سوق السروجية.. عمرها أكثر من 700 عام

تخصصت في بيع مستلزمات الخيول والخيالة والفروسية

سوق السروجية التي تأسست في العصر الأيوبي ويزيد عمرها على السبعمائة عام
TT

أسست في العصر الأيوبي لتؤمن مستلزمات خيول صلاح الدين الأيوبي في معاركه. وعلى الرغم من أن معظم أسواق دمشق القديمة ولضرورات التطور التجاري والاقتصادي والاستهلاكي، غيرت من صفتها وتخصصها الذي اشتهرت به عبر مئات السنين منذ تأسيسها، في حين ظلت على تسمياتها الأولى، فإن سوقا واحدة ما زال الكثير من حوانيتها تصر على الاستمرار في تخصصها، رغم انخفاض عدد المستهلكين لمنتجاتها، وهي سوق السروجية. السبب كما يبرر هؤلاء أنهم يبيعون منتجات لها علاقة بالتراث وليس تراث دمشق وحدها فقط، بل بتراث الريف والبادية كما أن لها علاقة بالرجولة والشهامة، وقد يكون الحق معهم في المحافظة على هذه المنتجات فهي تذكرهم بتاريخ الآباء والأجداد وتشكل ذاكرة للمجتمع السوري في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

فسوق السروجية التي يعتقد أنها تأسست في العصر الأيوبي، حيث يزيد عمرها على السبعمائة عام، تخصصت في بيع مستلزمات الخيول والخيالة والفروسية من سروج الخيل والخيم ومرابط الخيول والأحزمة الجلدية والجعب وغير ذلك، يؤكد الكثير من تجار السوق أنها كانت السوق الأقدم في سلسلة أسواق دمشق، وحتى أنها أقدم من سوق الحميدية الشهيرة. ويدللون على ذلك بأنها أقيمت ملاصقة لقلعة دمشق التي كانت مقرا لحكم صلاح الدين الأيوبي، وكانت السوق تشكل مربط خيول القلعة وتؤمن مستلزمات خيول صلاح الدين في حربه ضد الصليبيين.

كذلك اشتهرت السوق في العصر العثماني، حيث كان يرتادها الجندي التركي مع حصانه، حيث يلبس الجعبة وبيت البارودة والمسدس ويلبس حصانه ويخرج فيما بعد لممارسة عمله، حيث كانت السوق تؤمن كل مستلزماته الشخصية ومستلزمات حصانه، كما يدللون على أولويته في أن السروجية أول سوق قديمة تصادف العابرين والمتسوقين قبل أن يصلوا للأسواق الأخرى كالحميدية ومدحت باشا وغيرهما.

وكعادة تجار دمشق المعروفين بمهارتهم في التقاط الجديد في تجاراتهم والتأقلم مع تغيرات النمط الاستهلاكي، فإن الكثير من أصحاب محلات سوق السروجية سارعوا في الخمسين سنة الماضية إلى التأقلم مع متغيرات السوق بما يتماشى مع نمط تجارة الآباء والأجداد، فباتوا يبيعون الشوادر والخيم وحبال النايلون والخيوط الصناعية، والتي تستورد من الصين والهند وأوروبا، كما انتشرت في السوق ورش خياطة وتركيب الخيم ومظلات حماية المحلات والشرفات من أشعة الشمس والمطر، والتي يقوم حرفيون بخياطتها بشكل يدوي في السوق، حيث يشاهدهم المتجول وهم أمام ماكينات الخياطة يحيكون ويوصلون أقسام الشادر والخيمة والمظلة والستائر بإتقان ومهارة.

وسوق السروجية التي ما زالت محافظة على تخصصها التجاري وما زالت أيضا تحافظ على نمطها المعماري الأثري، حيث تظهر الأقواس العربية والزخارف واضحة على واجهات دكاكينها ومنشآتها التاريخية التي توجد في السوق، ومنها الجامع الذي يأخذ اسم السوق نفسها ويتميز بنمط معماري جميل من خلال غرفه العلوية وأقواسه الحجرية، وهناك جامع آخر يدعى حسن البصري، والمسجدان بنيا مع إطلاق السوق قبل 700 عام.

يوضح لـ«الشرق الأوسط» أبو هيثم المعاني (55 عاما) أحد أصحاب المحلات في السوق، والذي ورثه عن أسرته أن سوق السروجية كانت أكبر وأطول مما هي عليه حاليا، حيث تم إلحاق بعض أقسامها بأسواق أخرى أنشئت في فترات لاحقة في حين يبلغ طول السوق حاليا نحو 500 مترا ويضم 130 محلا تتخصص بعضها بالمصنوعات الجلدية كتصنيع وبيع بيوتات المسدسات والحقائب وغيرها، بينما لا يزال أكثر من 70 دكانا، كما يؤكد أبو هيثم، يحافظ أصحابها على مهنة الأجداد التراثية في بيع مستلزمات الخيل.

ولكن كيف كانت حال السوق قبل عشرات السنين؟ يجيب أبو هيثم الذي كان يأتي مع والده إلى دكانهم بسوق السروجية وهو في عمر سبع سنوات وما زالت ذاكرته مليئة بمشاهد وأحداث وحياة السوق منذ تشكلت ذاكرته وباتت تحتفظ بما يحيط بها، يتنهد أبو هيثم وهو يشرح حال السوق قائلا: «انظر إلى أرض السوق هل تعرف أنها كانت وكما هي حال كل أسواق وحارات دمشق القديمة مرصوفة بالحجر التراثي، ولكن وقبل سنوات بعيدة قامت الجهات المعنية بمد طبقة إسفلتية في السوق ولو أزيلت حاليا سيظهر الحجر بشكل واضح». ولذلك يطالب أبو هيثم معه زملائه من تجار السوق مكتب لجنة حماية دمشق القديمة بتنفيذ مشروع ترميم لسوق السروجية، كما حصل في الحميدية ومدحت باشا والبزروية وإعادتها لما كانت عليه سابقا من أرض مرصوفة بحجارة اللبون السوداء وإظهار الأقواس الحجرية لكل دكان وإعادة الأبواب الخشبية. ويؤكد أبو هيثم أنه وزملاءه مستعدون لترميم دكاكينهم وإظهارها كما كانت سابقا حتى تبهر نظر الزائر والسائح العربي والغربي الذي يؤم السوق ليس لشراء ما يعرض فيها، بل للتمتع بالجوانب التاريخية والتراثية فيها والسير تحت سقفها المعدني الهرمي.

ويرى عماد قصيباتي (أبو مجد)، وهو يمتلك دكانا وسط السوق، أن سوقهم من أولها وحتى آخرها مجبولة بالتراث حتى أنه يعرض في دكانه صورة لسوق السروجية كما كانت قبل 450 سنة ولذلك ليس غريبا أن تستقطب السوق السياح والزوار للفرجة فقط وليس للتسوق، كونها متخصصة بزبائن محددين يأتون من البادية والريف ومن حارات دمشق الشعبية، حيث ما زال لديهم خيول أو يحتاجون لخيم وشوادر، كما تستقطب السوق منتجي المسلسلات التلفزيونية التاريخية والبيئة الشامية.