أحزاب تونس تنعش التجارة.. وخصوصا سوق الإعلانات

عدد آلات الطبع بصفاقس ارتفع من آلتين إلى 40 خلال فترة وجيزة

ملصق إعلاني لأحد الأحزاب السياسية التونسية الحديثة
TT

مكنت الأحزاب الـ105 الحاصلة على الترخيص القانوني في تونس، من إنعاش الدورة الاقتصادية في البلاد، وحركت الكثير من السواكن على مستوى الإعلان السياسي – أو «الإشهار» السياسي، كما يعرف في تونس – في معظم أركان المدن التونسية. وغدا ظاهرة تعج معها صفحات الصحف بسيل من الدعايات والإعلانات لأحزاب سياسية لديها من القدرات المادية، مما يتيح لها الاستحواذ على صفحات كاملة بالألوان، وبأسعار لا تقل في معظم الحالات عن الألف وخمسمائة دينار تونسي (قرابة ألف دولار أميركي). وجاءت هذه القفزة الإعلامية – الإعلانية، وكأن هذه الأحزاب تنتقم لنفسها اليوم من احتكار حزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم في تونس لمدة 23 سنة، لجميع أشكال الدعاية السياسية.

من ناحية ثانية، نشطت المطابع وتطورت الطلبات على خدماتها بفعل كثرة الطلب على المطويات والمنشورات والملصقات، التي تطلبها الأحزاب خلال الفترة التي تأتي مباشرة قبل الحملة الانتخابية للمجلس التأسيسي المقررة يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

وعلى صعيد مختلف تماما لكنه لا ينفصل عن الجو العام، شهدت الحجوزات في الفنادق السياحية حركة ناشطة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، بعدما عقدت مجموعة كبيرة من الأحزاب السياسية، خاصة منها الحديثة العهد بالمشهد السياسي، مؤتمراتها التأسيسية والكثير من الندوات السياسية الهادفة إلى التعريف بأنشطتها وبرامجها المستقبلية.

حول هذا الموضوع، قال بلقاسم حسن، الأمين العام المساعد لحزب الثقافة والعمل: «إن الحزب اضطر لمسايرة الموجة الجديدة، وطبع ما لا يقل عن ألف مطوية إشهارية (إعلانية) تعرف بالحزب وأهدافه، وهذا في مرحلة أولى. كما التجأ إلى التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى الفئات الشابة والنفاذ إليها. كذلك عرفت تونس بصورة عامة نشاطا كبيرا على مستوى الطباعة بالليزر، بالإضافة للإرساليات المختلفة العادية منها والإلكترونية، والفاكس، وغيرها من وسائل الاتصال.. وذلك في مساعٍ من الأحزاب الفتية للتعريف ببرامجها في فترة حساسة من تاريخ تونس».

وتابع: «ظهرت على السطح مهن كثيرة رافقت عالم السياسة، من بينها المختصون في عالم الاتصال والإعلام، وفتحت هذه العملية الأبواب على مصراعيها للاهتمام بالصورة التي يراد تقديمها للناخبين التونسيين، والرسالة التي يود هذا الحزب أو ذاك إيصالها لعموم الناس. وشملت هذه الانتدابات تونسيين ومتخصصين في التسويق والدعاية من الخارج، والبعض منهم أتوا من فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وكندا، وتبعا لذلك نشطت وكالات الإشهار (الإعلان) والاتصال لإيصال مفاتيح النجاح الجماهيري إلى الكثير من الفئات الاجتماعية، كما اعتمدت أحزاب كثيرة جدا على بعض الممثلين وأصحاب المواهب الشابة للدعاية لبرامجها وأطروحاتها السياسية والاجتماعية».

وفي هذا الصدد، قال الهدي الصفاقسي، وهو صاحب وكالة إعلانات، إن المشهد الحالي «يعرف تعدد الأيادي»، وهو ما أدى حسب رأيه إلى «احتراق كل المخططات»، في إشارة منه إلى كثرة الدخلاء والوسطاء بين أصحاب وكالات الإعلان والدعاية من جهة، والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية من جهة أخرى. ثم قال: «إن ظاهرة كثرة الأحزاب محيرة، إذ تجد في مساحة قليلة ثلاثة أو أربعة أحزاب في بعض الحالات، وإن الكثير من هذا الأحزاب لا تمويل لديه.. لكنه مع ذلك يحاول بكل الوسائل طباعة بعض اللافتات الإشهارية، وفي حالات أخرى يتركز الاعتماد على الأقارب والأصدقاء، وغالبا ما يختصر هؤلاء الطريق أمام الوكالة المتخصصة في تصور الإشهار ويأتون بالنصوص الدعائية جاهزة.. وهو ما لم يكن يحصل في عهد التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل».

واعتبر الصفاقسي، من جانبه، أن الكثرة القياسية لم تمس الأحزاب السياسية فحسب، بل كذلك آلات الطبع والـ«سكانر» (المسح الضوئي) حتى إن العدد ارتفع في مدينة صفاقس (350 كلم جنوب العاصمة التونسية) من آلتين اثنتين فقط خلال فترة ما قبل 14 يناير (كانون الثاني) إلى 40 آلة طباعة ونسخ خلال الفترة الحالية، وهو ما خلق - حسب الصفاقسي - حالة منافسة غير مسبوقة في هذا المجال بين مختلف المتدخلين في عالم الطباعة والنشر والدعاية الإشهارية.

كذلك يبدو أن التقنيين في عالم الكومبيوتر (الحاسوب) قد وجدوا ضالتهم في جمهرة من الأحزاب السياسية، التي سعت للاستعانة بخبراتهم باعتبارها تبحث عن العالم الافتراضي، وتسعى لدخول عالم الشباب الذي يألف المعلوماتية والإنترنت، معتمدة إياهما كمفتاح للوصول إلى هذه الفئة الاجتماعية. وبالفعل، اشترت بعض الأحزاب السياسية صفحات بأكملها على الموقع الاجتماعي الـ«فيس بوك»، بنية التعريف بأنفسها والتنافس على الناخبين المفترضين.

ولقد أظهر تقرير أول لمرصد الإعلام، أعدته «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات»، أن الإعلان السياسي احتل نسبة 21 في المائة في الصحف التونسية. ونبهت الجمعية إلى مخاطر استخدام الصفحات الإعلانية كوسيلة للتأثير، ما سمته «الخط الافتتاحي للصحف من جهة، أو لشراء ذمم الناشرين» من جهة أخرى. ويذكر هنا أن حزبا سياسيا أسس بعد 14 يناير (كانون الثاني) الماضي تمكن بمفرده من الاستحواذ على نسبة 24 في المائة من مساحة الإعلان في الصحافة المكتوبة، وهو بذا تجاوز المساحات المخصصة للحكومة المؤقتة التي جاءت في المرتبة الثانية بـ20 في المائة فقط.