الموسم الدراسي في تونس.. هواجس الأمن والغلاء وافتقاد بعض الكتب

كتب «التربية المدنية» تم تطهيرها من دروس النظام القديم

تمتلئ المكتبات في تونس هذه الأيام بالراغبين في شراء الكتب والأدوات والحقائب المدرسية («الشرق الأوسط المدرسية»)
TT

يعود آلاف الطلبة التونسيين هذا العام إلى مقاعد الدراسة في ظروف استثنائية، فلأول مرة تخلو المناهج الدراسية من الحشو السياسي الباحث عن الولاء المصطنع من خلال ملئ الكتب الدراسية ولا سيما كتب مادة «التربية المدنية» بصور ومناقب مزيفة للمخلوع، وبالتالي وكما يقول الكثيرون لا تحمل أي صدقية أدبية أو وجود طبيعي في الواقع الموضوعي.

وهناك أكثر من مليوني طالب وطالبة سيؤمون المؤسسات التعليمية في الموسم الدراسي 2011- 2012 منهم أكثر من مليون طالب وطالبة في المدارس الابتدائية، وأكثر من مليون طالب وطالبة بالمرحلة الإعدادية والثانوية، سيشرف عليهم أكثر من ألف معلم بالمؤسسات التربوية الابتدائية، وأكثر من 100 ألف أستاذ.

وقد بدأ التونسيون في شراء ما يحتاج إليه أبناؤهم من لوازم مدرسية، قبل بدء الموسم الدراسي الذي سيكون الأربعاء 15 سبتمبر (أيلول)، حيث تمتلئ المكتبات منذ عدة أيام وحتى الأسابيع بالراغبين في شراء الكتب والكراسات والأقلام والحقائب المدرسية وغيرها من اللوازم المدرسية، وسط شكاوى من غلاء المواد المدرسية وافتقاد بعض الكتب وأنواع من الكراسات، وذلك قبل أقل من أسبوع من بدء الموسم الدراسي الجديد.

وقال صاحب «مكتبة العجرة»، بشير العجرة، لـ«الشرق الأوسط» إن «الأدوات المدرسية متوافرة، والأسعار كما هي في العام الماضي حيث لم تتم زيادات في أسعار المواد المدرسية، وهناك تخفيض في الحقائب بنسبة 10 في المائة، وفي باقي الأدوات المدرسية 5 في المائة. وهناك إقبال كما ترون، والأمور تسير في أحسن الظروف». وأوضح العجرة أن الكتب والأدوات المدرسية حافظت على الدعم الذي كانت تلقاه من الدولة هذا الموسم والإقبال موجود والحرفيون مبتهجون ويتمنون سنة دراسية موفقة. ودعا العجرة وبروح وطنية عالية كل التونسيين لـ«وضع اليد في اليد من أجل موسم دراسي ناجح.. وتحيا تونس».

ونفى العجرة وجود نقص في الكتب المدرسية والكراسات والمواد المدرسية الأخرى قائلا «كل شيء متوافر والزبائن يعودون ومعهم كل ما يطلبونه بكل سرور رغم صعوبات الحياة وتكاليف المعيشة». وواصل «الابتهاج موجود والتفاؤل موجود إن شاء الله». وأكد العجرة على خلو كتب «التربية المدنية» من المواد التي تمجد النظام السابق قائلا «كتب (التربية المدنية) تم تطهيرها من دروس النظام القديم، وما عدا ذلك لم يتم أي تغيير»، كما أعرب عن أمله في أن «تتجاوز تونس هذه الظروف المتوترة وتنتقل إلى بر الأمان من خلال انتخابات حرة وشفافة»، وتطرق بشير العجرة إلى الممارسات السابقة للنظام المنهار قائلا «80 في المائة من الكتب كانت ممنوعة ولا سيما السياسية والإسلامية، ولكن ذلك يزيد من انتشارها وتزيد تلك الممارسات من رغبة الناس في قراءة تلك الكتب»، وأشاد العجرة بأصحاب المكتبات الذين يوفرون الكتب السياسية والفكرية للقراء، راجيا أن يكونوا «ساهموا في تقدم تونس، لذلك أجدد دعوتي للجميع إلى أن نضع اليد في اليد لنخرج من الشرنقة إلى الحرية ومن الاستبداد إلى الديمقراطية».

لكن زبائن كثيرين لا يشاطرون بشير العجرة تقويمه للموقف ولا سيما الأسعار رغم احتفاظها بنفس أرقام الموسم الدراسي الماضي. وقال عامل «مطافي» يدعى منير «لدي ولدان أحدهما في السنة الثالثة من التعليم الابتدائي وابنة ستدخل هذا الموسم للدراسة». وتابع «لا أعتقد أن ما لدي من مال سيفي بحاجيات ابني وابنتي، وعندما تنتهي أموالي سأعود إلى البيت وليس أمامي أي خيار آخر»، وأردف «ظروف صعبة والأسعار غالية». كانت أسعار الحقائب المدرسية متفاوتة في ذلك الشارع الذي غالبا ما يكون مكتظا بالمارة، وهي بين 6.500 دينار (3.250 يورو) و10.00 دينارات (5 يوروات)، و18 دينارا (9 يوروات).

مصدر أمني قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك مخاوف لدى الكثير من الأولياء وخشية على أبنائهم في ظل الظروف الأمنية»، وتوقع أن تكون العودة المدرسية مؤشرا أمنيا قائلا «ربما تمثل العودة المدرسية ترمومترا (محرار) للوضع الأمني في البلاد»، وتابع «ربما هناك من يريد إفساد الانتخابات المقررة في 23 أكتوبر (تشرين الأول) من خلال إفشال الموسم الدراسي سواء تعلق الأمر بافتقاد بعض الكتب والأدوات المدرسية، أو إثارة بعض الشغب والجنح في المدارس على غرار الفتن العروشية (القبلية) التي شملت مناطق وسط وجنوب البلاد بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني)». وأردف «نأمل ألا ينجر بعض الطلبة إلى مخططات البعض بجر البلاد إلى الهاوية وتأجيل الانتخابات أو تحريفها عن مسارها عن طريق الإضرابات والتكسير وما شابه ذلك».

عدد من الطلبة الذين التقتهم «الشرق الأوسط» أعربوا عن استعدادهم للعودة إلى الدراسة، والدفاع عن حقهم في التعليم، وأكدوا على أنهم مستعدون لتشكيل «لجان لحماية الموسم الدراسي، على غرار لجان حماية الثورة والأحياء السكنية لمواجهة الخروقات الأمنية من أي طرف أو جهة كانت»، بينما أشار بعض الأولياء إلى أنهم سيرافقون أبناءهم إلى المدارس الابتدائية حتى يتأكدوا من سلامة الوضع الأمني.

العودة إلى الدراسة هذا العام رافقتها نقاشات حول الحرية في الفضاءات التعليمية، بما أن الثورة رفع للوصاية عن الناس، ووقف نهائي لسياسات تكدير الجو التعليمي، وهو ما كان سائدا في الفترة الممتدة بين 1957 و13 يناير 2011. ويتذكر الكثيرون ما سعى البعض لتكريسه في أعقاب الثورة عندما حاولوا منع تكريم الطلبة المتفوقين من قبل أحزاب ومنظمات المجتمع المدني باعتبار أن ذلك حكر على وزارة التعليم، وكانت تلك محاولة كما يقولون لاستمرار تعليب كل شيء في تونس، بينما «الثورة ساحات للتنافس في خدمة تونس». وقال أستاذ التعليم الثانوي مراد السايحي لـ«الشرق الأوسط»: «العودة المدرسية في تونس هذا الموسم تختلف عن سابقاتها، حيث لن تكون هناك وصاية على الطلبة، لن يجبر المدير والأستاذ على طرد طالب أو طالبة من المتفوقين في دراستهم، بذنب أنهم لا يخضعون للقوالب التي وضع فيها التونسي لأكثر من نصف قرن سواء تلك التي تعلقت باللباس أو بمفاهيم السلوك». وأطنب السايحي في شرح معاناة آلاف الطلبة والطالبات، ولا سيما المحجبات، في الحقبة الماضية التي سبقت الثورة قائلا «الثورة كانت عملية تحررية، فالتحرر الحقيقي يكون في التحرر من الكثير من المفاهيم السائدة عن التحرر»، وأردف «بعض المفاهيم أصبحت قيودا تعرقل سيادة التعليم والثقافة وتخرق قيم الخصوصية وتمسخ الشخصية، فقد تحولت إلى محاكاة وتقليد أكثر من أي شيء آخر»، ويطالب السايحي بتغيير مناهج «التربية الوطنية» واعتبار «الاحتلال الفرنسي احتلالا وليس حماية كما كان يروج لأكثر من نصف قرن من بعض القنوات السياسية والتعليمية والإعلامية».