عارضو أزياء من الجنسين في السعودية يحلمون ببلوغ العالمية

رغم بعدهم عن الأضواء وفلاشات الكاميرات للهروب من قيود المجتمع

السعودية سهام أبو راس التي تعمل في التدريس والتدريب على عرض الأزياء وعارض الأزياء السعودي محمود سعد («الشرق الأوسط»)
TT

بعيدا عن فلاشات الكاميرات، وعلى غرار عروض الأزياء العالمية وصخب الموسيقى الأجنبية، ووسط تصفيق الحضور في القاعات المغلقة، يمارس مجموعة من الهواة والمحترفين مهنة عرض الأزياء في السعودية، حيث رأوا أن غيابهم عن الإعلام كان سببا في تأخير وصولهم إلى العالمية، خصوصا أن البعض منهم يملك المقاييس والموهبة التي تؤهله لخوض تلك التجربة.

محمد الفاهوم، شاب سعودي ذو الـ28 ربيعا، يمارس عرض الأزياء داخل وخارج السعودية منذ 12 عاما، إلى جانب عمله الأساسي في نظم المعلومات، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن عرض الأزياء كانت هواية في نفسه منذ الصغر، وأحب الفكرة من أحد المقربين، فقبلها، وعزز ذلك حبه لمجال الإعلام والتلفزيون.

ومن واقع خبرته، يؤكد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «نظرة الناس العامة إلى مهنة عرض الأزياء تحسنت وباتت أفضل مما كانت عليه في الماضي، وتحديدا خلال السنتين الماضيتين، فهناك مساع من بعض المصممين السعوديين الذين يعملون جاهدين لتغير الصورة النمطية عن عارضين الأزياء العرب، خصوصا السعوديين، من خلال اصطحابهم للخارج لمشاهدة عروض أزيائهم العالمية».

هذا الأمر يجعل الفاهوم يتنبأ بزيادة عارضي وعارضات الأزياء العرب خلال السنوات المقبلة، إلى جانب أن 60 في المائة من شباب وشابات الإعلانات التلفزيونية من السعوديين، في وقت لم تغفل فيه نظرة البعض تجاه عارضي الأزياء الذكور تحديدا، الذين يرون أن هذه المهنة أو الهواية لا تصلح إلا للنساء أكثر من الرجل، باعتبار أنها تقلل من رجولة الرجل، طبقا لنظرتهم. لكنه استدرك بأن انحصار أماكن عروض الأزياء وانغلاقها وابتعادهم كعارضين للأزياء عن فلاشات الكاميرات، من شأنه أن يؤخرهم في الوصول إلى العالمية، لا سيما أن المؤهلين من عارضي الأزياء هم نسبة ضئيلة، والباقيين يحتاجون إلى تدريب وتطوير لمهارتهم أكثر، وإلى شركات تتبناهم في مجال العرض.

ولعل غياب الجهات التي تحمي حقوق عارضي الأزياء في السعودية أبرز ما يؤرقهم ويجعلهم لا يشعرون بالأمان في هذه المهنة، إلى جانب أن أجر عارض الأزياء يختلف باختلاف الجهات التي يتعامل معها، فالبعض هو من يحدد أجره استنادا لخبرته وشهرته، والبعض لعلاقته بصاحب الشركة، ولكل شخص طريقته، خصوصا أن العقود تكون بتسميات بعيدة عن تسمية «عارض أزياء».

ويوافقه الرأي زميله عارض الأزياء محمود سعد، ويرى أن عدم اعتراف المجتمع والجهات المعنية بعرض الأزياء كمهنة قانونية غيب الأنظمة التي تحمي حقوقهم، لافتا إلى أن هناك بعض الشركات تتعمد هضم حقوق عارضي الأزياء، مؤكدا أنه لا يوجد أي ضمان للحقوق المادية للعارض، على عكس عارضي الأزياء في الخارج.

ويزيد بقوله: «إن بعض شركات (البرودكشن) أي الشركات المخولة بالتواصل مع عارض الأزياء والاتفاق معه، قد فاقمت من الأمر، وذلك من خلال أخذ مبالغ طائلة من المصمم أو صاحب المنتج، وإعطاء عارض أو عارضة الأزياء مبالغ زهيدة، بالإضافة إلى أن البعض يماطل في أعطاء تلك المبالغ أيضا التي تعتبر من حقوقهم».

ويستذكر أن أول مرة قام بالمشاركة في تسجيل فيديو كليب لم يتقاض مقابله أي أجر مادي، بل اكتفت الشركة المنتجة بمنحه شهادة خبرة، لافتا إلى تغير الوضع حاليا، وأصبح تقبل الناس لهذه المهنة أكثر من قبل، بل على العكس، فهناك من يسأل كيف يستطيع أن يلتحق بهذه المهنة، في وقت تنحصر به عروض الأزياء في السعودية في عروض الأشمغة والثياب الرجالية.

ولفت في حديثه إلى ضرورة إنشاء معاهد متخصصة لتطوير إمكانية «الموديل العربي» في السعودية، أو على الأقل تقديم دورات متخصصة في هذا المجال، الذي يطمح هو ورفاقه باحترافه على أعلى المستويات والوصول به إلى العالمية.

وتشاركه الحلم سارة عوريف (22 عاما) التي تؤكد دعم أسرتها لها بقولها: «كانت بداياتي من خلال أحد المجلات السعودية منذ 4 أعوام، وإن الوضع الآن اختلف كثيرا، وحتى معاملة الشركات والمصممين مع عارضي الأزياء تحسنت، فعرض الأزياء مثله مثل أي مهنة تواجه ممتهنها صعوبات ومشاكل».

رأي عارضة الأزياء السعودية سارة عوريف لا يختلف كثيرا عن سابقاتها، حول إمكانية وصول البعض منهن إلى العالمية، في ظل امتلاكهن المؤهلات والمقاييس، وإن بعدهم عن الكاميرات والتصوير كان سببا في تأخير وصولهم إلى حلمهم، مؤكدة في حديثها أن جمال العارضة ليس سببا كافيا للوصول إلى العالمية، وأن عرض الأزياء بالدرجة الأولى موهبة، ولا بد للعارضة من أن تتحلى بقوة الشخصية، وتعمل على تطوير موهبتها بالتعليم والتدريب، اللذين بطبيعة الحال سوف يصقلان لها موهبتها.

وتضيف: «لا يمتلك جميع العارضات السعوديات المقومات والمقاييس الأوروبية، وعلى الرغم من ذلك فإن أي فتاة تمتلك الموهبة والهواية، سوف تستطيع عرض ما يعرض عليها من أزياء، لكن مع قليل من الممارسة».

سهام أبو رأس، فتاة إعلانات تلفزيونية ومدربة عارضات أزياء حاليا، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «على الرغم من اختلاف مقياس عارضات الأزياء لدينا نوعا ما عن عارضات الأزياء العالميات، فإن هذا لا يعني أننا لا نملك أي مقياس يؤهلنا للوصول إلى العالمية، التي هي بطبيعة الحال حلم أي عارضة تدخل هذا المجال، خصوصا أن هناك بعض الفتيات يملكن الموهبة لخوض التجربة العالمية، وإن الفتاة السعودية تستطيع أن تعرض جميع الموديلات والأزياء».

وتعتبر أن المشكلة الوحيدة التي تعرقل طريق العارضات السعوديات إلى العالمية، هي بعدهن عن التغطيات الإعلامية، وتحديدا فلاشات الكاميرات، معللة ذلك بقولها: «حتى وإن وجدت التغطيات الإعلامية، فهي غالبا ما تكون للمصمم أو الحفل بشكل عام دون تسليط الضوء على العارضات، اللاتي بطبيعة الحال يفضلن الابتعاد عن أضواء الكاميرات، إما حفاظا على الخصوصية، أو نزولا عند رغبة الأسرة».

إلا أنها استدركت بالقول: «ليست تلك هي المشكلة الوحيدة، فمشكلة عدم وجود تصريح لعروض الأزياء في السعودية بشكل عام، وعدم تقبل بعض الأهالي لتلك المهنة أيضا كان سببا في تأخير الفتاة السعودية للوصول إلى العالمية، إلى جانب أن المجتمع السعودي رسخ صورة نمطية عن عروض الأزياء والعاملين بها، وهناك ضرورة لزيادة أجور عارضات الأزياء، خصوصا أن شركات (البرودكشن) هي التي تحدد أجور (الموديل)، التي غالبا ما تتراوح بين 1500 و2500 ريال فقط».

وعلى الرغم من هالة الخصوصية التي تحيط بمجال عارضات الأزياء السعودية، وتذبذب تقبل الأسر لها، ترى أبو رأس عدم إمكانية أن تشارك أي فتاة في أي عرض أزياء دون تصريح موافقة من ولي أمرها، مفاده بأنه لا يمانع أن تشارك ابنته في عرض الأزياء، حيث غالبا تتراوح أعمارهن بين 18 و25 عاما.