الكبار يتذكرون عادات جميلة طواها الزمن في المغرب

«إمرشدان» كان نداء يوم العيد لأطفال بعض قرى الأطلس المتوسط

إحدى قرى منطقة أزيلال في ستينات القرن الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

تغيرت فرحة يوم العيد عند الأطفال في مناطق الأطلس المتوسط، وباتت الأشياء التي كانت تدخل البهجة على قلوب الصغار في عداد الماضي ولم يعد يتذكرها إلا الكبار. كما لم يعد الطفل اليوم تستهويه بنفس الدرجة اللعبة التي سيحصل عليها مقارنة بالوجبة التي سيأكلها.

تسمى الأكلات التي كانت تعدها الأمهات قبل 40 سنة في تاكلفت وهي قرية صغيرة من قرى إقليم أزيلال (في وسط المغرب) صبيحة يوم العيد لفائدة الأطفال «إمرشدان» بالأمازيغية. وتتكون عادة من رقائق الخبز المعروف إما بـ«المسمن» أو من نوع «المخمار» وتدهن هذه الرقائق بالسمن أو العسل أو بهما معا. أو على الأقل بالزيت. ويعتبر الصباح الباكر وقت تقديمها، أي قبل تناول الكبار فطورهم الذي يكون هو الآخر مميزا بمناسبة العيد. حيث كان الأطفال يطوفون على الجيران، أولادا وبنات. وأينما سمعوا النداء المألوف صبيحة العيد: «ها إمرشدان أيشران» بمعنى «ها هو فطوركم يا صغار» يهرعون باتجاه النداء. ثم ينتقلون ليستجيبوا لدعوة أخرى. يأكلون واقفين ما يقدم لهم بأبواب المنازل. لا وقت للدخول والجلوس.

وببراءة الصغار يقيمون فورا أحسن طبق قدم لهم خلال جولتهم على المنازل. وهكذا يحتفظون بأسماء العائلات التي قدمت لهم رقائق مطلية بالسمن أو بالسمن والعسل معا. وأقل طبق لا يجد الإقبال من طرف صبيان الدوار تلك الرقائق التي يتم دهنها فقط بالزيت. كان الصغار يعرفون حتى جودة الدقيق الذي يعجن منه خبز العيد، أجوده وأقله جودة.

وكل هذه المعطيات التي ينقلها الأطفال تتأكد عند آبائهم بحكم أنهم يعرفون القرية أو المدشر أو حتى الأسر التي يكون محصولها الزراعي جيدا، والعكس.

وهناك من ربات البيوت من كن يخرجن للصغار أكلة أخرى، قليلا ما كان يحصل هذا الأمر. لا يتعلق بالخبز وإنما بمعجن محلي الصنع «بركوكس» وهو عبارة عن حبات صغيرة تكورها النساء بمهارة من نقيع دقيق القمح الطري، يتم طبخها بالحليب، ويتم سقيها بالسمن المذاب أو الزيت. كان الأطفال في الماضي يأكلون «بركوكس» من دون ملاعق وإنما بأيديهم.

تبدو أيادي الصغار صبيحة العيد ملونة بالحناء، ذكورا وإناثا. ومنهم من يريك يده فرحة باللوحة التشكيلية العفوية المرسومة في كفيه. الخطوة التي تلي فطور الصغار هي ارتداؤهم ملابس العيد. ليس بالضرورة أن تكون جديدة. كان الكثير من الآباء في هذه المنطقة الجبلية القاسية يجدون صعوبات في توفير كل حاجيات صغارهم رغم بساطتها. وسط هذه البيئة البسيطة المعزولة، عاشت عادات اجتماعية وحضارية نبيلة كان قوامها الحرص على إدخال الفرحة على قلوب الأطفال بما أوتي الناس من طاقة، وخاصة في أيام الأعياد.

مع مجرى الأيام، كبرت القرية وأصبحت قرى. ومنذ نحو 30 سنة، تم ربطها بشبكة الطرق، ثم أدى وصول الكهرباء إلى تحول لافت في تاريخها الاجتماعي، حيث لم تعد مشكلة تشغيل جهاز التلفزيون بالبطارية مطروحة بالنسبة لمن كان يتوفر على هذا الجهاز في تلك الفترة. وبسبب توفر الطاقة، واعتلاء صحون الالتقاط سطوح المنازل اختفت معها الكثير من القيم الاجتماعية. فالأشياء التي لم تصل إلى القرية على الطريق من المدن أوصلتها إليهم الشاشة الصغيرة. ويمكن تشبيه حال هذه القرية بكثير من المناطق المغربية.

ويقول أطفال الأمس إن كثيرا من الأشياء التي كانت تدخل الفرحة على أطفال أيام العيد في زمن مضى قد انقرضت، ولم يعد طفل هذا العصر يستهويه الرغيف أكثر من كومبيوتر صغير، أو لعبة إلكترونية يخوض فيها السباق ضد الوقت ليهزم خصما أو يربح نقط اللعبة. وقد لا ينتظر حلول العيد حتى ليحصل عليها، ما لم تتزامن هذه المناسبة الدينية بعيد ميلاد الطفل أو الطفلة أو مناسبة نجاح في الدراسة، أو لمجرد الرغبة في الاستبدال باللعبة القديمة واحدة أخرى شاهدها عند صديق له أو على شاشة التلفزة، أو الإنترنت.