«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي

يطلق موسم الجوائز حول العالم ويواجه منافسة تنتظر الضربة القاضية

كايرا نايتلي.. ستحضر فينيسيا
TT

الزاوية التي تنطلق منها المؤسسات السينمائية حول العالم (شركات إنتاج، شركات توزيع، مؤسسات إعلامية أو وكالات إعلانية وسينمائيين..) في النظر إلى مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي كل سنة، تختلف عن تلك التي ينطلق منها الناقد والباحث عن المتعة الفنية أو أولئك الذين يرون البعبع السياسي عند منعطف كل فيلم.

بالنسبة لتلك المؤسسات، مهرجان فينيسيا يأتي كرأس حربة في سباق الجوائز الذي يقع كل عام في الأشهر الأربعة الأخيرة من كل عام. «برلين» لحشد من أفلام مطلع العام، «كان» لعيد ينتصف السنة تقريبا، أما فينيسيا فلموقع تحضيري تنطلق على أثره المناسبات الرئيسية المثمرة عن عشرات الجوائز الكبيرة والمتوسّطة والصغيرة.

بعد فينيسيا هناك تورنتو، وبعدهما المناسبات الغربية الكبيرة المانحة للجوائز السنوية: جائزة الفيلم الأوروبي، السيزار، الغولدن غلوب، بافتا، جمعية المخرجين، جمعية المنتجين، جمعية الممثلين، وصولا إلى المحطة الأخيرة المتمثّلة في جوائز الأوسكار. هذا عدا عن تلك المناسبات الأصغر شأنا، كقيمة جماهيرية أو إعلامية، ومن بينها جوائز الجمعيات النقدية المختلفة.

ومع أن مهرجانات السينما العالمية لا تتوقّف بدورها فتتوالى على أثر فينيسيا ومنها تورنتو وسان سابستيان وروما وأبوظبي ونيويورك ولندن و - من العام المقبل - بالم سبرينغز وسندانس، فإن تورنتو وحده هو الثاني في إثارة اهتمام هذه المؤسسات. الباقي كأحجار ثمينة ونصف ثمينة تزيّن العقد لكنها لا ترفع من سعره.

* مهرجان ضد مهرجان

* فينيسيا، إذ يقع في المقدّمة، يدفع بالأفلام المشتركة في اتجاه أميركي. إذا ما ربح فيلم أميركي الجائزة رفع من نسبة حظه في الأوسكار كما في المحافل المتتالية ذات الجوائز المهمّة الأخرى، وإذا ما ربح فيلم غير أميركي الجائزة ساعده هذا على الوصول إلى السوق الأميركية كما إلى جوائزها إذا أمكن. ومع أن تورنتو هو الأكثر جذبا لشركات التوزيع العاملة على ضفّتي الأطلسي، كما يقول الغربيون، فإن قيمة فينيسيا ترتفع من عام إلى آخر وعلى نحو مستمر.

بات ملحوظا مثلا العدد المتزايد من النجوم الذين يؤمونه: هذا العام كيت وينسلت، كايرا نايتلي، مونيكا بيلوتشي، جورج كلوني، مادونا، رومان بولانسكي، رايان غوزلينغ، وهذا فقط على سبيل المثال. وحسب البرنامج الموزّع فإن غالبية النجوم الكبار القادمين إلى هنا سيحضرون ويتلألأون في الأيام الخمسة أو الستّة الأولى من المهرجان قبل أن ينطلق الجميع في وجهتهم التالية تورنتو.

فينيسيا لا يبدو خاليا من الأضواء لأن هناك الكثير من الضيوف، لكن تورنتو يسحب منه قدرا من البريق وعددا لا بأس به من النجوم كذلك عددا أكبر من النقاد والصحافيين الذين يكتفون بالأسبوع الأول منه وينطلقون للانخراط في دورة تورنتو التي تنطلق قبل نهاية فينيسيا بأيام.

السبب الذي من أجله لا يستطيع فينيسيا المقاومة وحماية أضوائه من الخطف يكمن في أن صانعي الأفلام المشتركين هنا، هم أيضا مشتركون في تورنتو وهم الذين يصرّون على الانتقال باكرا من المهرجان الإيطالي إلى الكندي، ولا يسع ماركو مولر سوى الموافقة. كيف لا وهو إذا قال لا قد يحرم المهرجان مما بات متوقّعا: النجوم والحفلات والطبل الإعلامي؟

على ذلك، فينيسيا رأس الحربة بفارق أيام قليلة. وأحد العالمين بذلك المنتج جيريمي توماس الذي له في الدورة الحالية من فينيسيا ثلاثة أفلام هي «عار» لستيف ماكوين و«منهج خطر» لديفيد كروننبيرغ و«مرتفعات وذرنغ» لأندريا أرنولد. يقول في تصريح: «اختياري فينيسيا عن سابق تصميم ومنذ مرحلة مبكرة جدّا. إنه مهرجان جيّد لا يزال يهتم بالمستوى الفنّي لجانب المستوى الإعلامي».

لكن آخرين لا يشاركونه الرأي، ومعظم هؤلاء من النقاد الذين يعتبرون أن المهرجان سار بعيدا في ركب الجماهيرية والتجارة وأن ذلك لا يساعد السينما كفن وإبداع.

* حسابات مهمة

* ما يحدث إذا هو سير في اتجاهين: من ناحية فإن مهرجان فينيسيا لا يزال أحد الثلاثة الأهم، لكن من ناحية أخرى فإن المهرجان الرابع في السلسلة (تورنتو) على بعد خطوات ذهنية وزمنية وهذه الخطوات تزداد اضمحلالا. الكاتب السينمائي جاسون سولومون كتب في صحيفة «الأوبزرفر» مؤخرا ملاحظة مهمّة إذ ذكّر كيف أن «مجلس الفيلم البريطاني» قام في مثل هذه الأيام في العام الماضي (أي قبل إنهائه على يدي الحكومة البريطانية الحالية) بالتوجّه بأفلامه الثلاثة عشر إلى تورنتو من دون المرور بأي منها في «فينيسيا». هذا ما ينقل المنافسة بين الاثنين من نطاق ما كان عليه حتى الأمس القريب (مهرجان يسبق آخر والثاني يحاول استقطاب ما يختاره المهرجان الأول لكي يعرضه أيضا) إلى نطاق جديد: مهرجان فينيسيا (الأكثر تكلفة) يستطيع أن يجذب الجمهور والأضواء لبضعة أيام، لكن إلى هناك، في الشمال الأميركي تتسارع الخطوات والنبضات كونه يقف عند أبواب السوق الأميركية بأسرها.

على كل ذلك، الجائزة التي حازها الفيلم الأميركي «بجعة سوداء» في العام الماضي، وهو الفيلم الذي أخرجه دارن أرونوفسكي وقام ببطولته كل من نتالي بورتمان وميلا كونسي وفنسنت كاسل، وجد نفسه محمولا بفضل تلك الجائزة من البندقية إلى هوليوود وطوال الأشهر الستة الفاصلة بين فينيسيا والأوسكار. مما يعني أن الحسابات أكثر أهمية مما نعتقد حتى حينما نضن على أنفسنا بالاهتمام بمثل هذه التيارات ومجريات الأمور.

ما هو ثابت أن هوليوود لم تعد مؤسسة رمزية ولا هي مدينة لصناعة السينما الأميركية وحدها، بل تشبه المافيا السينمائية ذات الأصابع الممتدة صوب قرارات العالم المنتج للأفلام بأسره. لذلك فإن هوليوود لا تدخل المسابقات بأفلام ترعاها الاستوديوهات إلا فيما ندر، لأنها تخشى من الصيت الذي قد يعود به فيلم من أفلامها إذا ما فشل في الفوز بجائزة.

القارئ قد يعتقد أن تورنتو بات المهرجان الأهم على الكوكب. لكن هناك بضعة أفلام رئيسية (والعشرات غير المتسابقة) التي سيعرضها فينيسيا ولن ترى نور الشمس في تورنتو ولا عتمة صالاتها. مثلا فيلم رومان بولانسكي الجديد «مجزرة» وهذا يحوي بين دفّتيه كريستوف وولتز وكيت وينسلت وجودي فوستر وجون س. رايلي. عدم التوجّه إلى تورنتو لا علاقة له بالوضع القانوني للمخرج، فهو لا يستطيع الخروج من أوروبا (وبعضها في الواقع) حتى ولو أراد. القرار له علاقة بخطف مهرجان نيويورك الفيلم المذكور ليفتتح به الدورة المقبلة التي تنعقد في الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول). كذلك فيلم «معدٍ» الذي يعرضه فانيسيا في اليوم الرابع من أيامه وهو للمخرج ستيفن سودربيرغ وبطولة كيت وينسلت، مات دايمون، ماريون كوتيار ولورنس فيشبورن.

أيضا «مرشد، مقتف، جندي، جاسوس» الذي اقتبسه المخرج الدنماركي عن رواية جون لي كاريه الذي قررت شركة توزيعه الأميركية (فوكاس) تخصيص فينيسيا به كونها ليست بحاجة إلى سوق تورنتو لبيعه.

مفكّرة | كلوني يفتتح فينيسيا وينزل الانتخابات الرئاسية ليبراليا لجانب أوباما في اليوم السابق لافتتاح المهرجان الذي يصادف اليوم 31 أغسطس (آب)، ترددت الأنباء الواردة من هوليوود على أن جورج كلوني، الذي يفتتح فيلمه الجديد «منتصف أشهر مارس» الدورة الثامنة والستين من المهرجان الإيطالي العتيد، قرر الانسحاب من فيلم كان سيتصدّر بطولته تحت عنوان «رجل من أونكل» أو The Man From U.N.C.L.E في الأصل هو مسلسل تلفزيوني ترعرع تحت جناح النجاح الذي كان جيمس بوند قد حققه سينمائيا. في عام 1964 انطلق المسلسل على الشاشة الصغيرة بطولة اثنين من العملاء الأميركيين الذين يعملون خارج الحكومة (لكن لها) وبعد ثلاث سنوات تم إطلاق الفيلم الأول من السلسلة عبر فيلم للراحل باري شير ومن بطولة الثنائي الذي قام بأداء الحلقات روبرت فون وديفيد ماكغولام.

لم يعط كلوني سببا لقراره العزوف عن بطولة الفيلم الجديد الذي يعد له صديقه المخرج ستيفن سودربيرغ، لكن من الغالب أن البعض سيسأله السبب في المؤتمر الصحافي الذي يعقده بعد عرض فيلم الافتتاح، الذي قد لا يكون بعيدا في أجوائه عن شغل السياسة ومؤامراتها. «منتصف أشهر مارس» هو دراما سياسية عن حاكم ولاية ليبرالي (كما حال كلوني) الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية. ومن تابع أفلام كلوني التي أخرجها من قبل، «اعترافات عقل خطر» (2002) و«ليلة طيّبة وحظ جيد» (2005) و«رؤوس جلدية» (2008) يدرك إصراره على تمرير خطوط سياسية تتنوّع بين المباشرة (كما في الفيلمين الأوّلين) والخفّة (في الفيلم الثالث).

هذا الفيلم الذي اختارته إدارة المهرجان لإطلاق دورتها الجديدة الحالية به، لديه ثلاث محطّات مهمّة في المستقبل: الأولى هي أنه سيتوجّه من هنا إلى مهرجان تورنتو. كلّها 14 ساعة (بما فيها فترات الانتظار في المطار) ويحط في المهرجان الأكبر في الشمال الأميركي. الثانية هي ترشيحات الأوسكار الذي سيعمد الفيلم إليها حاملا على جناحيه مجموعة ممثليه وكتّابه ومخرجه ومنتجيه، والثالثة أنه سينطلق للعروض الجماهيرية خلال ارتفاع حدّة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

كلوني والنجاحات الفنية على تضاد معين. على كثرة الترشيحات التي خاضها وأفلامه في السباقات الرئيسية حول العالم (الأوسكار، بافتا، جائزة الفيلم الأوروبي، غولدن غلوب الخ...) فاز مرّتين بالغولدن غلوب (الأولى كأفضل ممثل كوميدي عن فيلمه «يا أخ، أين نحن» الذي أخرجه ستيفن سودربيرغ سنة 2002، والثانية كأفضل ممثل مساند في «سيريانا» سنة 2006).

ومن أصل خمس ترشيحات أوسكار فاز مرّة واحدة وذلك كأفضل ممثل مساند (أيضا) عن «سيريانا». في العام الماضي أفصح عن رأيه بجوائز الأوسكار حين قال إنه يشعر، خلال عملية الترشيحات بأنه «غير نظيف».

* بين المهرجانات

* لأول مرّة سنشاهد الممثلة البريطانية كاري موليغن تغني وذلك حين يتم عرض «عار»، فيلم بريطاني من إخراج ستيف ماكوين مشترك في المسابقة تؤدي فيه دور البطولة لجانب مايكل فاسبيندر لاعبة دور مغنية في ناد ليلي. الفيلم واحد من أكثر أفلام المسابقة ترقّبا لجملة من الأسباب من بينها ما قيل عن أنه يحتوي على مشاهد ساخنة. كانت موليغن فازت بالغولدن غلوب في العام الماضي عن دورها في «تعليم».

* اختار مهرجان روما السينمائي (يكمن على بعد شهر ونصف من فينيسيا) «السيّدة» كفيلم افتتاح وهو للمخرج والمنتج الفرنسي لوك بيسون. الفيلم سيرة حياة المناضلة أونغ سان سو كيي ضد سلطات بورما (التي أصبحت اليوم تكنّى بميانمار) وتقوم بدورها الأميركية ميشيل يوه.

* أحد الأفلام التي أخفق مهرجان تورنتو في الحصول عليها هو «أسبوعي مع مارلين» الذي تؤمه الممثلة ميشيل وليامز لاعبة شخصية مارلين مونرو. لجانبها كينيث براناه مؤديا شخصية الممثل لورنس أوليفييه.

* نفى المكتب الإعلامي لمهرجان فينيسيا أن يكون طلب فيلم كلينت ايستوود الجديد لكنه لم يستطع الحصول عليه. وهو محق في نفيه حقيقة أن الفيلم لا يزال قيد العمل في مرحلة ما بعد التصوير. إلى ذلك، يقول لهذا الناقد مصدر إعلامي من شركة «وورنر» الموزّعة إن ايستوود لا يسعى لعرض الفيلم في المهرجانات الدولية: «لقد اكتفى من ذلك وهو ليس بحاجة».