جوانب جديدة من شخصية أشهر سيدة أولى بأميركا في كتاب

جاكلين كيندي.. أرملة حديثة في منتصف الثلاثينات عازمة على كتابة أفكارها للتاريخ

صورة أرشيفية لجاكلين كيندي التقطت في عام 1961 بعد اغتيال زوجها جون إف كيندي ببضعة أشهر (أ.ف.ب)
TT

هل يمكن أن يكون هناك جانب جديد لم يعرفه العالم عن شخصية جاكلين كيندي، يبدو ذلك صعبا، فجاكلين كينيدي أو جاكي أو كا، عرفت لاحقا كانت ولا تزال مادة خصبة وجذابة للإعلام، فهي سيدة أولى ما زالت تلقي بظلالها على كل سيدة تدخل البيت الأبيض، هناك أيضا الأناقة الهادئة التي ميزت جاكي، والتي لا تزال تلهم المصممين وعالم الأزياء. ولكن فيما يبدو هناك جانب من جاكلين كيندي لا يعرفه عنها سوى أصدقائها وأسرتها، فهي مرحة وفضولية، وحكيمة وحاسمة حسبما جاء في كتاب «جاكلين كيندي: مناقشات تاريخية حول الحياة مع جون كيندي». ففي الكتاب الذي عرضته «أسوشييتد برس» فإن جاكلين كيندي لم تكن السيدة الأولى السابقة ولم تكن قد أصبحت بعد سيدة شهيرة، كما كانت في أواخر الستينات، أو محررة أدبية، كما كانت في السبعينات والثمانينات. ولكنها أيضا لم تكن تشبه في شيء نجمة عالم أزياء معسولة الكلام، كما كانت في السنوات الثلاث السابقة. فقد كانت في تلك الفترة أرملة حديثة في منتصف الثلاثينات، ولكن دموعها كانت قد جفت، وكانت عازمة على كتابة أفكارها للتاريخ.

ولذا فقد اجتمعت كيندي بالمؤرخ والمساعد السابق في البيت الأبيض آرثر شليزنغر الابن، في منزلها بواشنطن، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، في نهاية ربيع وبداية صيف عام 1964. وبينما هي في منزلها، مسترخية وتشعر بالراحة، كما لو كانت تستقبل ضيفا لتتناول معه شاي ما بعد الظهيرة، أخذت تتحدث عن زوجها والوقت الذي قضياه معا في البيت الأبيض. ومن آن لآخر كان طفلا كيندي الصغار، كارولين وجون الابن، يطلان برأسيهما. ويستطيع المرء سماع صوت اهتزاز مكعبات الثلج في أكواب الشراب، في الأشرطة المرفقة بالكتاب. لقد كان من المقرر أن تظل تلك الأشرطة سرية لعقود، وكانت من بين الوثائق الأخيرة التي تحوي أفكارها الخاصة، فهي لم تكتب مذكراتها، وقد أصبحت أسطورة بفضل أمور لا نعرفها عنها.

الكتاب نشر أمس (الأربعاء) في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية الـ50 للعام الأول من فترة رئاسة كيندي.

وقد توفيت جاكلين كيندي في عام 1994، بينما توفي شليزنغر في عام 2007. وفي عام 1964 لم يكن أحد يتخيل حجم التغير الذي سيحدث في العالم، أو التغير الذي سيطرأ على جاكلين كيندي نفسها. ولكن في الوقت الذي تمت فيه هذه المناقشات كان لا يزال يطلق على السود (الزنوج)، وكانت المدافعات عن حقوق النساء لا يزلن موضع شك، حتى في نظر امرأة مثقفة مثل جاكلين كيندي، والتي وافقت، بعد عقد من الزمان، على إجراء مقابلة مع مجلة «مسز»، التي تملكها غلوريا ستاينم. وتعيب كارولين كيندي، في مقدمة الكتاب، على شليزنغر أنه لم يطرح سوى عدد قليل جدا من الأسئلة عن والدتها.

وكما يشير المؤرخ مايكل بيشلوس في المقدمة، فقد كانت جاكلين كيندي فيما مضى على استعداد لتقبل فكرة أن الزوجة تعرف من خلال الحياة المهنية لزوجها، وأنها كانت قلقة من دخول المرأة «العاطفية» مجال السياسة. لقد كانت تستمع بكون زوجها «فخورا بها»، ولم تكن ترى سببا لأن يكون لديها رأي سياسي يختلف عنه، وكانت تضحك من «النساء الليبراليات العنيفات» اللاتي كن يكرهن جون كيندي، ويفضلن عليه أدلاي ستيفنسون الأكثر ضعفا.

وقالت: «كان جاك يطلب الكثير من المرأة، فهو كان يؤمن بأن الرجل ينبغي أن يكون القائد، وأن المرأة ينبغي أن تكون الزوجة المطيعة التي تتطلع لزوجها باعتباره نموذجا، وأن هذا هو الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، بينما مع أدلاي كان شكل العلاقة سيختلف، حيث كان سيتحدث بلطف، ويسمح لزوجته بالحديث، ولكنها لم تكن أبدا، لقد كنت دائما أعتقد أن النساء اللاتي كن يخشين الجنس كن يحببن أدلاي».

ولا تكشف مناقشات شليزنغر عن أسرار مهمة، كما لا يوجد بها أي شيء تقريبا عن اغتيال جون كيندي، فقد كان لا بد من مرور عدة سنوات، قبل أن يتمكن الرأي العام من معرفة المشكلات الصحية لكيندي وشؤونه الزوجية، وقبل أن يتمكن أمثال شليزنغر من المساعدين، الذي غالبا ما كان يقول إنه لم ير أي «عاهرة» في أروقة البيت الأبيض، من معرفتها. وتتحدث جاكلين كيندي بحماس عن زوجها طوال الوقت، في هذه المناقشات، مشيرة إلى أنه كان يتسم بالحيوية والإدراك الحاد وتخلو نفسه من الأحقاد، حيث كان يترك هذه المهمة لزوجته والآخرين ليقوموا بها.

وكان لدى آل كيندي، مثل أي أسرة قوية، علاقات معقدة مع أولئك الذين كانوا يشاركونهم حياتهم على القمة، فهم كانوا يقدرون الولاء والبصيرة والإبداع. وكذلك كانوا يكرهون البلادة والتردد وتعمد لفت الأنظار للذات، حتى بين بعضهم البعض.

وقد استبعدت جاكلين كيندي الفكرة القائلة إن الابن الأكبر لكيندي، جوزيف الابن، سيكون هو الرئيس لو أنه لم يقتل في الحرب العالمية الثانية، حيث قالت: «كان سيفتقر للخيال، مقارنة بجاك». كما أنها قارنت بين نزاهة روبرت كيندي، شقيق الرئيس والنائب العام، ونيات زوجة أخيه يونيس كيندي شرايفر. وطلب روبرت من جون كيندي عدم تعيينه في منصب النائب العام، خشية أن يتهم بالمحاباة، بينما كانت يونيس كيندي في الوقت نفسه تتوق إلى رؤية زوجها، سارجنت شرايفر، وزيرا للتربية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

وقالت لشليزنغر: «كانت يونيس تضايق جاك بإلحاحها المستمر لتعيين سارجنت وزيرا للتربية والتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، لأنها أرادت أن تكون زوجة وزير، وهذا الأمر يوضح لك أن بعض الناس كان لديهم طموح شخصي، بينما لم يكن بوبي كذلك».

وتعني السياسة التعامل مع الناس الذين قد تتجنبهم لو اختلفت الظروف، وبهذا المفهوم تكون جاكلين كينيدي قد مارست الكثير من السياسة، فقد تحملت تناول العشاء مع الصحافيين وأعضاء الكونغرس الذين كانوا ينتقدون زوجها. ووصفت وزير العمل، آرثر غولدبرغ، بأنه «رائع» ولكنها أضافت أنه كان «يتحدث عن نفسه أكثر من أي رجل قابلته في حياتي».

كان ثيودور سورنسين، كاتب الخطابات في البيت الأبيض، يعاني من «عقدة الشعور بالدونية»، وكان «آخر شخص تود أن تدعوه في الليل». وأشارت إلى تشارل دي غول التي فتنته خلال زيارتها إلى باريس واصفة إياه بـ«الأناني» و«الماكر». ووصفت أنديرا غاندي، التي أصبحت فيما بعد رئيسة وزراء الهند، بالمرأة «القاسية اللحوحة الفظيعة».

لكنها كانت قاسية للغاية على ليندون جونسون الذي كان ينافس زوجها بشراسة خلال انتخابات الرئاسة عام 1960 والذي أصبح نائب الرئيس في إطار حسابات صعبة بات كيندي يعرف بها. كان جونسون من ولاية تكساس وكان الديمقراطيون بحاجة إلى رجل من الجنوب لعمل توازن. بمجرد توليه المنصب أدى فرض جونسون لأسلوبه الشخصي وتردده للتعبير عن آرائه خلال اجتماعات الإدارة إلى عزلته عن أفراد أسرة كنيدي، الذين كانوا يسخرون من لكنته وطريقته، بينما كان يشعر بالازدراء تجاههم وتجاه خريجي جامعة هارفارد الذين كان يعتقد أنهم ينظرون إليه نظرة دونية. غادر الكثير من كبار المساعدين الإدارة بعد اغتيال كيندي. وأصبح روبرت كيندي منتقدا لجونسون كرئيس ونافسه في سباق الفوز بالترشيح عام 1968. وتتذكر جاكلين: «لقد قالها لي جاك مرارا: هل تتصورين ما الذي يمكن أن يحدث للبلد إذا تولى ليندون منصب الرئاسة؟ وأخبرني بوبي بأنه ناقشه وقال إن علي القيام بأي شيء لترشيح شخص آخر عام 1986». لقد وصف المؤرخون الرئيس كيندي بأنه «غير عاطفي» و«يكتم مشاعره». لكن تتذكر أرملته أنه كان يرقد على الأرض مع أطفاله ويشاهد مدرب اللياقة البدنية جاك لالين على شاشة التلفزيون. لقد كانوا يقلدون ما يقوم به لالين من حركات وكانت أصابع قدم الرئيس تلامس أصابع قدم أبنائه. وتقول إنه كان يحب أن يرى أطفاله يقفزون حوله. كانت أكثر اللحظات حميمية معه أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 عندما بدا أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على شفا حرب نووية. لقد كانت ترقد إلى جانبه عندما كان يغفو قليلا وتسير معه في حديقة البيت الأبيض دون أن يتحدثا كثيرا. وقتها أبعد بعض المسؤولين حينها زوجاتهم، لكن السيدة الأولى رفضت، وأخبرته بأنه إذا سقطت قنابل نووية فهي تود أن تكون معه.