لندن تتنفس موضة وترقص على نغمات «ريترو» لربيع وصيف 2012

رغم مزاحمة نيويورك وشبح الأزمة.. انطلق أسبوعها متفائلا

TT

لا يختلف اثنان أن شهر سبتمبر (أيلول) حافل بالأحداث على جميع الأصعدة وبالنسبة للجميع. أقل ما يمكن أن يقال إنه يعني بداية عام دراسي جديد، كما بداية موسم جديد للموضة، سواء تعلق الأمر بالمجلات التي تعتبر أعدادها لهذا الشهر الأغنى والأثقل والأكثر من حيث الإعلانات والتغطيات، أو عروض الأزياء التي تبدأ دورتها الموسمية منطلقة من نيويورك إلى لندن ثم ميلانو وأخيرا وليس آخرا باريس. المثير أنه على الرغم من أن واجهات المحلات تغير حلتها وشكلها في هذا الشهر متلفحة بأزياء دافئة تخاطب الخريف والشتاء ألوانا وخامات، فإن ما تقدمه منصات العروض العالمية الآن يتوجه إلى الربيع والصيف بكل خفته ومباهجه، وتحديدا ربيع وصيف 2012.

يوم أمس انطلق أسبوع لندن بنفس جديد وروح عالية، خصوصا بعد أن بينت الإحصائيات والدراسات أنها تفوقت على نيويورك هذا العام في جذب الانتباه وحجم الأهمية. الفضل يعود إلى عرس الأمير ويليام على دوقة كامبريدج، من جهة وإلى تنامي أهمية المصمم ألكسندر ماكوين، بعد انتحاره، حيث تقام له معارض في العديد من عواصم العالم. ثم لا يمكن أن نتجاهل أهمية وجود المصمم توم فورد في العاصمة البريطانية واختياره أن يعرض فيها تشكيلته لصيف 2012، وما له من دور في تسليط المزيد من الأضواء عليها. فهذا المصمم لم يفقد لمسته الميداسية، التي أنقذت دار «غوتشي» الإيطالية في يوم من الأيام من الإفلاس بدليل نجاحاته في كل المشاريع التي خاضها لحد الآن في عالم الموضة، بدءا من طرحه مستحضرات تجميل إلى إكسسوارات أو أزياء نخبوية. صحيح أن عرضه سيكون صغيرا ويقتصر على حفنة منتقاة من الحضور، إلا أن مجرد اختياره للندن لكي يعرض فيها، يكفي لكي يحدث ضجة إيجابية. والجدير بالذكر هنا أن السباق بين العاصمتين ليس جديدا ولا يبدو أنه سيتوقف قريبا. فمنذ بضعة مواسم فقط، سببت نيويورك للندن ما يشبه الأزمة نتيجة تمديد أسبوعها بيوم إضافي، مما أدى إلى تقليص أسبوع لندن إلى خمسة أيام. ومع ذلك تجاوزت هذه الأخيرة الأزمة بسرعة بفضل استراتيجية ركزت على المواهب الصاعدة وعلى استعادة أسماء كبيرة إلى أحضانها مثل داري «بيربيري» و«برينغل» فضلا عن مصممين آخرين كانوا يعرضون إما في ميلانو أو في نيويورك. الأزمة كادت أن تصبح من خبر كان، لولا قرار المصمم النيويوركي المعروف، مارك جايكوبس تأجيل عرضه في الأسبوع الماضي إلى مساء يوم الخميس الماضي، بحجة أن عاصفة «ايرين» عطلت تنفيذ تشكيلته في الوقت المقرر مما جعله مضطرا إلى اتخاذ هذا القرار.

غني عن القول أن تأجيل عرضه إلى اليوم الأخير وفي وقت متأخر، يعني بقاء عدد لا يستهان به من وسائل الإعلام والمشترين في التفاحة الكبيرة يوما إضافيا قبل أن يشدوا الرحال إلى لندن، مما سيفقد يوم الجمعة، اليوم الأول لأسبوع لندن، قوة شرائية وإعلانية مهمة. فعرض مارك جايكوبس من أهم العروض التي تعرفها التفاحة الكبرى باعتباره من المصممين المؤثرين على الموضة، ومن أكثر من يتم تقليدهم في محلات شوارع الموضة. ليس هذا فحسب، بل هو أيضا، وحسب الإشاعات، المرشح القوي الآن لمسك زمام دار «ديور» الفرنسية وقيادتها إلى المستقبل كخليفة لجون غاليانو. فرغم أن هذا الأخير نجا من السجن بدفع مبلغ رمزي لقاء ما تفوه به من كلمات معادية للسامية في مقهى باريس في بداية العام، مما أدى إلى توقيفه عن العمل وطرده في شهر مارس (آذار) الماضي، فإنه لا أمل في عودته إلى العمل في الوقت الحالي في أي من بيوت الأزياء التي تملكها مجموعة «إل في آم آش».

بيد أنه على الرغم من كل العوائق، انطلق أسبوع لندن في الوقت الذي قررته منذ عدة أشهر، ولم يحاول أي من المصممين المراوغة لتأخير عروضهم أملا في حضور أكبر وأهم. وهذا ما يحسب للندن ولمصمميها أيضا، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما حصل في ميلانو في العام الماضي من بلبلة وتغييرات وجدل، عندما قررت أنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية أن لا تحضر الأسبوع الميلاني بالكامل. لندن في المقابل، أكدت منذ بداية تأسيس أسبوعها، أنها عاصمة التحديات، سلاحها يعتمد على مواهب شبابها وخصوبة خيالهم، لهذا انطلقت يوم أمس غير آبهة لمارك جايكوبس، ولا لشبح الأزمة الاقتصادية العالمية الذي بدأ يلوح في الأفق من جديد، بل متفائلة بأنها أقوى من أي وقت مضى. فتأثير دوقة كامبريدج لا بد وأن يساعدها على الرغم من أنه من السابق لأوانه القول إنها أيقونة موضة. فهي لحد الآن تتبع الموضة ولا تؤثر عليها، لكن مع ذلك فإن قوة تأثيرها انبعثت من نيويورك في الأسبوع الماضي، من خلال بعض المصممين، من أمثال تومي هيلفيغر، الذي أعاد إلينا المظهر الكلاسيكي الأنيق بتنسيق حقيبة اليد مع الحذاء، مثلا، ولا بد أن يصل إلى العاصمة. المهم أن لندن ستعيش ستة أيام من يوم الجمعة إلى يوم الأربعاء، إذا حسبنا أن يوم الأربعاء أصبح مخصصا للموضة الرجالية، وتقدم فيها أجمل ما جادت به قريحة، أو بالأحرى مقصات، نجومها البالغ عددهم أكثر من 100 مصمم ما بين مشارك في البرنامج الرسمي أو خارجه، أو مشارك في المعرض التابع للأسبوع، الذي تحتضنه «سومرست هاوس» المقر الرسمي للأسبوع.

كالعادة افتتح المصمم الآيرلندي الأصل، بول كوستيلو، الأسبوع عند الساعة التاسعة صباحا في «سومرست هاوس». كل ما في التشكيلة كان يصرخ بالأناقة الأنثوية لكن بلمسة باريسية بنكهة «ريترو»، خصوصا فيما يتعلق بالفساتين القصيرة، التي تستحضر الستينات من القرن الماضي، منسدلة كانت أو مفصلة. في البداية أرسل مجموعة ناعمة بألوان هادئة مثل الرمادي والأبيض السكري، تلاها بمجموعة تتراقص بألوان قوس قزح، مثل الوردي، الأزرق السماوي، الأخضر والذهبي. طول الفساتين أيضا تراوح بين القصير وبين طول الـ«ميدي» الذي يجلس عند نصف الساق، فيما ركز أكثر على الياقات التي كانت أكثر درامية والأزرار الضخمة والأكمام المنفوخة. لكن الإحساس الغالب في هذه التشكيلة بقاء المصمم وفيا فيها لأسلوبه، إذ لم يقدم جديدا بمعنى الابتكار بشكل مقصود. فهو، على ما يبدو، يعرف سوقه جيدا، بالنظر إلى عدد الحضور من المشترين من كل أنحاء العالم الذين كانوا متحفزين ومتحمسين رغم أن العرض كان مبكرا.

أما كارولاين تشارلز، فاتجهت بأنظارها إلى الريفييرا الفرنسية وعانقت ألوان البحر مثل الأزرق والأبيض، مع تركيزها على خطوط أنيقة خصوصا في فساتين المساء والسهرة، ابتعدت فيها عن شد الجسم، بحيث كانت أغلبية القطع مريحة وتتيح الحركة. لكن كان هناك أيضا تركيز على التفصيل الذي تجلى في تايورات ببنطلونات واسعة وجاكيتات قصيرة، حاولت أن تدخل عليها خفة وانطلاق من خلال قبعات القش التي زينت رؤوس معظم العارضات. فمثل بول كوستيلو، اختارت المصممة المخضرمة أن تتجاهل الموضة الحداثية، بما في ذلك الاستعانة ببرامج الكومبيوتر وغيرها، وأن تلتزم بأسلوب أتقنته منذ دخولها مجال التصميم، مثل النقوشات والتطريزات اليدوية والتفصيل المريح. الثنائي باسو أند بروك، في المقابل، خرج عن المألوف وما كان متوقعا، ولم يتحفنا بأقمشة مرسومة وكأنها لوحات فنية كعادته، بل اختار هذه المرة الرسم على الخطوط التي جاءت أكثر إتحافا وابتكارا على خلفية ألوان قوية لكن سادة.

* يتوقع أن يدر الأسبوع ما لا يقل عن 100 مليون جنيه استرليني على العاصمة

* افتتح الأسبوع عمدة لندن بوريس جونسون

* إلى جانب عرض توم فورد و«بيربيري» و«إيسا» وغيرهم ممن سيستقطبون نجوما ووسائل إعلام من العيار الثقيل، فإن قوة لندن تكمن في شبابها وابتكارها. لهذا سنتوقع عروضا ساخنة ومثيرة من أمثال الماركة البريطانية «إيروين أند جوردان» كذلك من جوناثان سوندرز الذي فاز بلقب مصمم العام، والذي لم يخيب الآمال فيه إلى حد الآن، سواء تعلق الأمر بتلاعبه بالنقوشات أو بالألوان. طبعا سيكون للمخضرمين دور كبير بدءا من السير بول سميث وتايوراته المفصلة ولمساته المستوحاة من الريف البريطاني أو فن البوب آرت، إلى المتمردة فيفيان ويستوود وخطها «ريد» بطياته وشطحاته، مرورا بنيكول فارحي، جون روشا، ماريا غراشفول، أماندا وايكلي، إيرديم، كريستوفر كاين وهلم جرا.