيون بين مؤيد لهذا القانون ومناهض له، علما بأن ثمة سوابق للانقسام الحالي، إذ شهد لبنان انقسامات حادة عند صدور قوانين وقرارات مختلفة منها فرض حزام الأمان أثناء قيادة السيارة، ومنع صيد الطيور، ومنع قيادة الدراجات النارية بعد الساعة السادسة مساء وغيرها. وقد اعتبر بعضهم هذه «الممنوعات» تقييدا للحريات الخاصة في حين رأى فيها آخرون قوانين ذات منفعة للسلامة العامة والبيئة والأمن.

وفي هذا الصدد تقول نينا طرابلسي، وهي موظفة في فندق بيروتي معروف، إنها فوجئت إثر إصدار القانون بكيفية تعاطي زبائن الفندق معه، وبالأخص في أوقات الإفطار «إذ كان المدخنون منهم ينتقلون منهم مباشرة إلى خارج صالات المطعم لتدخين السجائر». بينما قال موسى زيتون، وهو طالب جامعي، إنه وأترابه يرتادون منذ نحو السنة المقاهي والمطاعم الخالية من التدخين ويصل عددها إلى نحو الـ40 مطعما، وبينها ما يقدم الوجبات السريعة أو السوشي اليابانية أو الأسماك أو المازة اللبنانية.

وعلى الصعيد الجماعي، تتأهب الجمعيات والمؤسسات الداعمة لتطبيق القانون، مثل «حياة حرة بلا تدخين» و«إن دي آكت» و«جاد» وغيرها، للاحتفاء بإصدار القانون في احتفال يحضره آلاف اللبنانيين في مكان مغلق يحييه عدد من وجوه الفن والإعلام المؤيدين لتطبيقه، وذلك تعبيرا أولا عن فرحتهم بولادة القانون من ناحية، وثانيا للدلالة على النسبة الكبيرة من مؤيديه من المواطنين اللبنانيين المناوئين للتدخين التي ستشارك في الاحتفال.

وتؤكد رانيا بارود، نائبة رئيس جمعية «حياة حرة بلا تدخين»، أن جمعيتها كمؤسسة مساندة للقانون، «جاهزة لتنظيم دورات تدريبية لكل من يهمه الأمر، تساعد في تعلم كيفية تطبيقه في الأماكن العامة، وقد سبق للجمعية أن خاضت تجارب مماثلة، بينها مع عناصر قوى الأمن التي كانت مولجة في مراقبة تطبيق القانون في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت طوال فترة تجريبية استغرقت ثلاثة أيام، عندما توزع عدد من المتطوعين أيضا في المطار طالبين إطفاء سجائر المدخنين وتعويضها بتفاحة قدمت لكل مدخن مجانا في المقابل». ومن المتوقع الآن تعليق ساعات كبرى في الشوارع الرئيسية في بيروت تعلن الوقت المتبقي تنازليا countdown لتطبيق القانون كاملا، خلال فترة تستغرق ما بين ستة أشهر وسنة كاملة.

بقي أن نشير إلى أن القانون الجديد يشمل أيضا منع صنع منتجات التبغ والتغليف والدعاية المتعلقة بها في لبنان. وكذلك يمنع التوزيع المجاني، أي أنه يمنع توزيع أي منتج له علاقة مباشرة بالتبغ، كالمنفضة والقبعة والقميص، أو أي سلعة أخرى تحمل رمزا تجاريا أو إعلانا لمنتج تبغي، كانت في الماضي تعتمد كوسيلة دعاية وترويج له من قبل بعض شركات صناعة التبغ.