مقر جديد للملحقية الثقافية السعودية في قلب باريس

معرض تشكيلي وندوات وترجمات ومجلة وآلاف الطلاب المبتعثين

مبنى الملحقية
TT

بحضور وزير التعليم العالي في السعودية الدكتور خالد بن محمد العنقري وسفير خادم الحرمين الشريفين لدى فرنسا، محمد بن إسماعيل آل الشيخ، شارك إعلاميو العاصمة الفرنسية ومثقفوها في تدشين المقر الجديد للملحقية الثقافية السعودية في باريس. ويحتل المبنى الجديد موقعا فسيحا مميزا في قلب العاصمة الفرنسية ويتمتع بقاعات مجهزة بكل التقنيات الحديثة اللازمة لحركة علمية وثقافية ذات تطلعات حضارية متكاملة.

وفي أول نشاط لها بعد افتتاح مقرها الجديد، دعت الملحقية إلى افتتاح معرض الفنانين نجلاء محمد السليم وعبد الرحمن السليمان، مساء الغد. ويقف الفنانان في طليعة التشكيليين السعوديين الذين تجاوزت سمعتهم محيطهم المحلي وأقاموا معارض كثيرة في عواصم عربية وأجنبية.

وتثير لوحات الفنانة نجلاء السليم الاهتمام، لأن الوسط الفني الفرنسي لم يتعود على مشاهدة الكثير من أعمال رسامات سعوديات مكرسات منحن الفن جل حياتهن. فالفنانة التي درست الكيمياء في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، توجهت بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية لتدرس الفنون التشكيلية وتحصل على شهادة عالية فيها من جامعة ميتشيغان. وما بين سنوات أمضتها معلمة للتربية الفنية في مدارس البنات في المملكة وبين عملها مشرفة تربوية، واصلت نجلاء السليم اشتغالها الفني وتراكم لديها رصيد طيب من الخبرات التي تضعها بين أبرز فناني جيلها.

أما عبد الرحمن السليمان، الفنان الذي مارس الكتابة والنقد التشكيلي، فقد تورط بعشق الألوان منذ أكثر من 30 عاما وأقام عشرات المعارض شرقا وغربا، وانتمى إلى تجمعات فنية في بلاده وفي العالم، وألقى المحاضرات، وشارك في الندوات والمهرجانات، وقدم برنامج «المجلة الفنية» من الإذاعة السعودية، بحيث صار اسمه يقترن بمسيرة الفنون التشكيلية المعاصرة في المملكة.

ويزدحم منهاج الملحقية الثقافية في باريس، طوال الفصل الأخير من هذا العام، بفعاليات كثيرة، منها، نهاية الشهر المقبل، تنظيم اللقاء الثاني للتعاون العلمي مع مسؤولي برنامج الدراسات الطبية والأطباء السعوديين المتدربين في فرنسا. كما تستعد الملحقية لإقامة ندوة حول القصة الشعبية السعودية، وأخرى تستعرض تجربة «أطلس المملكة» الذي أنجز بإشراف وزارة التعليم العالي. ومن المقرر أن يحضر هذه الندوة عدد من المختصين وأساتذة الجامعات الفرنسية.

وتساهم الملحقية في دعوة شخصيات عربية وفرنسية لها وزنها، إلى الدورة الثالثة للندوة الفرنسية - السعودية لحوار الحضارات، المقررة في مدينة جدة في مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل. هذا بالإضافة إلى ندوة حول مدائن صالح لعرض نتائج الأبحاث الميدانية والتعريف بالكنوز الأثرية في المملكة. كما ينظم مسؤولو الملحقية الثقافية لقاء علميا حول «نداء مكة المكرمة» الصادر عن المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، الذي كان قد دعا إليه العاهل السعودي بهدف إرساء القيم المشتركة بين الحضارات وتشجيع المؤسسات العالمية، والفرنسية بالذات، على المساهمة في هذه المبادرة.

وتبعث النقلة النوعية لنشاط الملحقية الثقافية السعودية في فرنسا مشاعر السرور والتقدير، لا سيما بعد إعادة هيكلها التنظيمي ليواكب التطور الكبير في مجالات التعليم العالي، وفقا لرؤية خادم الحرمين الشريفين الذي جعل من التعليم عامة، والتعليم العالي بالأخص، خيارا استراتيجيا لبناء المجتمع السعودي على أسس العلم والمعرفة والنمو والمنافسة الشريفة في الميادين العلمية. فقد فرض توسع برامج الابتعاث توسعا في حجم العمل الأكاديمي والإداري والتقني في الملحقية الثقافية في فرنسا واستلزم إعادة تنشيط التعاون بين الجامعات السعودية ونظيراتها الأوروبية في دول الابتعاث الخمس: فرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، والبرتغال وسويسرا.

الملحقية، تجد أمامها عملا كثيرا ومتزايدا بفعل تزايد أعداد الطلبة المبتعثين للدراسة في المعاهد والجامعات الفرنسية، عدا إشرافها على المبتعثين الدارسين في إسبانيا، وبلجيكا، وسويسرا والبرتغال. ويبلغ عدد الطلبة السعوديين في فرنسا ما يقارب 1400 طالب وطالبة (من بينهم أكثر من 240 طبيبا وطبيبة. وقد عقد الكثير من الشراكات بين المعاهد والجامعات ومراكز البحث السعودية والمؤسسات الفرنسية المتميزة في تخصصات العلوم، والطب، واللغة، والدراسات الإنسانية، والهندسة وعلومها، والتسويق وإدارة الأعمال، والعلوم السياسية والآثار. وهناك «كرسي حوار الحضارات» في جامعة «السوربون» بالشراكة مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكرسي «أخلاقيات وضوابط المالية» في «السوربون»، أيضا، بالشراكة مع جامعة الملك عبد العزيز، ونظرا لأن فرنسا أخذت تستقطب أعدادا متزايدة من الطلاب السعوديين في جامعاتها ومدارسها الكبرى، فإن من المؤمل أن يرتفع عدد الطلبة السعوديين الدارسين فيها إلى 3 آلاف، خلال السنوات القلائل المقبلة. ونظرا لمكانة فرنسا الثقافية في العالم، أنشأت وزارة التعليم العالي في المملكة العربية السعودية مشروعا للترجمة تحتضنه الملحقية الثقافية في فرنسا تحت اسم «مقاليد الترجمة». والمشروع تحت إشراف هيئة استشارية مستقلة وبرئاسة الملحق الثقافي، ومن أهدافه الاهتمام بالمؤلفات المرجعية في مجالات التخصص العلمي والتكنولوجي وترجمتها لمدّ المكتبة العربية بكل مستجدات المعرفة ونقل ما تنتجه المجتمعات المتقدمة في الثورة المعلوماتية واقتصاد المعرفة.

ضمن هذا المشروع تمت ترجمة 10 كتب صدرت عن دار «العربية للعلوم - ناشرون»، منها، على سبيل المثال، كتاب إدغار موران «إلى أين يسير العالم؟»، وكتاب «مهنة الأنتروبولوجي» لمارك أوجي، و«مستقبل العمل» للاقتصادي المعروف جاك أتالي. وفي المقابل، يسعى المشروع للتعريف بالنتاج الأدبي والفكري السعودي وتسهيل الحصول عليه في البلدان الفرانكفونية. وقد صدرت حديثا ترجمة رواية «خاتم» للروائية السعودية رجاء عالم، عن دار «أكت سود». كما صدرت عن دار «لارماتان» ترجمة لمختارات قصصية من المملكة. كما تصدر الملحقية مجلة فكرية وثقافية تحت اسم «مقاليد»، تعنى بمستجدات العلوم والآداب وتحرص على متابعة أحوال الساحة الثقافية في فرنسا والعالم العربي.