متميز في صناعة الفخار والخزف

الأجانب كان لهم فضل دفع المغاربة لإعادة «اكتشاف» صناعتهم التقليدية من جديد

TT

على هامش «أسبوع الصناعة التقليدية» الذي اختتم الأحد الماضي في مراكش، نظم المعرض الوطني للفخار والخزف، بمشاركة 50 عارضا، يمثلون مدن أكادير وسلا والرباط ومكناس وآسفي والعرائش والحسيمة وتطوان وورزازات ومراكش، قدموا تشكيلات متنوعة من المصنوعات الفخارية والخزفية عكست التنوع في هذا المجال. كما تضمن البرنامج معرضا لأعمال أبرز الصانعين في الصناعة التقليدية، الذين يطلق عليهم اسم «كبار المعلمين». وأقيمت أيضا معارض إقليمية، وأيام أبواب مفتوحة لمؤسسات التدريب المهني، ومعرضا للمنتوجات التي تتنافس لنيل الجائزة الوطنية لأمهر الصناع. وقال أحمد السرغيني، مسؤول المعرض، لـ«الشرق الأوسط»، إن الهدف من الصالون هو تهيئة فرصة للمهنيين والحرفيين للقاء، وذلك بما يمكن من خلق جو من المنافسة بينهم على مستوى الخلق والإبداع. وتحدث السرغيني عن التطور الذي يعرفه قطاع الصناعة التقليدية، مبرزا أن تطور الحرفة تطلب تطورا في طرق الترويج والتسويق، مشيرا إلى أن تنظيم صالونات خاصة بحرفة محددة، يهدف لإبراز قيمة كل منتوج على حدة، وبالتالي فإذا كانت الرباط قد احتضنت السنة الماضية معرضا للزرابي (السجاد) فإن معرض مراكش لهذه السنة ركز على الفخار والخزف. ويعتقد السرغيني أن التظاهرة تشكل فرصة حقيقية لإبراز مهارة الصانع التقليدي المغربي وفرصة لاكتشاف آخر المستجدات التقنية والفنية في مجال صناعة الفخار والخزف، وقال إن المعرض فرصة أمام الصانع التقليدي كي يعرف بمنتوجه ويربط علاقات تجارية بشكل مباشر مع الزبناء. وأشار إلى أن التنويع الذي يميز معروضات الفخار والخزف، والتطور الذي وصله، منوها بالظروف الملائمة التي توفرت للقطاع، الشيء الذي أتاح المزيد من الابتكار والتطوير والتسويق.

من جهته، اقترح نبيل سرغيني، أحد العارضين من مدينة أسفي إلى التفكير في توقيت ملائم لتنظيم التظاهرات المقبلة، بشكل يمكن الجمهور والمهتمين من زيارة المعرض والاستفادة من مزاياه. من جهته، قال رياض صفاء، أحد العارضين من مراكش، إن «الآباء كان لهم طموح وحلم ترويج وتصدير المنتوج التقليدي والتعريف به، وهو حلم نراه يتحقق، ويبقى طموحنا، نحن، اليوم، كأبناء، أن نضيف شيئا آخر إلى ما تركه وحلم به الآباء، غير أن حلمنا الأكبر هو أن ننتج مصنوعات فخارية وخزفية مغربية خالصة، دون أن نكون مضطرين إلى استيراد مواد تدخل في صناعتها، مثل الطلاء الزجاجي والألوان والأفران الغازية».

ولعل من المفارقات التي يمكن التوقف عندها كثيرا أن الأجانب، سواء كانوا سياحا أو مقيمين، هم من كان لهم فضل دفع المغاربة إلى إعادة «اكتشاف» صناعتهم التقليدية من جديد.

وصار الأجانب يحرصون على تزيين إقاماتهم، سواء كانت فيلات أو شققا أو دورا قديمة أعيد ترميمها من جديد، بديكورات من الصناعات التقليدية المغربية، بحيث يوحد الأثاث التقليدي شكل وجمالية البيت، سواء عبر الفناء أو الصالون التقليدي أو غرف النوم أو المطبخ والحمام البلدي، أو عبر لوحات تشكيلية، غالبا ما تعيد رسم معالم بعض المدن بالريشة وزيت الصباغة، وذلك حتى تأتي متناسقة مع المشهد العام للمسكن، وبالتالي مع باقي قطع الأثاث والإكسسوارات، التي يحيل تناسقها إلى رؤية معينة للديكور، كل هذا في علاقة مع الفسيفساء والرخام والسجاد التقليدي وأضواء الفوانيس.

من جانبهم، يبدو كثير من المغاربة، ممن جذبهم، في السابق، بريق عمارة الغرب وأشكال ديكوره وأثاثه، كما لو أنهم كانوا في حاجة إلى الأجانب لكي يتذكروا ما يوفره لهم تاريخ وحضارة بلدهم من غنى وسحر في العمارة، ولكي يعيدوا اكتشاف صناعة تقليدية صار يقبل عليها الأجانب بشكل لافت. ولذلك كان مدعاة لتعجب واستغراب الأجانب، أن يترك المغاربة ما توفره الصناعة التقليدية من مصنوعات فخارية وخزفية وجلدية وستائر وكراس وأرائك وسجاد، ويقبلوا على مصنوعات من الخارج.

ويقر محمد السعيد بن امشيش، وهو صانع تقليدي من مراكش، بالفضل الذي كان للأجانب على مستوى إعادة الاعتبار للصناعة التقليدية بمراكش، الشيء الذي شجع الصانع التقليدي المغربي ودفعه إلى تطوير منتوجاته. ويشير بن امشيش إلى أن هذا الواقع الجديد جعله يدمج الفن في الصناعة التقليدية، من جهة توظيف الخط العربي أو الرسم، مما يعني أن الصناعة التقليدية صارت تتطور عبر إضافات ولمسات فنية تلبي رغبات المعجبين، فضلا عن أنها صارت تخرج من أسواقها المعتادة لتقترب أكثر من عشاقها، سواء في مدن المغرب أو في الخارج، من خلال المعارض التي صارت تنظم بانتظام. وتحمل حالة الانتعاش التي تعرفها الصناعة التقليدية المغربية، على مستوى الحفاظ على أصالة المصنوعات، أكثر من معنى وإفادة، فهي من جهة تجعل ابن البلد مرتاحا وقانعا ومفتخرا بماضيه وغنى حضارته، فضلا عن أنها تمنح الزائر أو الأجنبي، خصوصا القادم من مدن الحضارة الغربية بعمارتها وديكورها الخاص والمختلف، فرصة اكتشاف أشكال جديدة للعمارة والبناء والديكور. ونظرا للقيمة التي صارت للصناعة التقليدية، سواء على مستوى الرواج الاقتصادي أو الترويج لصورة المغرب، سياحيا وثقافيا، فقد صارت تنظم تظاهرات متخصصة تعرف إقبالا كبيرا من طرف المغاربة والأجانب. وهو ما لوحظ خلال معرض الفخار والخزف.