كومبيوتر بيولوجي انتقائي لتدمير الخلايا السرطانية

من خلال شبكة تشخيص إلكترونية حيوية مدمجة بالخلايا البشرية

من بين تحديات وآمال العلماء للقضاء على مرض السرطان، توفير تقنيات وأساليب علاجية جديدة، تتمكن مبكرا من تتبع مؤشراته والقضاء عليه (رويترز)
TT

من بين تحديات وآمال العلماء للقضاء على مرض السرطان، توفير تقنيات وأساليب علاجية جديدة، تتمكن مبكرا من تتبع مؤشراته، وتدمير الخلايا السرطانية في الوقت المناسب ومن دون الإضرار بالخلايا السليمة.

ومن بين التوجهات العلمية الواعدة لتحقيق ذلك، استخدام أجهزة الكومبيوتر البيولوجية، وهي أنواع خاصة من الكومبيوترات الصغيرة (ميكروكومبيوتر)، صممت خصيصا لاستخدامها في التطبيقات الطبية، وتستعين بمواد بيولوجية مثل الحمض النووي أو البروتينات للقيام بمهام مبرمجة. وجهاز الكومبيوتر البيولوجي، قابل للزرع في جسم الإنسان، ويستخدم لأداء مهام معينة على المستوى الجزيئي أو الخلوي، مثل مراقبة أنشطة الجسم، أو إحداث تأثيرات علاجية.

ففي خطوة علمية هائلة تحمل آمالا واعدة في التوصل لسبل جديدة لمواجهة مرض السرطان، تم الإعلان مؤخرا خلال شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، عن تمكن باحثين بقيادة كل من البروفسور رون ويس من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي، والبروفسور ياكوف بينينسون من المعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ، من استخدام جهاز كومبيوتر بيولوجي لتدمير الخلايا السرطانية، حيث تمكنا بنجاح من دمج شبكة تشخيص كومبيوترية بيولوجية في الخلايا البشرية، يمكنها أن تتعرف على الخلايا السرطانية، من خلال استخدام تركيبات منطقية معينة من خمسة عوامل جزيئية نوعية محددة للسرطان، يمكنها تتبع وتدمير الخلايا السرطانية، دون الإضرار بالخلايا السليمة.

وقد أمضى البروفسور ياكوف بينينسون أستاذ البيولوجيا التركيبية في معهد زيوريخ للتكنولوجيا، جزءا كبيرا من حياته المهنية في تطوير كومبيوترات بيولوجية تعمل في الخلايا الحية، يمكنها أن تكشف عن الجزيئات الحاملة للمعلومات المهمة الخاصة بالخلية السليمة، والاستفادة من هذه المعلومات لتوجيه الاستجابة العلاجية المناسبة عند العثور على الخلية غير الطبيعية، وقد استطاع ياكوف بالتعاون مع فريق من علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، من إنجاز خطوات كبيرة نحو بلوغ هذا الهدف.

ففي الدراسة التي نشرتها مجلة «ساينس» الأميركية الشهيرة، في عدد 2 سبتمبر الحالي، يصف الباحثون، دائرة تركيبية متعددة الجينات، تتمثل مهمتها في التمييز بين الخلايا السرطانية والخلايا السليمة، وهدفها لاحقا تدمير الخلايا السرطانية. وتعمل هذه الدائرة من خلال أخذ عينات من 5 عوامل جينية محددة خاصة بمرض السرطان، ودرجة تركيزها، بما يضمن تحديد الخلايا السليمة والسرطانية بدرجة عالية الدقة. وتظهر الدائرة تحديدا إيجابيا، عندما تكون جميع هذه العوامل المحددة للسرطان موجودة في الخلية، والنتيجة هي كشف دقيق للغاية للخلايا السرطانية.

وقام الباحثون، باختبار «شبكة الجينات» (gene network)، في نوعين من الخلايا البشرية المستزرعة، أحدهما هي خلايا سرطان عنق الرحم، ويطلق عليها «هيلا» (HeLa cells)، والأخرى خلايا طبيعية سليمة، وحين أدخلت أنواع الخلايا المختلفة في جهاز الكومبيوتر البيولوجي الجيني، قام الجهاز بتدمير خلايا سرطان عنق الرحم (هيلا)، بينما لم يقترب من الخلايا الأخرى السليمة. يقول بينينسون، بأننا «لا نزال بعيدين جدا عن طريقة العلاج الوظيفي الكامل للبشر من مرض السرطان، ولكن مع ذلك هي خطوة أولى مهمة تثبت جدوى هذا الأسلوب التشخيصي الانتقائي على مستوى خلية واحدة».

جدير بالذكر أن تقنية أجهزة الكومبيوتر البيولوجية، تتكون من الحمض النووي الريبي (آر إن إيه RNA) (الذي يعد جزءا مهما في تخليق البروتينات من الأحماض الأمينية)، والحمض النووي الديوكسي الريبي منقوص الأكسجين (دي إن إيه DNA) والبروتينات.

وتتمثل الميزة الرئيسية لأجهزة الكومبيوتر البيولوجية، عن التقنيات الأخرى، في إمكانية العلاج الانتقائي للخلايا في الجسم البشري، حيث يمكن للطبيب من خلالها التركيز فقط على إيجاد علاج للخلايا التالفة أو المتضررة أو المريضة السرطانية بجسم المريض، ودون التسبب بأضرار لغيرها من الخلايا الطبيعية السليمة. كما يمكن لأجهزة الكومبيوتر البيولوجية إجراء عمليات حسابية بسيطة، يستخدمها الباحثون في بناء نظام أو مجموعة من أجهزة الاستشعار البيولوجية التي لديها القدرة على الكشف عن الهدف أو أنواع معينة من الخلايا في جسم المريض، ويمكن أن تستخدم هذه الأجهزة في تنفيذ عمليات محددة الهدف، يمكن أن توفر سبل الإجراءات الطبية وفقا لتعليمات الطبيب، الأمر الذي يسرع من شفاء المرضى.

فمن خلال استخدام أجهزة كومبيوتر بيولوجية صغيرة مزروعة في الجسم، يمكن الكشف بسهولة عن الإشارات الخلوية وترجمتها وفهمها باستخدام معدات وأدوات مختبرية وطبية. كما يمكن للطبيب أو الباحث ومن خلال معادلات منطقية، استخدام أجهزة الكومبيوتر البيولوجية بسهولة للتعرف على جميع أنواع النشاط الخلوي وتحديد ما إذا كان هناك نشاط معين ضار أم لا. وتشمل الأنشطة الخلوية التي يمكن لأجهزة الكومبيوتر البيولوجية الكشف عنها، الجينات المتحولة وجميع الأنشطة الأخرى للجينات الموجودة في الخلايا. وتعمل أجهزة الكومبيوتر البيولوجية في الجسم مع مختلف الإشارات الداخلة والخارجة، وتتمثل المدخلات الرئيسية لأجهزة الكومبيوتر البيولوجية في بروتينات الجسم، والحمض النووي الريبي (آر إن إيه) والمواد الكيميائية النوعية الأخرى الموجودة في سيتوبلازم الجسم البشري، ويمكن الكشف عن مخرجات هذه الأجهزة باستخدام معدات وأدوات المختبرات.

يذكر أن شركة «مايكروسوفت» العالمية لبرامج الكومبيوتر، تقوم حاليا بدراسة الأنظمة البيولوجية من خلال نماذج كومبيوترية، فمن خلال مجموعة بحثية بعنوان «الحسابات البيولوجية»، تقوم بالكشف عن المبادئ الأساسية للحسابات البيولوجية، للتعرف على المقصود بحساب الخلايا وكيفيته وأهميته وقدرة الجزيئات البيولوجية على الحساب والمعالجة المنطقية؟، حيث تركز في المقام الأول على تطوير تقنيات كومبيوترية جديدة للنمذجة متعددة النطاقات، بدءا من الجزيئات إلى الخلايا إلى الأنظمة، وذلك من خلال ثلاثة مجالات رئيسية هي: أساسيات الكومبيوترات البيولوجية (في علم المناعة وعلم الأعصاب وعلم البيولوجيا (الأحياء) النمائي الذي يدرس التحكم الجيني بنمو الخلايا والتمايز الخلوي وكيفية تكون الأنسجة والخلايا وكامل بنية الجسم)، وحياة البرمجة، ومعيشة برامج السوفت وير. كما تدرس الشركة عبر مجالات متعددة، حوسبة الحمض النووي والبيولوجيا التركيبية، من خلال علم البيولوجيا النمائي وعلم المناعة، ومعالجة مسائل علمية أساسية في كل مجال.

وتشمل المشاريع الحالية للشركة، تصميم الدوائر الجزيئية المصنوعة من الحمض النووي (دي إن إيه) وبرمجة الخلايا الواحدة التي تتعاون لأداء مهام معقدة مع مرور الزمن، وذلك بهدف فهم حسابات الخلايا التي تؤديها خلال نمو العضو، وكيفية تكيف النظام المناعي للكشف عن الفيروسات والسرطان في جسم الإنسان، مع التركيز على الآليات والوظائف، ويتم معالجة كل هذه القضايا والمسائل من خلال تطوير نماذج وأدوات حسابية محددة النطاق.

ويمكن استخدام أجهزة الكومبيوتر البيولوجية، في مختلف التطبيقات الطبية، وبخاصة الحاجة للتقييم والعلاج بين الخلايا، وخصوصا في رصد النشاط بين الخلايا، بما في ذلك تحور الجينات.

ويأمل الباحثون أن تكون هذه الكومبيوترات البيولوجية أساسا لعلاجات محددة ودقيقة للغاية وبخاصة في مكافحة مرض السرطان، من خلال تتبع مؤشرات المرض وإطلاق العقار اللازم للعلاج داخل جسم المريض في المكان والتوقيت المناسبين.