دعوات متزايدة لمنع مشاهد التدخين في الأفلام والأعمال التلفزيونية

العديد من الممارسات والسلوكيات الإنسانية يتم تعلمها واكتسابها عن طريق التقليد والمحاكاة

نجمة هوليوود مارلين ديدريتش
TT

التدخين من الظواهر والقضايا العالمية بالغة الخطورة على الفرد والمجتمع والبيئة. ورغم تحذيرات منظمات وهيئات الصحة العالمية والعديد من الدراسات والبحوث من مخاطر وآثار التدخين الحالية والمتزايدة، فإنه ما زال هناك تزايد مستمر في أعداد المدخنين، فوفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، بعنوان «وباء التبغ العالمي: تحذير من أخطار التبغ»، والصادر في يوليو (تموز) الماضي، وهو التقرير الثالث من سلسلة تقارير المنظمة عن حالة تنفيذ سياسات مكافحة التبغ في العالم حتى نهاية العام الماضي، والذي جاء فيه أن التبغ سيقتل ما يقرب من 6 ملايين شخص هذا العام، منهم 600 ألف من غير المدخنين، وبحلول عام 2030 يمكن أن يصل عدد الوفيات سنويا إلى 8 ملايين، وحذرت المنظمة من أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية فقد يتسبب التبغ في الوصول إلى مليار حالة وفاة في القرن الحالي، وهي زيادة هائلة من 100 مليون حالة وفاة في القرن الماضي، وذلك لأن الحكومات لا تفعل ما يكفي لإقناع الأفراد بالإقلاع عن التدخين أو حماية الآخرين من دخان التبغ غير المباشر، وغالبا ما يكون هناك تأخير بين وقت بدء الأفراد في التدخين ووقت تأثيره على الصحة، وقد بدأت في الظهور الأمراض الوبائية والوفيات المرتبطة بالتبغ.

وتعد وسائل الإعلام والسينما من بين المؤسسات المهمة في انتشار التدخين، بين فئات الأطفال والمراهقين والشباب، فقد أشارت العديد من الدراسات والبحوث إلى أن لإعلانات السجائر في وسائل الإعلام ومشاهد التدخين في الأفلام والمسلسلات والأعمال التلفزيونية، تأثيرا سلبيا على الأطفال والمراهقين، حيث تشجعهم وتدفعهم لممارسة التدخين، من خلال محاكاتهم وتقليدهم لهذه المشاهد، خاصة إذا كانت من نجومهم المفضلين.

وعلى الرغم من توصية اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005، والتي تخص مشاهد التدخين في الأفلام، وذلك بأن تخضع لمعايير تصنيف المحتوى للكبار أي تصنيف الأفلام التي تضم مشاهد تدخين بوضعها في خانة «للكبار فقط»، فإن عددا قليلا جدا من الحكومات قد التزم بهذه التوصية.

ويدور الجدل حول ما إذا كان عرض مشاهد للتدخين في الأفلام، من الأسباب القوية التي تدفع بالشباب إلى تجريب التدخين، والذي قد يتطور إلى أن يصبحوا مدخنين. ففي دراسة حديثة، نشرت بالمجلة الطبية «بلوس ميديسن» (PloS Medicine)، خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، يقول كريستوفر ميليت، وزملاؤه من كلية إمبريال في جامعة لندن، إن السبب الأساسي في دعم توصية تصنيف الأفلام، هو خلق حافز اقتصادي للمنتجين بإزالة مشاهد التدخين من الأفلام التي يتم تسويقها بغرض استهداف الشباب، ومما يزيد المشكلة تعقيدا كما يقول الباحثون في هذه الدراسة، أن العديد من الحكومات تدعم صناعة السينما الأميركية بإعانات سخية لإنتاج أفلام شبابية، والتي تحتوي على مشاهد للتدخين، وبهذا فإنها تدعم وبشكل غير مباشر التدخين لدى الشباب. وخلص الباحثون في هذه الدراسة إلى أنه، ينبغي على الحكومات التأكد من أن برامج دعم الأفلام يجب أن تكون منسجمة مع أهداف الصحة العامة، وذلك عن طريق منع الأفلام التي بها مشاهد لتدخين التبغ من الحصول على إعانات عامة.

يذكر أن دراسة أميركية، نشرت في مجلة «نيروساينس» في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، قد أشارت إلى أن مشاهدة شخص ما، يقوم بالتدخين في أحد الأفلام، تعمل على تنشيط الخلايا التي تتحكم في الرغبة بالتدخين لدى الأشخاص المدخنين، وقال الباحث ديلان واغنر، أحد المشاركين في الدراسة، بقسم العلوم النفسية والمخ بكلية دارتموث الأميركية، في تفسيره لهذا السلوك: «إن هذا يمثل أحد العوامل المحتملة التي قد تدفع الشخص للانخراط في التدخين أو التوقف عنه». وقد اعتمدت نتائج هذه الدراسة على تجربة قام بها الباحثون بمشاركة 34 شخصا، نصفهم من المدخنين والنصف الآخر من غير المدخنين، حيث عرضوا عليهم مشاهد من الفيلم الأميركي «رجال عود الثقاب» (Matchstick Men) للمخرج البريطاني ريدلي سكوت لعام 2003، والذي يقوم فيه أبطاله بالتدخين في العديد من المشاهد، وخضع هؤلاء الأفراد لمسح بأجهزة الرنين المغناطيسي لوظائف المخ (fMRI)، لمعرفة أي أجزاء تنشط في المخ بشكل أكبر أثناء مشاهدة أشخاص يقومون بالتدخين على الشاشة. ورغم أن الدراسة أشارت إلى صغر عدد المشاركين في التجربة، فإنها أكدت أن هذا العدد كان ذا مغزى في دراسة مسح المخ لمعرفة ما يدور في أذهان هؤلاء الأشخاص أثناء مشاهدتهم للفيلم، وقد أظهرت نتائج التجربة أن هناك علاقة بين السلوك والنظام المكافئ للمخ، كما كشفت أيضا أن مناطق المخ التي تتحكم في التخطيط والمراقبة وإصدار الأوامر لحركات اليدين لها دور في هذه الممارسات.

وقد أشار علماء النفس إلى أنه وفقا لنظرية التعلم الاجتماعي (التعلم بالملاحظة)، يتم تعلم أنماط كثيرة من السلوك من خلال ملاحظة ومحاكاة وتقليد نماذج سلوكية للآخرين، فالبيئة الخارجية تقدم للفرد نماذج ومظاهر كثيرة من السلوكيات والممارسات التي يقوم الفرد بتقليدها ومحاكاتها، فوفق هذه النظرية، يمكن إرجاع ممارسة عادة التدخين، لعنصر المحاكاة وتقليد النماذج الاجتماعية المؤثرة، وبخاصة في حالة غياب النماذج السوية، فعندما لا يجد الفرد وبخاصة النشء، سوى النماذج الاجتماعية غير السوية، فإنه يقوم بتقليدها من خلال تبنيه للأنماط السلوكية المنحرفة لهذه النماذج، فالتدخين يمكن اعتباره نمطا سلوكيا متعلما، يكون مصحوبا بعوامل اجتماعية وشخصية سابقة ولاحقة، تعمل كمعززات أو مدعمات، وتشمل العوامل الاجتماعية، ضغوط جماعة الرفاق أو شعور المراهق بالدخول في مرحلة الرجولة، أو عوامل شخصية مثل تأثيرات النيكوتين الإدمانية.

وحثت منظمة الصحة العالمية في تقريرها عن وباء التبغ العالمي، المزيد من الحكومات للتوقيع على معاهدة مكافحة التبغ، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2005 ووقعت عليها حتى الآن 172 دولة، مع إلزام الدول بتطبيق هذه المعاهدة من خلال اتخاذ خطوات لخفض معدلات التدخين والحد من التدخين السلبي والحد من الإعلانات عن التبغ والترويج له.

ويعد اشتراط وجود التحذيرات الصحية المصورة على علب التبغ أحد التدابير الستة التي أوصت بها المنظمة لخفض الطلب على التدخين، أما التدابير الخمسة الأخرى، فتتضمن: رصد تعاطي التبغ، وحماية الأفراد من دخان التبغ، ومساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين، وزيادة الضرائب على التبغ، وتنفيذ الحظر على الإعلان عن التبغ وعلى ترويجه وعلى رعايته للأنشطة الرياضية والترفيهية.

وقد تطرق تقرير منظمة الصحة العالمية عن وباء التبغ العالمي، إلى تفاصيل الاستراتيجيتين الأساسيتين الخاصتين بالتحذيرات، وهما، سياسة وضع التحذيرات على عبوات منتجات التبغ، وسياسة شن الحملات الإعلامية لمناهضة تعاطي التبغ. وأشار التقرير إلى أنه في الوقت الراهن، هناك أكثر من مليار شخص في 19 دولة يتمتعون بقوانين تشترط وجود التحذيرات الصحية المصورة على علب التبغ، وهو عدد يكاد يعادل ضعف ما كان عليه قبل سنتين، حينما لم يكن يتجاوز 547 مليون شخص في 16 دولة، كما أن هناك 1.9 مليار شخص في 23 دولة، قد نفذت بلدانهم حملة أو أكثر من الحملات الإعلامية لمكافحة التبغ خلال العامين الماضيين.

وقال دوغلاس بيتشر، مدير «مبادرة التحرر من التبغ» في منظمة الصحة العالمية، «إن التحذيرات الصحية المصورة، من الوسائل الفعالة في خفض قبول الأفراد للتبغ».

ويذكر أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية، قد أعلنت خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، عن 9 تحذيرات جديدة للمدخنين، مصحوبة بصور بشعة ومقززة، تظهر الآثار الضارة للتدخين، والتي يتعين أن توضع على علب السجائر وفي إعلاناتها اعتبارا من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012. وقد تضمنت صور التحذيرات، جثة، ورئة مريضة، وشخصا موضوعا على جهاز للتنفس الصناعي، بالإضافة إلى عبارات تحذيرية، مثل: التدخين إدمان، والتدخين يقتلك، وتدخين السجائر يمكن أن يلحق الضرر بأطفالك، والتدخين يسبب السرطان، والتدخين يتسبب بمرض الرئة القاتل، والتدخين يسبب الذبحة الصدرية وأمراض القلب، والتدخين أثناء الحمل يلحق الأذى بالجنين، والتدخين يسبب أمراض الرئة لغير المدخنين، والإقلاع عن التدخين الآن يقلل الأخطار الصحية التي قد تصيبك. وسوف تكون هذه التحذيرات على الجزء الأعلى من علب السجائر، وعلى الجهتين الأمامية والخلفية منها، بحيث تغطي 50 في المائة من العلبة، وسوف تغطي التحذيرات أيضا مساحة 20 في المائة من إعلانات السجائر التي تنشرها شركات التدخين.

وقالت مجموعة «حملة أطفال من دون تبغ»، التي تحارب التدخين، إن هذه الصور التحذيرية تمثل تغييرا جذريا في التحذيرات من التدخين، بالمقارنة بالتحذيرات الحالية.