«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 8

TT

مفكرة

* تحرير سينمائي

* عرض فيلم سوري وفيلم مصري يوم أمس (الجمعة) يدوران حول الثورة التي تتفجّر في سوريا وتلك التي وقعت في مصر. الاستقبال كان جيّدا لكن الإقبال لم يملأ الصالة ذات السبعمائة مقعد أو نحو ذلك.

الفيلم السوري عنوانه «جاذبية الشمس» ومخرجه هو المخرج التجريبي عمّار البيك، أما الفيلم المصري فهو ثلاثة أفلام مجتمعة تحت عنوان «التحرير» ويعرض الثورة من ثلاث وجهات نظر لثلاثة مخرجين: تامر عزت وأتين أمين وعمرو سلامة.

عمّار البيك لا يملك دعما إنتاجيا حتى يصنع فيلما من ساعة ونصف. كذلك فإن النظام ما زال جاثما فوق الصدور بحيث لا يستطيع الاعتماد على معونة أحد أو حتى يصنع فيلمه على نحو واضح ومكشوف. لكنه في نحو ربع ساعة جسّد الفكرة الجيّدة التي استطاع تحقيقها: زوجان وطفل وتلفزيون يعرض ثورة ميدان التحرير. يرتّبان نفسيهما كل بمفرده. الزوج يغسل يديه من الدهان الذي استخدمه للوحة التي سيحملها. تخرج. يخرج. لقطة للبيت من الخارج وأصوات المتظاهرين مرتفعة. قطع لمستشفى والرجل لجانب زوجته المصابة. ثم لمستشفى آخر الزوجة تضع فيه وليدهما. بهذا الخلط هرب قدر المستطاع من تبعات الموقف، فدمج الثورة المصرية بتلك السورية كامتداد واحد، وعاد إلى الطفولة حيث المستقبل المرهون والمنتظر لجيل يعيش أياما أفضل.

أما «التحرير» فيتناول ثلاثة مواقع في أفلامه الثلاثة: المتظاهرون ومطالباتهم، رجال الأمن وشراستهم (عنوان هذا القسم هو «الشرس») ثم حسني مبارك كديكتاتور. وفي حين ينجز الفيلم الأول بانوراما واسعة للمتظاهرين ليست جديدة الصور بقدر ما ملتحمة ومولّفة على نحو جيّد، يتناول الفيلم الثاني الموقف الصعب لرجال الأمن: هم رجال أمن لديهم أوامر اعتادوا على تنفيذها وأمامهم شعب يريد إبدال من أصدر تلك الأوامر، وبذلك هم في الوسط تماما. أحد الذين تحدّثت الكاميرا إليهم يحاول الدفاع عن دوره، لكن ذلك ما يمنح الفيلم «السكوب» الواسع الذي ينشده.

الجزء الثالث هو عن تلك العناصر العشرة التي عمد إليها النظام للحفاظ على نفسه وفي مقدّمتها «صبغة الشعر» ومنها انتشار الاسم والأغاني والحديث عن العدو الوهمي والأمن والقانون وصولا إلى الإنكار. كل شيء مباشر هنا لكنه متوقّع لأن مثل هذا الفيلم يرد في أجندة كل ثورة أو ثورة مضادة. السينما كثيرا ما خدمت نظاما مُعيّنا وحين اختلف خدمت النظام البديل. كذلك هي عادت نظاما وحين تغيّر عادت النظام الجديد أيضا.

هذه الأفلام، ومن قبلها مصرية وتونسية في «كان»، ستبقى محل اهتمام الغربيين لأنهم على علاقة بنا وبالتالي هذا هو اليوم الموعود لمثل هذه الأفلام لكي تتحدّث عما لم تكن تستطيع الحديث فيه قبل ذلك.

ظاهرة مهرجان البندقية الأولى هذا العام: اقتباسات مسرحية ونصوص أدبية وسينما رائعة

* أحداث فيلم «حقول قتل تكساسية» مستوحاة من أحداث واقعية كما تقول المخرجة آمي كانان مان، زوجة منتج الفيلم والمخرج مايكل مان. وبذلك هو واحد من القلّة هذا العام التي تدّعي أن أحداثها لها علاقة بالواقع.

الأكثر ظهورا في أفلام المهرجان الإيطالي هذه السنة هو كم الاقتباسات المسرحية الأدبية التي وجدت طريقها إليه. من فيلم رومان بولانسكي «أشلاء» عن مسرحية ياسمينا ريزا (رضا) إلى فيلم ألكسندر زوخوروف «فوست» عن نص يوهان وولفغانغ غوتيه، ولو بتحوير شديد، مرورا بفيلم آل باتشينو «وايلد سالومي» عن مسرحية أوسكار وايلد وهو في جانب أساسي منه فيلم مسرحي.

في الحقيقة أول ثلاثة أفلام عرضت في المسابقة كانت ذات أصول مسرحية. فيلم جورج كلوني، الذي افتتح المهرجان، وعنوانه «منتصف أشهر مارس» له جذوره في مسرحية لبو ويليمون بعنوان «فراغوت نورث»، وهو اسم محطة مترو في مدينة واشنطن، وقدّمها منذ عام 2008 وتناولت، كالفيلم، السعي للسلطة والفساد الذي يتخلل هذا السعي وبسببه.

الفيلم الثاني في هذا النطاق كان فيلم «أشلاء» الذي هو أكثر الأفلام الواردة في هذا المجال صدقا وأمانة للمسرحية التي وضعتها الفرنسية - الإيرانية الأصل ياسمينا ريزا (رضا) تحت عنوان «إله الأشلاء» الذي نقلت نصّه من الفرنسية إلى الإنجليزية وجالت به دولا عدّة قبل أن يقرر المنتج الجزائري الأصل سعيد بن سعيد تحويله إلى فيلم للمخرج رومان بولانسكي، يحافظ تماما على البناء المسرحي وحواره ومواقفه.

الثالث ورودا كان الفيلم الجديد للمخرج الكندي ديفيد كروننبرغ بعنوان «منهج خطر» المقتبس عن مسرحية لكريستوفر همبتون المسمّاة «الصورة الناطقة» والذي قدمت مؤخرا في نيويورك.

أيضا في الإطار المسرحي فيلم وليام فريدكن «كيلر جو» (اسم علم) الذي استوحي عن مسرحية لترايسي لَتس. وكان المخرج الأميركي قد اقتبس عن الكاتب نفسه قبل نحو سبع سنوات حين قدّم فيلمه السابق «حشرة». وفي نطاق ما هو أميركي أيضا، من حيث الإنتاج على الأقل، هناك فيلم آل باتشينو الذي يبحث في المؤلف المسرحي أوسكار وايلد وفي صلة مسرحيته «سالومي» بسعي باتشينو لفهم الكاتب ومسرحيته ونفسه في آن واحد.

شموخ الأسلوب

* أدبيا، يتصدّر اللائحة فيلم أندريا أرنولد «مرتفعات وذرينغ» وفيلم توماس ألفردسون «سمكري، خياط، جندي، جاسوس». الأول عن رواية إميلي برونتي الكلاسيكية الشهيرة التي اقتبست للسينما أكثر من عشر مرّات ناطقة وبضعة أفلام صامتة أولى، والثانية عن رواية جاسوسية لجون لو كاري انتقلت إلى الشاشة الصغيرة من قبل سنوات غير بعيدة بنجاح كبير. كلا الفيلمين بريطاني. لكن كما أن الهوية لا تضمن قوّة الفيلم أو مستواه، فكذلك الحال لا يعني الاقتباس الأدبي أو المسرحي أن الفيلم المقتبس أفضل من ذاك الذي يُكتب للشاشة.

لكن السائد في هذا النطاق، أن هذه الأفلام المقتبسة لم تحاول تغيير الحوار المستخدم فيها. رومان بولانسكي حافظ عليه على نحو شبه حرفي في «أشلاء»، وكذلك فعل كل من وليام فريديكن («كيلر جو») وديفيد كروننبرغ («منهج خطر»).

كذلك لا يخفي صانعو هذه الأفلام اعتمادهم على الحوار بكثرته ووفرته. بكلمات أخرى، المقتبس ليس فقط العمل المسرحي بحواره، بل بكثافة حواره. ما يعني أن جدرانا عازلة بنيت بين النص وبين احتمال تغيير الشكل المسرحي للعمل، وذلك عن طريق العمل بمقتضى المادة الأصلية.

حين يأتي الأمر إلى التحرر من النص، فإن فيلم الروسي ألكسندر زوخوروف «فوست» هو الفيلم الذي يمكن اعتباره نموذجا حول كيف يمكن أن تخرج من النص من دون أن تتنكر للأصل. «فوست» ليس فيلما سهل العمل وليس فيلما سريع الذوبان، بل هو لا يذوب مطلقا نظرا لثقله وشموخه الأسلوبي، علما بأنه ليس الفيلم الأفضل لمخرجه من بين أعماله العديدة الأخرى.

في «فوست» حوار مكثّف بالطبع، لكنه ينتمي بأسره إلى كتابة المخرج وليس إلى كتابة مؤلفه الشهير غوته. وهذا على عكس معظم الأفلام الأخرى أعلاه التي حين اقتبست ضمّت في اقتباساتها الحوار المستخدم في الأصل، أو كثيرا منه على أي حال.

هذا يترك تأثيرا فعليا علي كيف ستتجه الجائزة. هل إلى فيلم له علاقة بهذه الأصول الأدبية؟ وهل إلى ممثل أو ممثلة أدوا الشخصيات بتوجّه ممسرح؟ أو إلى إخراج حقق الكثير ليبعد شبح الأصل (كما «فوست») أو إلى إخراج اعتمد على الأصل كثيرا («أشلاء» مثلا). مهما يكن فإن هذه النسبة الكبيرة تبقي علاقة السينما بالمصادر الروائية الأخرى حيّة ومثار اهتمام الأدباء ومثقفي السينما على حد سواء.

بين الأفلام

* زوخوروف يقدم «فَوست» جديدا ومغايرا Faust - إخراج: ألكسندر زوخوروف - أدوار أولى: يوهانس زيلر، أنطون أداسينسكي، أيزولدا دشواك - إقتباس أدبي - روسيا/ ألمانيا - تقييم الناقد: (3*) (من خمسة).

* المتداول أن نسخة غوته من «فوست»، الرجل الذي باع روحه للشيطان، هي التي استند عليها المخرج الروسي المعروف في قراءته السينمائية للأصل وترجمتها إلى الشاشة. لكن الاختلاف كبير بين الأصل وبين العمل السينمائي، إلى درجة أن المرء يمكن بكثير من الصواب القول أن هناك نسخة زوخوروفية من «فوست» كما أن هناك نسخا لغوته ومورناو والبريطاني كريستوفر مارلو.

زوخوروف يقول إن هذا الفيلم هو الجزء الرابع والأخير من رباعيته التي شملت على التوالي «مولوك» (عن هتلر)، و«توروس» (عن ستالين) و«الشمس» (عن الإمبراطور الياباني الراحل هيروهيتو). لكن هناك تباينا مهمّا في هذا الصدد: الشخصيات الثلاث المذكورة هي حقيقية، واقعية، و- تاريخيا - قريبة. شخصية «فوست» لا أصلا معروفة أو محدد لها، فهي، حسب مؤرّخين توارثتها الحكايات من نحو خمسمائة سنة. إلى ذلك، فإن الشخصيات الثلاث السابقة انتمت إلى الحرب العالمية الثانية وفعلت فيها كما تفاعلت معها. بالتالي، يمكن طرح السؤال حول العلاقة المفترضة بينها وبين فوست. لكن فقط مع هذا الاستنتاج يتّضح لنا كيف ربط المخرج الشخصية الحالية بسابقاتها: في كل من هذه الأفلام، بما فيها «فوست» فإن الطرح هو مكمن الخير والشر في الذات الواحدة، والإيمان بالقوّة التي لن يستطيع الإنسان الحفاظ عليها أو تطويعها لتكون لصالح الآخرين في الوقت ذاته وبنفس المستوى.

فوست - زوكوروف هو طبيب طموح وواعد ومفلس. وهو يتعرّف على الشيطان في ملابس بشرية (انطون أداسينسكي) تخفي تحتها بدنا ليس بشريا ولا طاهرا. والشيطان يعرّف عن نفسه هكذا، والمخرج يقدّمه بوضوح، على عكس ما ورد في نسخة المخرج الألماني مورناو سنة 1926 (غالبا بتأثير من كتابة غوته) حيث تم تقديمه شخصا مغري الحديث، مخادعا وعلى قدر كبير من الدهاء.

ما يعد الشيطان به فوست، ليس الحياة المديدة والشباب الدائم مقابل خدمته، في الحقيقة هو لا يعده بذلك إلا في فصل لاحق من الفيلم. فوست هو الذي لاحقه راغبا في الخلاص من وضعه. نعم كان يشكو من فقره، لكنه كان يحب فتاة قتل أخاها ولم تكن تحبّه. مقابل أن يفوز بها، وقع على تعهد بأن يخدم الشيطان لسنوات مقبلة.

لا شيء كان يمكن لفوست القيام به من دون امتلاك القوّة. القوة على فعل الشر أساسا، وهذا هو الطرح الواصل بين هذا الفيلم (الذي يستحق قراءة أكثر تفصيلا بالطبع) وبين أفلام زوخوروف السابقة.

بصريا، هذا هو زوخوروف من دون تغيير. الحياة الداكنة والطبيعة المعتمة والألوان الرمادية في الداخل والخارج. لكن هذا الفيلم مشغول أكثر على الكاميرا (مدير التصوير برونو دلبونيل الذي صوّر الفيلم الفرنسي «أميلي»). تلك السحبات الطويلة والمشاهد المطرّزة بالتفاصيل البيئية والدقيقة تجعل الفيلم أكثر أمانة للفترة التي تقع فيها الأحداث (في أواخر القرن التاسع عشر) والمكان (قرية من مخلّفات العصر الحجري في ألمانيا) من أي فيلم تاريخي قريب شوهد هنا أو منذ بضع سنوات مضت.

* معاناة طبيعية وأخرى غير طبيعية في الفيلم الياباني Himizu - إخراج: سيون سونو - أدوار أولى: شوتا سومتاني، تتسو واتانابي، فومي نيكايدو - دراما - اليابان - تقييم الناقد: (3*) (من خمسة).

- عانت اليابان من الكارثة النووية مرّتين. الأولى حين ألقت الولايات المتحدة عليها قنبلتين سنة 1945 والثانية تلك التي نتجت عن الهزّة الأرضية التي وقعت في مطلع العام الحالي، وأدّت، فيما أدّت إليه، إلى ضرر في بعض المفاعلات النووية مما أدّى لتسرّب الإشعاع النووي مضيفا إلى أضرار الزلزال والتسونامي الذي وقع مباشرة بعد الزلزال المدمّر.

هذه المرّة رد فعل السينما اليابانية جاء أسرع بكثير من رد فعلها على كارثة ناغازاكي وهيروشيما، وفيلم «هيميزو» هو أحد الأفلام الروائية الأولى، إن لم يكن الأول بالفعل.

بداية جيّدة تحلّق فيها الكاميرا فوق أرض موحلة لتقف على حياة بعض الشخصيات التي خسرت كل شيء وتعيش الآن في أكواخ من التنك بجانب أحد الأنهار. على الرغم من فداحة الحادثة فإن المشكلة التي تعانيها بعض شخصيات الفيلم، وفي المقدّمة بطله الشاب، هي العنف المنتشر بين شخصيات تلك البيئة. الأب يضرب ابنه الشاب، وابنه يضرب صديقته وفي مشاهد لاحقة تنجلي تلك الممارسات عن إطارها الأوسع من دكانة التصرّفات والآثار الاجتماعية وصولا إلى الجريمة المنظّمة.

سوميدا (شوتا سومتاني) وشازاوا (فومي نيكايدو) لديهما، في عرف الفيلم، الكثير مما يستطيعان توفيره للمشاهد. كلاهما يحلم بحياة أفضل، وعلى الرغم من تصرّفاته، فإنه يكترث لها أما هي فتحبّه لأنها تراه فتى وقّادا يرسم ويكتب. والده سكير لا نفع فيه ولا حنان في القلب، يبحث عن مال ابنه أو زوجته لكي يشرب به، وفي إحدى المرّات يختفي، وما هي إلا بضعة مشاهد لاحقة ويكتشف الصبي أن منظّمة الياكوزا تبحث عن أبيه لاسترداد عشرات ألوف الين الياباني. حين لا تجده على الصبي أن يرد الدين علما بأن الصبي لا يملك ما يصرفه على نفسه.

إنها دراما تخرج عن نطاقها الاجتماعي المقترح لتدخل في دراما السلوكيات والحياة الفردية ومعاناتها ذات المسببات المختلفة. التصوير جيّد لواقعيّته، والمناخ العام للأحداث ومواقعها يضيف إلى الدراما بلا ريب. لكن المخرج سونو (وكان له فيلم آخر في «كان» الماضي عنوانه «رومانسيا مذنب») لا يتميّز بوحدة العمل. المشهد قد يليه ما يناسبه أو ما يبتعد عنه في خلط بين الأسلوبية والفوضى.

* بقي من الزمن ساعات! Last Day on Earth - إخراج: أبل فيرارا - أدوار أولى: وليام دافو، شينين لي، ناتاشا ليوني - دراما - الولايات المتحدة - تقييم الناقد: (2*) (من خمسة).

- في نهاية هذا الفيلم المتكلّف وغير المنطقي، يقول أحدهم «آل غور كان على صواب».

العبارة تقصد رد اعتبار للسياسي آل غور الذي تحوّل إلى مناضل بيئي يحذّر من ويلات الإضرار بالبيئة وأخطاره في كل المناسبات الممكنة، والذي شوهد خطيبا وملقّنا وواعظا في فيلم «الساعة الحادية عشرة» (أو «ساعة الفصل» كما هو المقصود بالعبارة) التسجيلي حول المخاطر التي يتعرّض لها كوكب الأرض وما يعيش فوقه من نباتات وحشرات وحيوانات وبشر. وهذا ليس لأن غور على خطأ وأن الحياة على الأرض أبعد ما تكون عن المخاطر التي ابتدعها الإنسان من خلال ممارساته غير المسؤولة، بل بات غور مصدر سخرية من الذين يعتقدون أن الرجل زادها أو أنه وجد في علم البيئة ما لم يجده أو يجيده في علم السياسة.

مهما كان فإن نهاية فيلم فيرارا، تأتي في أعقاب بحث المخرج عن خلاص من الورطة التي اسمها الحياة على الأرض، وهو يجدها في معالجات مادية وروحانية. في الجانب الأول، فإن بطليه وليم دافو وشانين لي، يمارسان الحب هربا من المخاطر. وفي الثاني، يتعالى، لاحقا، التوجّه صوب الدين كخلاص من متاعب تلك الساعات الأخيرة على الأرض وما تحمّله من فناء. في الحالتين لا شيء يجسّد ما يرغبه الفيلم في رسالته. ولا حتى تتبلور هذه الرسالة إلى منحى قائم يمكن الدفاع عنه أو فهم مبرّراته. هناك بالطبع ذلك الجانب من الفيلم الذي يتناول فيه رغبة المخرج القول بأنه في مثل هذه الساعات الحاسمة، لا بد لنا من أن نضم إلى صدورنا من نحب من أفراد عائلة وأصدقاء. مفهوم نبيل، لكن هل إذا ما بقي من الزمن ساعة أو ساعتين سيكون بمقدور معظم الناس صرفهما على تحقيق مثل هذا المطلب؟

ليس أن فيرارا استعار بطله دافو من المخرج الدنماركي لارس فون ترايير، فقط، بل ماثله في تقديم فيلم عن نهاية العالم كما نعرفه بسبب كارثة وشيكة، فالمخرج الدنماركي قدّم في «كان» فيلمه الذي استقبل جيّدا «مالنخوليا» قراءة في مستقبل قريب ونهائي كهذا. كلاهما يقصد أن يتحدّث من خلال الفن بعيدا عن كوارثيات هوليوود. لكن المشكلة هي أن مشكلات الأرض المطروحة لا علاقة حتمية لها بعمر كوكبنا هذا ولا يمكن حل قرون من المشكلات في ساعات من الخوف.