رسائل الجوال توحد مشاعر العراقيين في العيد

الاحتفال الحقيقي في كردستان يبدأ عندما يأتي المساء

أمر جديد طرأ على العراقيين خلال السنوات القليلة الماضية وهو «رسائل الجوال» التي بات لها دلالات خاصة في العيد (أ.ف.ب)
TT

قبل سقوط النظام السابق عام 2003 كانت التسمية الدارجة لليوم الأول للعيد هي «عيد الحكومة»، حيث يتم التعبير عنه من قبل الهيئة العليا لثبوت الرؤية الشرعية المرتبطة بوزارة واحدة هي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. أما الآن، وبينما لا يزال ديوان الوقف السني هو الممثل الأوحد للسنة في العراق على صعيد تحديد يوم العيد، وأعلن أمس أول أيامه، فإن الوقف الشيعي تخلى عن هذه المهمة لمراجع الدين الكبار الذين يحددون يوم العيد طبقا لقناعاتهم الشرعية، وكثيرا ما يختلفون في ما بينهم، حيث إنه في الكثير من الحالات يصدر علماء دين شيعة كبار أوامر بتوحيد العيد بين السنة والشيعة، وهما الطائفتان الأكبر في العراق.

ويلاحظ المرء أجواء العيد من خلال المناطق والأحياء، حيث إن الأحياء أو المناطق ذات الأغلبية الشيعية لا تتضح فيها مظاهر العيد، بينما يبدو الأمر مختلفا في المناطق ذات الكثافة السنية. وإذا كان هذا الأمر ينطبق على مدينة مختلطة مثل بغداد، فإن الأمر يكاد يكون واضحا تماما في المحافظات الأخرى. ففي المحافظات الغربية من العراق بدت مظاهر العيد واضحة أمس، بدءا من صلاة العيد في المساجد، بينما المحافظات الجنوبية كانت هادئة تماما. المتنزهات والأسواق تشهد حركة غير اعتيادية في اليوم الأول للعيد على أن يكون الزخم على أشده بدءا من اليوم الثاني.

أمر جديد طرأ على العراقيين خلال السنوات القليلة الماضية وهو «رسائل الجوال» التي بات لها دلالات خاصة في العيد؛ فقد يفاجأ مواطن بسيط برسالة تصله على هاتفه الجوال وهي تتغزل به من نائب في البرلمان أو سياسي كبير، حتى لو كانت على الطريقة التالية: «بكل زخة مطر.. بكل رشة عطر.. أهنيك قبل ما تنشغل الخطوط.. والشبكة تصبح أخطبوط.. طوط طوط»، في إشارة إلى الصعوبات التي تحيط بشبكات الهاتف الجوال في العراق.

وفي كردستان، في أول أيام عيد الفطر، أمس، لم تكن هناك أي مظاهر تختلف عن بقية صباحات السنة، فقد العيد بريقه وجماله السابق، ففيما عدا رؤية الأطفال بملابسهم الجديدة المتميزة لا تشعر بأن اليوم كان عيدا، وفي ما عدا توجه الأطفال إلى الملاعب المغلقة التي أنشئت في السنوات الأخيرة بمدن كردستان، ليست هناك ساحات مميزة بالعيد.. بل كان معظم الأطفال ملازمين بيوتهم في أغلب الأحيان يلعبون بـ«البلاي ستيشن» أو يتفرجون على أفلام الحركة التي باتوا يشترونها من الدكاكين، بانتظار حلول المساء ليخرجوا مع عوائلهم إلى مدن الألعاب المنتشرة في المدينة مثل: «فاميلي فان»، و«راين مول»، و«بارك شاندر»، و«المنارة»، و«بارك المدينة الكبير».

ويتحدث شيت عبد الرزاق، وهو رجل خمسيني، عن أجواء العيد أيام كان طفلا ويقارنها بما هي عليه اليوم، ويتحسر على ذلك الزمن الجميل بقوله: «كان العيد مناسبة استثنائية بكل معاني الكلمة، كنا نحن الأطفال ننتظر حلوله بفارغ الصبر، ونتهيأ له بشراء الملابس الجديدة ابتداء من الحذاء والجوارب وحتى رابطات العنق أو القبعات، وكانت ساحة المدينة هي المكان الوحيد الذي تجد فيه جميع أطفال المدينة بأحيائها المتفرقة، اليوم توسعت المدينة وأحياؤها، وأصبحت تبتلع كل سنة العديد من القرى المجاورة لها، وتحولها إلى أحياء للمدينة، وزاد عدد سكانها قياسا بزمننا الذي لم يكن يتجاوز، في اعتقادي، ثلاثمائة ألف، واليوم هناك أكثر من مليون ونصف المليون هم سكان المحافظة، أغلبهم يسكنون المدينة تاركين قراهم ونواحيهم، أنا لست ضد التقدم العمراني، ولكني أحن لتلك الأيام الحلوة التي كنا نقضيها في الأعياد، وخصوصا في ساحة العيد بالمدينة، واليوم توزعت مدن الألعاب على الصالات المغلقة فقط وهي لا تتسع لاستيعاب فرحة الأطفال بالعيد».

ويشاركه الرأي رزكار محمد، وهو أيضا رجل في الخمسينات من عمره، ويقول: «ليس هناك أي طعم للعب الأطفال في الصالات المغلقة، فهم يزورونها بشكل يكاد يكون يوميا، وبذلك فلا يختلف العيد عن باقي أيامهم، في حين أننا في ذلك الزمن لم نكن نجد مثل هذه الصالات، وكان العيد هو المناسبة الوحيدة للاحتفال واللعب البريء بساحة المدينة، ففي زمننا لم تكن هناك فرصة للعب مثل اليوم، باستثناء أيام العيد، وهذا ما كان يميز العيد عن بقية الأيام».

ويتذكر طه كريم أجواء العيد في ذلك الزمن الذي كما يقول ما زالت مشاهدها عالقة بذهنه، ويقول: «كنا نحن الأطفال نركب العربات التي تجرها الحمير في نزهات حول المدينة التي لم تكن تتجاوز حدود شارعين، حتى يعيدنا صاحب العربة إلى ساحة اللعب، وصدقني اليوم أمتلك السيارة وأصبحت لدي فرصة للسفر بالطائرة إلى معظم دول العالم، ولكن ما زلت أحن إلى ركوب تلك العربة المهترئة التي تجرها الحمير، وأتذكر تلك الأحبال الملونة التي كان يصبغها صاحب العربة بمناسبة العيد والأجراس التي كان يعلقها على رقبة الحمار».

حرارة الجو في هذه الأيام وملل الأطفال من تكرار ذهابهم إلى نفس الملاعب المغلقة وصالات اللعب ذاتها، دفع بالعديد من الأطفال إلى عدم الخروج من بيوتهم، اللهم إلا للتجمع مع أطفال الجيران، والجميع ينتظرون حلول المساء لكي يخرجوا إلى الملاعب الكبيرة المنتشرة في المدينة، فالعيد كحال غيره من المناسبات قد اختلفت مراسمه، وبدلا من صباحاته الجميلة والمميزة، أصبح اليوم يبتدئ عندما يأتي المساء.