رحيل «وتد» الرواية المصرية.. خيري شلبي

رد غيبة طه حسين.. واكتشف نصا مسرحيا لـ«الزعيم» مصطفى كامل

خيري شلبي
TT

غيب الموت، صباح أمس، الروائي المصري خيري شلبي، إثر أزمة قلبية حادة، عن عمر يناهز 73 سنة بعد استيقاظه وتأهبه لكتابة مقاله بصحيفة «الأهرام». وشيعت الجنازة عصرا في مسقط رأسه بمحافظة كفر الشيخ (شمال غربي القاهرة).

وزارة الثقافة المصرية نعت الكاتب الراحل، الذي شغل في السنوات الأخيرة منصب مقرر لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة، كما أعلن المجلس عن تنظيم ندوة في ذكرى الأربعين تقدم فيها شهادات ودراسات من العارفين بمنجزه الإبداعي الكبير.

ويعد شلبي أحد أبرز كتاب جيل الستينات (جيل الوسط) من القرن الماضي وأغزرهم إنتاجا في مجالات الرواية والقصة والنقد وشؤون الشعر والمسرح وغيرها. وهذا ما أهله عن جدارة لترشيح مؤسسة «إمباسادورز» (ambassadors) الكندية (التي تعنى بالمجالات الثقافية والحضارية) للحصول على جائزة نوبل للآداب عام 2007، عن مجمل أعماله الروائية والقصصية، التي ترجمت أغلبها إلى لغات أجنبية بينها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، ونال بفضلها اهتماما عالميا أكاديميا واسعا.

ورغم سعادة شلبي بهذا الترشيح (آنذاك)، فإنه أعرب في أحاديثه الصحافية عن مفاجأته التامة بالأمر، وأنه لم يسع إليه، ولم يبحث عن التكريم الشخصي من قريب أو بعيد، في بساطة بالغة.

إلى ذلك، تعمق شلبي في كتاباته في «داخليات» الشخصية المصرية والغوص في تفاصيل المهمشين والبسطاء. وبرع في رسم الصورة المكانية والزمانية، مع تميزه بحس نقدي لاذع، مثله في ذلك مثل أستاذه وصديقه، الحائز على نوبل في الآداب عام 1988، نجيب محفوظ.. وكان من أبرز الكتاب الذين استخدموا أسلوب «الواقعية السحرية» و«الفانتازيا» في كتاباته، حيث مزج الواقع بالخيال والأساطير من دون إخلال بمصداقية السرد، وطوع الجماد والحيوان والمادة كشخصيات حية ذات تأثير داخل سياق كتاباته.

ولقد ألف شلبي أكثر من 70 كتابا، من أشهرها «الوتد»، و«ثلاثية الأمالي: أولنا ولد، وثانينا الكومي، وثالثنا الورق»، و«وكالة عطية» (التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية في القاهرة عام 2003)، وتحولت لاحقا إلى أعمال تلفزيونية.. إلى جانب روايات «سارق الفرح»، و«صالح هيصا»، و«صهاريج اللؤلؤ»، و«صحراء المماليك»، و«زهرة الخشخاش»، و«نسف الأدمغة».. وغيرها.

كذلك كان شلبي أكثر تطورا من أقرانه في المجالات غير الروائية، وبرع فيها بقدر براعته في حياكة الرواية. إذ إنه قدم عدة مؤلفات ودراسات مهمة للمكتبة العربية منها: «أعيان مصر»، و«غذاء الملكات»، و«مراهنات مصرية»، و«لطائف اللطائف»، و«عمالقة الظرفاء».. وغيرها، إلى جانب تبنيه إنهاض فن «البورتريه الوصفي» في العالم العربي، حين رسم بقلمه ملامح ودقائق نحو 250 شخصية في مختلف المجالات في عدة كتب ومقالات.

ومن بين أشهر مؤلفات شلبي في مجال البحث الأدبي كتابه «محاكمة طه حسين» عام 1969، وهو المؤلف الذي كتبه شلبي بعد اكتشافه مصادفة قرار النيابة في ما يتعلق بالتحقيق الذي أجري مع الكاتب الراحل طه حسين حول كتابه «في الشعر الجاهلي». ويعد هذا المؤلف بمثابة رد اعتبار لـ«عميد الأدب العربي»، الذي أشيع من قبل أنه قد استتاب لتغلق القضية، لكن كتاب شلبي أوضح أن ذلك لم يحدث، إذ لم يقتنع وكيل النيابة بالتهمة من الأساس، بعد مبارزة فكرية وحوارية ممتعة مع طه حسين.

أيضا اكتشف شلبي، إبان عمله كباحث مسرحي في سبعينات القرن الماضي، نصا مسرحيا نادرا من تأليف الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل يحمل عنوان «فتح الأندلس»، وعكف على تحقيقه وتنقيحه، ومن ثم نشره في مؤلف أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وكان شلبي في مقالاته حريصا على ربط الماضي بالحاضر، وذكر زملائه بما يليق بهم من مقام. ومثال على ذلك ما كتبه في جريدة «الأسبوع» المصرية يوم 2 يوليو (تموز) الماضي، قائلا: «لو بقي نجيب محفوظ على قيد الحياة إلى اليوم لكان أسعد خلق الله برؤية يوم ظل يحلم به ويحرض عليه في أدبه طوال عمره المديد. أعني يوم خروج الشباب المصري في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) مطالبين بالحرية والعدالة وإنهاء عصر الفساد».

وفسر ذلك بقوله: «كان نجيب محفوظ يراهن على شباب مصر، وكان على ثقة راسخة بأن تغيير الجهاز الحاكم – بل تغيير الواقع كله - لن يتم إلا بسواعد وعقول الشباب، ولم يكن يطيب له الجلوس في أي مكان إلا وحوله عدد كبير من الشباب».. واختتم قائلا: «أجزم أنه (محفوظ) لو بقي على قيد الحياة حتى يدرك يوم الخامس والعشرين من يناير لنزل فورا إلى ميدان التحرير، يتنقل بين جموعهم يستمع إلى طموحاتهم وأحلامهم، ويغذي ثوريتهم بغمزات خفية ذكية، حتى إن كانت في شكل نكتة تنعش الفكر أكثر مما تثيره من بوح وبهجة».

بقي أن نذكر أن خيري شلبي حاز العديد من الجوائز والأوسمة على مدار تاريخه، منها: جائزة الدولة التشجيعية في الآداب، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1980، وجائزة أفضل رواية عربية (وكالة عطية) عام 1993، و«أفضل كتاب عربي» (صهاريج اللؤلؤ) من معرض القاهرة الدولي للكتاب 2002، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2005. كما ترأس تحرير مجلة «الشعر» التابعة لوزارة الإعلام، وسلسلة «مكتبة الدراسات الشعبية» التابعة لوزارة الثقافة.