ناصر العمري.. ذاكرة نجد الحديثة

رأى قبل عقود أن يصبح بيد كل شخص جهاز يخاطب من خلاله الآخرين وأسس أول صحيفة في القصيم

العمري يشكل كنز معلومات تاريخية، يكتنز ذاكرة جيل بأكمله، وهنا صورة له وأحد أحفاده، التقطت مؤخرا في القصيم («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن أن يتعرض أي كان للتاريخ النجدي والتاريخ السعودي دون المرور على ذكر الشيخ ناصر بن سليمان العمري، الذي يعرف بأنه مؤرخ وشاهد على العصر السعودي القديم والحديث في وقت واحد.

فصاحب المؤلفات التي ينظر لها المهتمون في السعودية ضمن أهم الشواهد على التاريخ السعودي الحديث وتأسيس المملكة، يرى ضرورة أن يكون للإعلام بشكل عام، دور محوري ومهم في تحديد خيارات المستقبل لدى أي جيل، وهو ما حدث عبر أجيال مضت في السعودية، حيث شكل الإعلام وأسهم في إنارة دروبهم وساهم في تحديد خياراتهم التجارية.

كتب وألف العمري، عدة مؤلفات، منها «ملامح عربية» الذي صار مرجعا للباحثين والمؤرخين لتاريخ السعودية ويحكي قصصا عن تاريخ بريدة، والعقيلات (وهي قافلة كانت تسير من دولة إلى أخرى قديما مؤسسة من عدد من القبائل) والكثير من الأسر، والقبائل السعودية، ويدمج التاريخ بغرس قيم الشهامة والكرم والشجاعة والتدين، وحكايا الصبر والتأسيس. وشهد للكتاب وأثنى عليه الكثير من الأدباء والمؤرخين، مثل ابن رويشد، والشيخ العبودي، وابن خميس وغيرهم.

ويعتبر كتاب «وفاء وأخواتها» للشيخ العمري امتدادا لملامح عربية، من حيث قصص وحكايا التاريخ السعودي القديم، وكونه قصصا خيالية مستوحاة من الماضي الحقيقي وليست قصصا حقيقة، ولقي إقبالا وحقق مبيعات جيدة في تلك الفترة.

وتحضر الصحف السعودية اليومية في ذاكرة الشيخ العمري منذ عقود من الزمن، منها ما هو باق حتى هذه الساعة، ومنها ما ذهب أدراج الرياح، وتشارك الصحف ووسائل الإعلام بشكل عام في تشكيل القيم في البلاد خلال حقبة زمنية مضت حقيقة لا يمكن تغييبها بأي حال من الأحوال.

ومن هنا، يجد التسعيني العمري السعودي، مدخلا له «كاتبا ومثقفا ورجل أعمال» في آن واحد، وكواحد من مؤسسي صحيفة «القصيم» - أول صحيفة في تلك المنطقة (شمال العاصمة السعودية الرياض). وكانت في تلك الفترة علامة بارزة يشار لها بالبنان، نظرا لعدم وجود منافس لها في المنطقة بأسرها، أي في الداخل السعودي وفي ذات الإقليم. فكرة تأسيس مصنع أسمنت القصيم الذي لا يزال قائما حتى هذه الآونة مع أخويه صالح وإبراهيم، وعدد من المؤسسين من تجار القصيم - سخر منها البعض في تلك الآونة، وكان شقيقه صالح – رحمه الله – يقول «كأني أشاهد الدخان يخرج من مداخن المصنع آنذاك»، وهو ما تم بالفعل، حيث لا يزال مصنع أسمنت القصيم يعمل وينتج. له أكثر من 30 عاما، بل وبات يعتبر ويصنف من أكبر وأهم مصانع الإسمنت في المملكة إن لم يكن في الخليج.

ناصر بن سليمان العمري، عرف عنه أنه رجل أعمال مثقف وكاتب صحافي، عاد بذاكرته للوراء، مستذكرا ماضيا وحقبة زمنية، عمل خلالها معلما، ومن ثم مديرا لمدرسة الفيصلية، وهي أول مدرسة تأسست في تلك الحقبة الزمنية في بريدة – العاصمة الإدارية لمنطقة القصيم - وتخرج فيها عدد من الأسماء البارزة في السعودية، أبرزهم الدكتور صالح بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء حاليا في المملكة. وتذكر مقالة له نشرت في صحيفة «الجزيرة» السعودية قبل أكثر من أربعين عاما، كان ذاك المقال تصورا منه «أنه سيأتي يوم يصبح في يد كل شخص جهاز يشاهد ويخاطب من خلاله الآخرين في أميركا والصين»، وهو بالفعل ما تحقق على أرض الواقع، وقصد الرجل في ذاك التصور الهواتف الجوالة في هذه الآونة.

يقول الرجل خلال اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» عن الإعلام في هذا الزمان «الإعلام في هذا الزمن تغير عن السابق، كنا نعمل في تلك السنين من دون أجر ومن دون مقابل، الآن كل ذلك تغير واختلف». ويعود اقتراح تأسيس نادي القصيم الأدبي للعمري في تلك الآونة، بالإضافة إلى الدور البارز له في تأسيس النادي الأدبي بالرياض.

ويستذكر الصحف التي كان يكتب عبرها في تلك الحقبة الزمنية، حيث بلغت أكثر من 14 مطبوعة بين مجلة وصحيفة، اعتبرها، أي المشاركات بذاك الكم من المقالات، نوعا من «المشاركة في الاجتهاد وبالتالي تحقيق فوائد لمجتمعه».

ويرى الشيخ العمري، أن «الناس باتت تختلف مقاصدهم، وكثر المال، ففي السابق كنا نعمل دون مقابل ودون أجر، بل إننا كنا نتعرض للأذى، لكن كنا نخفي ذلك». كانت مفارقة بين زمنين، أو بين حقبتين زمنيتين في السعودية، فمع الاختلاف في الأدوات، إلا أن الإعلام يظل حاضرا في تقرير مصير حياة يعيشها البشر في أي بقعة بأرجاء المعمورة.

العمري في نهاية المطاف، ينظر له ويشار إليه بالبنان كأحد أهم الشواهد على التاريخ السعودي الماضي والحديث، وعلى قيام الدولة السعودية التي باتت أحد أهم الأساسات في الوطن العربي بل والعالم بأسره.