مهرجان في معهد ثقافات الإسلام تحت شعار «الدين والمدينة»

دعت له بلدية باريس مسلمي حي «لاغوت دور» الشعبي لإحياء ذكرى 11 سبتمبر

لوحة للمصورة ياسمينة بوزيان
TT

إنه مركز ثقافي «علماني»، رغم أنه يحمل اسم «معهد ثقافات الإسلام»، ويقع بين مسجد الفتح ومسجد خالد بن الوليد، في أحد أكثر أحياء باريس سخونة. وهو مؤسسة تتبع بلدية العاصمة، رأت النور قبل ست سنوات، وكان لا بد من مخيلة جامحة لكي يتم زرع هذا المعهد في قلب حي «لاغوت دور»، البوتقة التي يتعايش فيها عرب وأفارقة ويهود مغاربة وفرنسيون من أصحاب الدخل المحدود. إن اسم الحي المأخوذ من أبرز شارع فيه يعني بالعربية «نقطة الذهب». لكن الواقع غير ذلك لأن الفقر يقفز أمام أعين المتجولين على أرصفته الضيقة التي تصطف على جوانبها مبان أكل الدهر عليها وشرب ومقاه بائسة ومحلات بقالة تستورد كل ما يمكن للعالم الثالث أن يصدره، من الباميا المجمدة وحتى أقمشة الساري الهندي.

واعتبارا من هذا الأسبوع وحتى أواخر الشهر، يقيم معهد ثقافات الإسلام مهرجانه السنوي السادس. ومن الواضح أن القائمين عليه يجتهدون لكي يجتذبوا جمهورا لم يتعود ارتياد المسارح ومعارض الفنون التشكيلية ولا صالات السينما. وللوهلة الأولى، تبدو عناوين الفعاليات المدرجة في منهاج المهرجان مثيرة للفضول، بل أكثر من ذلك أنها تقارب الاستفزاز، فشعار «الدين والمدينة» يذكر بعنوان مسلسل تلفزيوني أميركي شهير وجريء. لكن الحديث مع فيرونيك ريفيل، مديرة المعهد، يضعنا أمام امرأة شابة تدرك مسؤوليتها وتحاول مع فريق العاملين معها، النأي، قدر الإمكان، عن الإثارة المجانية، وتقول إنها «ضد الاستفزاز الساذج والغبي». ومن الواضح أنها مع تطبيق سياسة ثقافية تتصالح مع المحيط الاجتماعي من دون أن تستسلم له. وريفيل هي مؤلفة كتاب بالفرنسية عن الرعب، أو الهوس الذي أصاب العالم بالإسلام بعد مشهد تفجير برجي نيويورك، وتأثير ذلك على المسلمين في أميركا وفي العالم.

هذا العام، ومع حلول الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، وجدت إدارة المعهد أن من المفيد استذكار تلك التفجيرات المأساوية والاقتراب من مسلمي الولايات المتحدة لتعريف مسلمي «لاغوت دور» وباقي سكان الحي والعاصمة على آثار ذلك الحدث عليهم. لذلك فإن منهاج المهرجان يتضمن فعالية بعنوان «المسلمون في هوليوود»، والمقصود بها كيف انحدرت السينما، أو الخيال الجمعي الأميركي، نحو غواية تقديم نماذج «العرب الأشرار». كما يتضمن حفلات رقص وغناء وأداء تمثيليا يسخر من الصورة النمطية والمشوهة للثقافة الإسلامية، بالإضافة إلى ندوات للتعريف بحركة «أمة الإسلام» ونضال المسلمين السود في أميركا للحصول على حقوقهم المدنية.

هل المعهد هو ركيزة جديدة لدعم مفهوم «الإسلام الفرنسي» الذي تتبناه أوساط سياسية محلية وتنفر منه الجاليات المتحدرة من الهجرة، ممن أنجبت بنين وبنات على هذه الأرض وصاروا فرنسيين، سواء بالجنسية أو بالتربية والتأثر بالمحيط؟ إن فيرونيك ريفيل ترى أن معهد ثقافات الإسلام هو مركز ثقافي علماني، وهو عندما يتناول الدين في نشاطاته المختلفة فإن ذلك يتم من خلال تجلياته الفنية والإبداعية، وباعتبار أن الإسلام عقيدة شخصية ذات انعكاسات ثقافية. وتبعا لذلك، فإن المعهد يراعي الحساسيات الدينية ويستبعد ما يمكن أن يجرح الإيمان الخاص. وعلى سبيل المثال، هناك معرض فوتوغرافي للفنانة المغربية مجيدة خطاري، سبق لها وأن حققت صورا تتناول الأزياء وما ترمز إليه في المجتمعات العربية، من بينها لقطات قد تكون مثيرة لنساء بالبرقع والملاءة. لكن إدارة المعهد انتقت من أعمال خطاري تجهيزا تشكيليا رائعا بعنوان «صلاة الغائب»، يتألف من أحجار بيضاوية تشبه الأقنعة وتحمل كتابات وملامح عربية ونصوصا لصلوات من الأديان التوحيدية الثلاثة.

من معارض التصوير، أيضا، يستضيف المهرجان لقطات وأفلاما لياسمينة بوزيان، وهي مصورة ومنتجة كان من المقرر أن تقدم معرضا في أميركا، عام 2001، لكن المعرض ألغي بسبب أحداث نيويورك. وها هي ياسمينة تقدم أعمالها في باريس، للمرة الأولى. ومن بينها لقطة تكاد ترقى إلى مستوى اللوحات المرسومة لسيدة جزائرية ترتدي الملحفة وتتربع وراء كاميرا للتصوير.

وتحت عنوان «أصوات من 11 سبتمبر» يقدم المهرجان سهرة موسيقية للإيراني عباس بختياري، تدور حول شهادات لأناس عاشوا الحدث. وهناك عرض آخر يتناول، من خلال الابتسامة، ثلاثة أساليب متبعة للحديث عن الإسلام في الولايات المتحدة الأميركية. كما يقدم حسن سلام عرضا موسيقيا يسخر فيه ممن يربطون بين موسيقى «الراب» التي تهواها الشبيبة المسلمة وبين العنف. كما يعرض المهرجان حلقتين من مسلسل تلفزيوني أميركي يتولى بطولته ممثلون مسلمون. وبعد هوليوود والتسمية الهندية المشتقة منها بوليوود، يطلع علينا مهرجان باريس بمصطلح «ياللاوود»، وهو مقهى ثقافي تحت خيمة منصوبة في باحة معهد ثقافات الإسلام، تتصدرها عبارة بالخط المغربي: «لا غالب إلا الله».

خلال شهر رمضان الماضي، استقبل المعهد شخصيات إسلامية وأئمة من المساجد القريبة في الحي الذي تقطنه جالية إسلامية واسعة، وكان الحوار معهم وتبادل الأفكار مفيدا، حسبما قالت المديرة. كما تولى العاملون في المعهد تقديم وجبات إفطار للعائلات، حيث كانت الأمهات تأتين، مع العصر، لتسلم حصصهن من الشوربة والفاكهة المجهزة في علب خاصة، ونقلها إلى بيتهن لأن موعد الإفطار كان يتأخر إلى ما بعد التاسعة والنصف ليلا، حسب الموعد الصيفي لغياب الشمس في أوروبا الغربية.