لندن تحتفي ببيوتها العريقة وشبابها المتوثب بالورود والألوان

من خلال عروض دور مالبوري وبول سميث وماثيو ويليامسون

TT

لندن أكدت هذا الأسبوع أنها لم تعد تعني مصممين تدفعهم فورة الشباب إلى الشطح بخيالهم بعيدا عن الواقع، بل تعني أيضا أنها تضم بين جوانحها العديد من بيوت الأزياء العريقة، مثل «يايغر» التي تأسست منذ نحو 127 عاما فضلا عن «برينغل»، بيربيري» و«مالبوري». فقد تكون لندن تشتهر بأنها أكثر من يفرخ المصممين الشباب وتمنحهم الفرص للتحليق عالميا، لكن ما توضح أخيرا أنها تعتمد بنفس القدر على بيوتها الإنجليزية الهوية لتحقق التوازن بين الجديد والمبتكر وما هو متوارث من تقاليد وتاريخ تعتز به وتطوره ليواكب الزمن. هذا التنوع هو ما أصبح يضفي على أسبوعها الكثير من القيمة والبريق. فمنذ عودة كل من «برينغل» و«بيربيري» إلى أحضانها بعد هجرة دامت بضع سنوات، وهي تزداد قوة موسما بعد موسم. فغني عن القول أنها مركز تجاري مهم في الوقت الحالي يتسابق المصممون العالميون لافتتاح محلات ضخمة فيه، مثل روبرتو كافالي الذي افتتح محلا في منطقة «سلوان سكوير» أول من أمس، كذلك المصممة ماريا غراشفوغل، بل إن توم فورد اختارها لعرض خطه النسائي الجديد عدا عن لائحة طويلة من المصممين الأميركيين الذين أصبحت لهم محلات ضخمة فيها. ولا شك أن الفائدة عمت على الجهتين، فبيوت الأزياء البريطانية الأصل، زادت تألقا بحكم أنه ليس هناك من ينافسها مقارنة بميلانو أو باريس أو نيويورك، لا من ناحية الإرث والإمكانات، فيما زاد رصيد أسبوع لندن وارتفعت أسهمه عالميا منذ عودة هؤلاء البيوت إلى أحضانه. صباح يوم الأحد كان أكبر شاهد على هذا الأمر، ففيه قدمت دار «مالبوري» عرضين في فندق «كلاريدجز»، حتى يتمكن أكبر عدد من الناس من حضورهما. أما الوجهة التي صوبت المصممة إيما هيل أنظارها إليها فكانت شاطئ البحر بكل ما يعنيه من ألعاب وملاهي وأضواء وبوظة وحلويات، حيث تحول مدخل الفندق إلى ما يشبه السيرك أو مدينة ملاهٍ، تزينه الحيوانات المصنوعة من البلاستيك والتي أعادت إلى أذهان الأغلبية أيام الطفولة والصبا وعربات «فينتاج» لتقديم البوظة والعصائر المحلاة بشكل لا يراعي الرجيم ولا السعرات الحرارية، ومع ذلك استحلتها الأنيقات وكأنهن تحت سحر الديكور والموسيقى والمكان عدن فعلا إلى الطفولة. ويبدو أن العودة إلى الماضي كانت أيضا الفكرة التي انطلقت منها مصممة الدار، إيما هيل، حيث تميزت التشكيلة بنكهة إنجليزية «ريترو» من الستينات، جعلت الكل يحن إلى الصيف مرة أخرى بألوانه المتوهجة والحية وتصاميمه المنسابة وأقمشته الخفيفة، التي تنوعت بشكل كبير مع حضور قوي للتول الخفيف الذي لعب دور ستارة تغطي أقمشة أخرى في تلاعب حيوي بين الشفاف والسميك. إيما هيل، بريطانية، لهذا فهي تعرف أن الصيف البريطاني غير مضمون، وبالتالي إذا كانت الرحلة الصيفية إلى أحد شواطئ «برايتون» أو «كورنوول» أو مناطق أخرى من هذه الجزيرة، فإن أحوال الطقس متقلبة، لهذا نسقت الفساتين الخفيفة بجاكيتات أو معاطف قصيرة بعضها بقلنسوات، وبعضها قصير على شكل «بوليرو»، مع جوارب من الصوف. ولأن «مالبوري» مثل «لوي فيتون» و«هيرميس» الفرنسيتين بدأت بصناعة الجلود، فإن المصممة لم تنس أن حقائب اليد الجلدية هي الدجاجة التي تبيض لها ذهبا، خصوصا أنها حققت لها أرباحا عالية حتى عندما كانت الأزمة المالية التي اجتاحت العالم وأطاحت ببعض المصممين، في أوجها، لهذا أرسلت مجموعة لا بد أن تحقق لها المزيد من النجاحات، بالنظر إلى أعين الحاضرات التي كانت لا تعرف أين تنظر هل للأزياء التي تقطر بحلاوة البوظة وألوانها أم الحقائب التي يمكن أن تحمل أي زي إلى مرحلة أخرى من الأناقة.

بول سميث، بريطاني إلى العظم، وهذا ما يجعله متميزا في العالم أجمع، وفي عرضه لربيع وصيف 2012 قدم ما يميزه ويجعله متفوقا على الكل: التفصيل الرجالي المؤنث. فرغم أن هذه الموضة ظهرت منذ بضعة مواسم، فإن المصمم المخضرم نجح في حقنها بجرعة إضافية من الحيوية والابتكار. فعارضته الأولى ظهرت بتوكسيدو أبيض وشعر مسترسل بمشية توحي بأن الزمن توقف وليس هناك ما يستدعي السرعة أو القلق. ثم توالت القطع المفصلة من بنطلونات وجاكيتات وقمصان مستوحاة من خزانة الرجل، لكن كل ما فيه ينبض بالأنوثة، خصوصا أن الألوان والنقوشات والأقمشة كانت ناعمة حقا. صحيح أنه قدم مجموعة من الفساتين المنسابة والبنطلونات على شكل بيجامات واسعة مربوطة عند الخصر، إلا أن ما بقي محفورا في البال، وما سجلته الحاضرات في ذاكرتهن ليكون أول ما يشترينه في الموسم القادم هو تلك القطع المفصلة والقمصان التي لا بد أن تغني خزانة أي امرأة تريد أزياء تجمع بين الأناقة والعملية بشكل لا يستدعي الكثير من التفكير. فالتفكير قام به المصمم عنها، وكل ما عليها هو أن تعانقها. طبعا لا يمكن أن تكتمل الإطلالة من دون أحذية رجالية ومريحة من دون كعوب تقريبا أو بكعوب عريضة بعضها أيضا كان متوهجا بالألوان أو بنقوشات النمر.

نيكول فارحي، رغم أنها فرنسية الأصل، فإنها تشبعت بالثقافة الإنجليزية بحكم عيشها فيها لسنوات طويلة، إذ ستحتفل بعامها الثلاثين في عالم التصميم عما قريب. ويبدو أنها أرادت أن تحتفل بالمناسبة بالورد والياسمين. فقد زرعت على الفساتين والتنورات باقات ورد بألوان متوهجة جعلت بعضها يبدو وكأنه حديقة غناء، بل حتى بعض التصاميم أخذت شكل زهرة التوليب بانتفاخها واستدارتها، وإن كانت غير مبالغ فيها. بعد العرض قالت المصممة إنها استمتعت بتصميم هذه التشكيلة أكثر من أي وقت مضى، لأنها خفيفة ومرحة وهو الأمر الذي لم تقم به من قبل. وأضافت: «لقد أردت أن استعمل الأزهار لكني لم أرد أن تكون رومانسية، بل عصرية اقرب إلى الـ(سبور)». ورغم أنها حققت ما أرادته من ابتعاد عن الرومانسية فإن البعض قد يشكك في أن تكون «سبور» باستثناء بعض «الشورتات» والبنطلونات المنقوشة، أما باقي القطع فكانت مفصلة بشكل يحاكي الـ«هوت كوتير» إن صح القول، بدءا من فساتين «الإمباير» أو الناعمة للنهار أو المنسدلة والطويلة للمساء.

المعروف عن البريطاني ماثيو ويليامسون، الذي عاد إلى لندن منذ بضع سنوات، عشقه للتطريزات الشرقية والألوان المتوهجة، لهذا لم تخرج تشكيلته للموسمين القادمين عن المألوف من هذه الناحية على الأقل. فقد أرسل مجموعة مطرزة كانت ستنافس الـ«ساري» الهندي لولا تصميمها العصري الذي يخاطب فتيات المجتمع المخملي وحفلاتهن التي لا تنتهي. نعم قدم مجموعة من البنطلونات الضيقة بأقمشة ونقوشات ناعمة، لكنه أسهب في تقديم مجموعة من الفساتين التي تخاطب فتياته المخمليات، طويلة بعضها بفتحات جانبية وبعضها الآخر مطرز بالأحجار أو مزين بالريش، بل حتى الأحذية كانت عالية ومطرزة، قال المصمم إنها ثمرة تعاون بينه وبين المصممة شارلوت أوليمبيا.