خلف الكاميرا.. النساء يقتحمن صناعة السينما في الهند

مع ارتفاع عدد المخرجات والمؤلفات في بوليوود

مشهد من فيلم المخرجة كيران راو «دوبي غات»
TT

كانت هناك نكتة شائعة، في مواقع تصوير أفلام بوليوود في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهي أن النساء الوحيدات اللائي يمكنك رؤيتهن في مواقع التصوير هن البطلات وأمهاتهن؛ فقد كانت مواقع التصوير تعج بالرجال شديدي التأنق الذين يرتدون بنطلونات بيضاء من البوليستر وأحذية جلدية لامعة تتماشى معها. وكان المشهد المعتاد هو تسلق فنيي الإضاءة السقالات، وتحديق المصورين السينمائيين في عدسات كاميراتهم، في حين كان المخرج يبدو عبقريا معذبا.

ومع دخولنا القرن الحادي والعشرين، نجد أن الصورة قد تغيرت في بوليوود، حيث اقتحمت السيدات في هدوء مجالات متخصصة في نطاق صناعة السينما، ومنها الإخراج ووضع ألحان الرقصات وتصميم المواقع وكتابة السيناريوهات وتصميم الملابس والصوت والتصوير والإضاءة والتوزيع الموسيقي.

وعلى النقيض من التقاليد القديمة المتعارف عليها، عندما كان النساء لا يقمن سوى بوظيفتين فقط في الأفلام الشهيرة، وهما التمثيل والغناء، تشهد السينما الهندية اليوم تغييرا، ممثلا في مشاركة النساء في مجال الإخراج السينمائي. فمع ظهور مخرجات موهوبات، يبدو أن مشهد السينما الهندية التي يهيمن عليها العنصر الذكوري قد آل إلى الزوال.

وتضم أحدث مجموعة من مخرجات بوليوود زويا أختار، وكيران راو، وأنوشا ريزفي، الصحافية التي اتجهت للعمل بالإخراج السينمائي، بأفلامهن التي حققت نجاحا ساحقا وهي «زينداغي نا ميليغي دوبارا» (2011) و«دوبي غات» (2011) و«بيبلي لايف» (2010).

وفي عام 2004، قدمت المخرجة متعددة المواهب فرح خان أضخم فيلم لهذا العام، وهو «ماين هو نا»، ثم «أوم شانتي أوم» (عام 2007)، وأخيرا «تيس مار خان» (عام 2010).

وهذه الزيادة المفاجئة في عدد المخرجات الموهوبات في صناعة السينما الهندية قد جعلتها مجالا أكثر تنافسية بالنسبة للمخرجين الرجال.

وتعكف ريما كاغتي، بعد النجاح التجاري لأول ظهور لها في مجال الإخراج في «هاني مون ترافلز»، الذي كان به طاقم عمل فني من السيدات، الآن على إنهاء فيلمها الثاني، البوليسي، والذي يلعب دور البطولة فيه نجم نجوم بوليوود عامر خان. وقد حققت ثاني تجارب زويا أختار الإخراجية «زينداغي نا ميليغي دوبارا»، الشهر الماضي إجمالي إيرادات قيمتها 19 مليون دولار في خمسة أسابيع، ولا يزال الفيلم يحقق نجاحا ساحقا على المستويين المحلي والدولي، وكانت أول تجربة إخراج سينمائي لها قد «حالفها الحظ بمحض الصدفة».

بطيء وهادئ، لكن حاسم.. هكذا يتسلل التغيير إلى صناعة السينما الهندية، والتي كانت في المعتاد من اختصاص الرجال وراء الكواليس.

وتعكف كيران راو، التي تمثلت أولى تجاربها الإخراجية في فيلم «دوبي غات» الذي يتناول الحياة العادية في مومباي، والذي عرض في بداية هذا العام ونال استحسان النقاد محليا ودوليا، على كتابة ثاني أفلامها، والذي يعد مشروعا أكثر تماشيا مع الاتجاه السينمائي السائد.

ليس الأمر مقتصرا على الإخراج السينمائي فقط، فقد اخترقت السيدات المحترفات مجال صناعة السينما الهندية برمته. انظر إلى ميريام جوزيف (40 عاما)، المنتجة المنفذة لدى «إكسيل إنترتينمنت بي في تي» المحدودة - التي تنقلت بين أعمال مختلفة بدءا من تركيب ماكينات التصوير، مرورا بتصوير المشاهد السينمائية، وانتهاء بإنتاج منتج كامل - إن وظيفتها تشمل كل شيء، وقدرا كبيرا من الصراخ أيضا. وتقول ميريام «تأتي البنية التحتية لكل شخص – الإضاءة والصوت والملابس – من الإنتاج. لذلك، إذا كان فريق الإنتاج مستعدا، ربما تكون ثمة كثير من الأمور التي يجب الاهتمام بها».

تتفق معها أرونيما روي (37 عاما)، المنتجة المنفذة بشركة «ديبث إنترتينينغ آرتس». «يجب أن تعلم أن النص أشبه بظهر يدك، وإلا لن تكون قادرا على تقديم حلول، إذا حدث، مثلا، أن لم يتم أخذ لقطة في يوم معين، وكنت بحاجة للتحايل وأخذ مجموعة لقطات أخرى بدلا منها»، هكذا تقول روي، التي يشمل دورها «وضع الخطط الخاصة بالميزانية وتحديد نوع الفيلم الذي سيحقق نجاحا، واكتشاف مصادر لتحقيق عائد والتعامل مع الناس».

وتقول المؤلفة هيمانتي ساركار التي قد شاركت في أفلام مثل «بارينيتا» و«سانكات سيتي» و«بارا أنا» و«بيبلي لايف»: «الناس الآن يتقبلون فكرة امتلاء مكاتب ومواقع الإنتاج السينمائي بالسيدات الشابات».

لقد طال التغيير أيضا مجالا «ذكوريا» مثل التصوير السينمائي، حيث تزخر لوحات الشرف بأسماء سيدات أبرزهن ديبتي غوبتا لفيلمي «هاني مون ترافلز»، و«زينداغي نا ميليغي دوبارا»، وسافيتا سينغ لفيلمي «فونك» و«404». وتمتاز هيتال ديدهيا بأنها أول سيدة ترأس طاقم الكهرباء والإضاءة في صناعة السينما البوليوودية. وتسجل كثيرات من خريجات معهد السينما والمهارة التقنية الهندي علامات بارزة الآن في مهن كانت حكرا على الرجال في ما مضى، مثل التصوير السينمائي وتصميم الصوت.

«نحن نعمل ساعات إضافية طويلة، وتفضل المصورات السينمائيات البارزات اللائي لديهن أسر تقليل ساعات عملهن. لكن هذا نمط حياة تختارينه بمحض إرادتك»، هكذا تتحدث المصورة السينمائية بوجا شارما (32 عاما)، التي، على غرار كل الخبيرات الفنيات الأخريات، تهتم جيدا بانتقاء ما ترتديه في مواقع التصوير «أرتدي قمصانا داكنة». وقد تعاملت شارما أيضا مع رجال معارضين لفكرة تلقي أوامر منها. تقول شارما «أحيانا لا يستمع فنيو الإضاءة لتوجيهاتك، بينما يستمعون إلى توجيهات رجل. لكن، بعد انتهاء نصف وردية عمل، يدركون أنك ملمة بوظيفتك، ويبدأون في الاستماع لتوجيهاتك»، وهذا الأسلوب منتشر بين جميع العاملين في هذا المجال. تقول شارما «التقيت ذات مرة بمخرج سينمائي كان يتصرف معي وكأنه يسدي لي معروفا بتحدثه إلي. لكن، مع تطور مجريات الاجتماع، شهدت تحولا في طريقة تعامله معي، حتى إنه في النهاية اصطحبني إلى غرفة التجهيزات وعرفني بكل أدواته».

وتصر مهندسة الصوت أمالا بوبوري (34 عاما) على تجاهل التعصب الذكوري. تقول «عمل امرأة في مجال التصوير السينمائي أو هندسة الصوت بمثابة تحد لأن السيدات لا ينظر إليهن كخبيرات في المجالات الفنية التي تدخل في نطاق صناعة السينما». وتقول بوبوري التي تحمل أجهزة تسجيل وميكروفونات تزن نحو 7 كيلوغرامات أثناء يوم عمل ربما يمتد لمدة 15 ساعة، إن بعض الرجال ما زالوا غير قادرين على التعامل مع امرأة «صارخين بأعلى صوت في الموقع أو رافضين العمل حتى تقل درجة الضجيج». بإمكان هيتال ديدهيا (23 عاما)، التي تعمل رئيسة فنيي إضاءة، تسلق سقالات ارتفاعها 60 قدما وحمل معدات إضاءة ثقيلة. تقول هيتال «كثير من السيدات لا يرغبن في اقتحام مجال الإضاءة لأنه أكثر ملاءمة للذكور منه للإناث. كذلك، تكونين محاطة بنحو 50 رجلا أثناء تركيب معدات الإضاءة»، مشيرة إلى أكثر رد فعل مثير للفكر لقيته من راقص بقولها «جعلته يشعر وكأنه غير مكتمل الرجولة لأني كنت أقوم بهذا العمل الشاق، بينما كان هو يرقص فقط!».

وعلى الرغم من أن قليلات من المخرجات، مثل ساي بارانجباي وأبارنا سين وكالبانا لاجمي، هن من واتتهن الجرأة منذ عقدين ماضيين لدخول هذا المجال، فإن اقتحام مجال صناعة السينما الهندية لم يكن بالأمر الهين بالنسبة لهن. فقد اعتمدن في معظم الوقت على ميزانيات ضئيلة، ولم يتم تسويق أفلامهن بشكل جيد، مما حرمهن من تحقيق ما يستحققنه من النجاح.

من المثير للاهتمام أنه على عكس المخرجات الأوليات، فإن الجيل الجديد من المخرجات لا يصنع أفلاما تركز على النساء. فقد وصفت فرح خان فيلمها الأخير، الذي تكتبه الآن، بأنه على غرار «أوشنز إليفين»، سوف يرتفع مستوى هرمون التستوستيرون بدرجة أكبر عند مشاهدته.

واليوم، تشهد صناعة السينما الهندية تغيرا للتكيف مع اقتحام السيدات هذا المجال؛ فلم يعد المنتجون والممولون والمصورون متشددين بشأن ما تستطيع أو ما لا تستطيع امرأة فعله. «لقد سمعت العديد من الروايات عن التمييز ضد المرأة، لكني لم أمر بالتجربة بشكل شخصي»، تقول نامراتا راو، كاتبة السيناريو التي قامت بكتابة أفلام حققت نجاحا ساحقا مثل «الحب أور دهوكا» و«باند باجا بارات». وترى راو أن السيدات أفضل في كتابة سيناريوهات الأفلام من الرجال. وتعبر عن ذلك بقولها:«كتابة سيناريو فيلم أقرب لتبني طفل ورعايته إلى أن يكبر – والنساء أفضل من الرجال في تربية الأطفال». وتضيف روي «في واقع الأمر، يفضل معظم صناع السينما المخرجات المساعدات لأنهن أكثر تنظيما وجدارة ودقة وتحملا للمسؤولية».

لكن، تبقى هناك مجالات محدودة في صناعة السينما البوليوودية لم تخترقها النساء بعد. فبعيدا عن سنيها خان التي قامت بتأليف موسيقى فيلمين بوليووديين، وهما «أوي لاكي أوي» و«الحب أور دهوكا»، لا توجد سيدات أخرى يعملن بمجال التأليف الموسيقي في بوليوود. بيد أن هذا الجيل الجديد من النساء المحترفات سيلقي بتأثيره على السينما الهندية بصور غير متوقعة. بعض مظاهر ذلك التغيير واضحة في مواقع التصوير، فعلى سبيل المثال لم يعد هناك رجال شديدو التأنق يرتدون بنطلونات ضيقة من البوليستر وأحذية جلدية لامعة برقبة.