حجرة الدراسة المستقبلية لم تؤد إلى تحسن درجات الطلاب الأميركيين

التكنولوجيا ساعدت الطلبة على النمو.. لكن لا توجد طريقة مناسبة لقياس الإنجازات

تلاميذ يستخدمون ما يعرف بالسبورة البيضاء التفاعلية في منطقة كايرين التعليمية في ولاية أريزونا (نيويورك تايمز)
TT

تتجول آمي فورمان، معلمة اللغة الإنجليزية للصف السابع، بين 31 طالبا منهم الجالسون على مكاتب أو على الأرض. إنهم يدرسون مسرحية «كما تشاء» لشكسبير لكن ليس بأي طريقة تقليدية معروفة.

ينكب الطلبة في الحجرة الدراسية القائمة على التكنولوجيا على أجهزة الكومبيوتر المحمول، حيث يقوم أحدهم بالكتابة على مدونة أو ينشأ صفحات على موقع «فيسبوك» من وجهة نظر شخصيات شكسبير. ويجمع أحد الطلاب قائمة بأغان من الإنترنت ويبحث عن نغمة من بين أعمال كاني ويست تعبر عن مشاعر سيلفيوس المتيمة.

يقدم طلبة هذا الفصل ومنطقة «كايرين» التعليمية كل ما يراه البعض بأنه رؤية مثالية لمستقبل التعليم. تعجّ الحجرات الدراسية بالطلبة وشاشات تفاعلية ضخمة وبرنامج يدرب الطلبة على كل موضوع أساسي. واستثمرت المنطقة التعليمية 33 مليون دولار في هذه الوسائل التكنولوجية في إطار مبادرة تمت الموافقة عليها عام 2005. تهدف هذه الدفعة الرقمية إلى ما هو أبعد من الوسائل الذكية من أجل إحداث تحول في طبيعة الحجرة الدراسية وجعل المعلم مرشدا أكثر منه محاضرا يتجول بين التلاميذ الذين يتعلمون بطريقتهم على الأجهزة المتصلة بشبكة الإنترنت. وتقول آمي فورمان عن الحجرة الدراسية في القرن الحادي والعشرين: «إنها حجرة دراسية تتسم بالنشاط والحيوية. أتمنى حقا أن تؤتي ثمارها». إن الأمل والحماس يزدادان، لكن لا ينطبق هذا على درجات الاختبار.

وانخفضت درجات الطلبة في مواد القراءة والرياضيات منذ عام 2005 في منطقة كايرين، في الوقت الذي ارتفعت فيه في الأنحاء الأخرى من البلاد. بالطبع يمكن أن ترتفع درجات الاختبارات أو تنخفض لعدة أسباب، لكن باختصار تنفق المدارس الأميركية مليارات الدولارات على التكنولوجيا حتى في ظل العمل على خفض الميزانية وتسريح المعلمين دون أن يكون لديها دليل على تطوير هذا النهج للعملية التعليمية.

تثير هذه المعضلة التساؤل حول واحدة من أهم الحركات التعليمية المعاصرة. يقول مؤيدو إتاحة التطوير التكنولوجي في المدارس، ومنهم معلمون أكفاء وكبار شخصيات سيليكون فالي وموظفو البيت الأبيض، إن الوسائل التعليمية الرقمية تتيح للطلبة التعلم بحسب قدراتهم الاستيعابية وتعلم المهارات اللازمة التي يحتاجها الاقتصاد العصري وجذب انتباه جيل نشأ على الأدوات التكنولوجية.

يقول بعض مؤيدي هذه الفكرة إن الاختبارات المعيارية، التي تعد من أكثر الطرق شيوعا لقياس مستوى أداء الطلبة، لا يمكنها قياس المهارات التي يساعد الكومبيوتر في تطويرها. لكنهم أقروا بعدم وجود طريقة أخرى حتى هذه اللحظة لقياس الفائدة التعليمية للاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا.

يقول توم فاندر أرك، المحرر التنفيذي السابق للتعليم في مؤسسة «بيل أند ميليندا غيتس» والمستثمر في الشركات التي تعلم في مجال تكنولوجيا التعليم: «إن هناك نقصا شديدا في البيانات. نشعر بتحد عندما نتعرض لضغوط من أجل تقديم معلومات مقنعة». ويوضح أنه عندما يتعلق الأمر بالنتائج «إما أن نقدم دليلا أو نصمت».

لكنه قال في ذات الوقت إن هناك تغييرا تاريخيا على وشك الحدوث في الحجرات الدراسية خلال العقد الحالي، في الولايات المتحدة. وأضاف: «إنه واحد من أربعة أحداث هامة في العالم اليوم».

ويقول المنتقدون إن المدارس، في ظل غياب الدليل الواضح، يدفعها اعتقاد أعمى في التكنولوجيا ومبالغة في التأكيد على المهارات التكنولوجية مثل استخدام برنامج «باور بوينت» والوسائط المتعددة على حساب القواعد الأساسية في الرياضيات والقراءة والكتابة. ويقولون إن مؤيدي التكنولوجيا يسيرون بالعكس عندما يضغطون باتجاه التطوير أولا ثم طرح الأسئلة لاحقا. ويأتي الدفع باتجاه الإنفاق مع مواجهة المدارس خيارات مالية صعبة. ففي منطقة كايرين التعليمية على سبيل المثال حتى في ظل زيادة الإنفاق على التكنولوجيا، تقلصت البنود الأخرى في الميزانية مما أدى إلى زيادة حصص المواد الأساسية وقلة عدد حصص الموسيقى والفن والتربية الرياضية.

في الوقت ذاته، جعل اهتمام المنطقة بالتكنولوجيا منها موضعا للمدح والثناء، فقد قدمها اتحاد مجالس إدارات المدارس القومي كنموذج ناجح، حيث نظم عام 2008 زيارة قام بها 100 متخصص في مجال التعليم من 17 ولاية أميركية لرؤية التجديد في تلك المنطقة.

وقد وضعت المنطقة مستقبلها وسمعتها على التكنولوجيا، حيث تستخدم المنطقة، التي يبلغ عدد الطلبة بها من صف الروضة إلى الثامن 18 ألفا وأكثرهم من تيمب وفينكس وتشاندلر، حجرات دراسية تقوم على الكومبيوتر كطريقة لجذب الأطفال من أنحاء المنطقة في ظل تناقص عدد الطلبة من المنطقة. ويعني عدد طلبة أكبر المزيد من ضخ الدولارات للمنطقة. وسوف تصل قضية الاستثمار التكنولوجي إلى نقطة حرجة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتعتزم المنطقة العودة إلى الناخبين المحليين من أجل الموافقة على إضافة ضرائب قدرها 46,3 مليون دولار على مدى السبع سنوات القادمة للاستمرار في الاستثمار في التكنولوجيا. ويمثل هذا المبلغ نحو 3,5 في المائة من الإنفاق السنوي للمنطقة، أي أكبر من حجم الإنفاق على الكتب المدرسية بخمسة أمثال.

ويرى مسؤولو المنطقة أن التكنولوجيا شجعت الطلبة وساعدتهم على النمو، لكن لا يوجد طريقة مناسبة لقياس هذه الإنجازات مما يضعهم في موقف صعب أمام الناخبين المطالبين بتحديد ما إذا كانوا سيمولون هذا التوجه ثانية أم لا. ويقول ديفيد شاور، المشرف هنا: «حدسي يخبرني أننا حققنا نموا، لكن علينا أن نتوصل إلى مقياس مناسب وهو ما نفتقر إليه حتى هذه اللحظة. لقد تبنينا نهجا رائجا خلال فترات مختلفة دون أن ندرك جيدا ما الذي نقوم به. قد يكون هذا مجرد نهج سائد، لكنني أتمنى ألا يكون كذلك».

المعلمون في مواجهة التكنولوجيا مع اتصال الطلبة هنا بالإنترنت، يقل تواصلهم مع المعلمين. وفي ظل العمل على خفض الميزانية، ازداد عدد الطلبة في الحجرة الدراسية في منطقة كايرين كما حدث في مدارس أخرى، حيث تراوح العدد بين 31 و33 بعد أن كان يتراوح بين 29 و31.

تقول آمي فورمان: «لا يمكن أن تستمر الفاعلية والكفاءة إذا استمر عدد الطلبة في التزايد. يفاجئني عدم اعتراض الآباء على عدد الطلبة في الحجرات الدراسية». يقول المؤيدون للحجرات الدراسية التي تستخدم بها تكنولوجيا متقدمة إنهم لا يعتزمون استبدال المعلمين، لكنهم يحتاجون إلى رؤية تغيير أساسي في دور المعلم. والشعار الذي يقتبسونه كثيرا هو أن على المعلمين أن يمتنعوا عن لعب دور الحكيم الذي يعرف كل شيء ويصبحوا مرشدين. ويشيرون إلى احتمال ألا تؤثر زيادة عدد الطلبة في الحجرة الدراسية، بعيدا عن التكنولوجيا، سلبا على أداء الطلبة. يقول كيوبان، الأستاذ بجامعة ستانفورد إن أداء الطلبة لم يتحسن بشكل ملحوظ إلا عندما انخفض عدد الطلبة في الحجرة الدراسية إلى ما دون الـ15 ولم يزدد سوءا إلا عندما تجاوز عدد الطلبة 30. ويقول في الوقت ذاته إن زيادة عدد الطلبة في الحجرات الدراسية يمكن أن تسبب الإحباط للمعلمين وتزيد من صعوبة جذب الموهوبين والحفاظ عليهم. ويتضح العمل على خفض الميزانية في منطقة كايرين التعليمية في زيادة عدد الطلبة في الحجرات الدراسية، حيث انخفضت ميزانية المنطقة الخاصة بالصيانة والتشغيل إلى 95 مليون دولار خلال العام الحالي بعد أن كانت 106 ملايين دولار عام 2008. لا يمكن للمنطقة أن تستخدم الأموال المخصصة للتكنولوجيا في بنود أخرى. ولم يحصل المعلمون، الذين يجنون ما يتراوح بين 33 ألفا و57 ألفا سنويا، على زيادة في الأجور منذ عام 2008.

ويعمل الكثير من المعلمين في وظائف إضافية فبعضهم يعمل في مطاعم والبعض الآخر في متاجر، على حد قول إيرين كريشوف، رئيس اتحاد معلمي كايرين. يتحدث المعلمون عن ما يشعرون به من إرهاق بسبب عملهم في التدريس ثم بيع الأحذية في مركز تجاري.

وتعمل آمي خلال فصل الصيف في مكاتب المنطقة التعليمية لكايرين، لكن هذه الوظيفة ستلغى في عام 2014 وتشعر بالقلق من انخفاض دخلها. وتقول: «دون هذا الدخل لن نستطيع السفر خلال الإجازة السنوية».

ويتم تقليص الأموال المخصصة لبنود أخرى في المنطقة، حيث يقول الكثير من المعلمين إنهم يحضرون الأدوات التي يستخدمونها معهم مثل الأوراق الملونة الصغيرة. وتقول نيكول كيتس، الرئيسة المشاركة لمجلس الآباء والمعلمين في مدرسة «كايرين دي لا كولينا» الابتدائية: «لدينا ألواح ذكية في كل حجرة دراسية، لكن لا يوجد ما يكفي من المال لشراء ورق الطابعة والأقلام الرصاص ومنظفات اليد. لا يمكن للمرء أن يشتري ملابس جديدة إن كان ليس لديه ما يكفي من أموال لشراء طعامه». لكنها تحب أن يتعلم طفلاها، وأحدهما في الصف الرابع بينما الثاني في الصف الأول، التكنولوجيا ومنها برنامج «باور بوينت» والألعاب التعليمية.

بالنسبة إلى الذين يفضلون الحجرات الدراسية التي يستخدم بها وسائل تكنولوجية متقدمة، يعد ضغط الموارد فرصة. إن التفكير في أن المدارس المتعثرة سوف تبحث عن وسائل فاعلة لإنجاز المهام المناطة بها يدفع إلى إعادة التفكير في العملية التعليمية ككل.

يقول توم وتكينس، المشرف السابق على مدارس ميتشغان الأميركية الذي يعمل حاليا مستشارا لرجال الأعمال في مجال التعليم: «فلنأمل ألا تتحسن الأزمة المالية قريبا، فهي سوف تؤدي إلى تباطؤ الإصلاح». من الواضح أن الدفع باتجاه التكنولوجيا يصب لصالح فئة واحدة هي شركات التكنولوجيا.

* خدمة «نيويورك تايمز»