مصممو لندن يستعرضون فن الرحلات ويدخلونك عالمهم من باب التكنولوجيا

بيتر بيلوتو يتوجه إلى إندونيسيا و«برينغل» لإرثها و«بيربيري» إلى أفريقيا

TT

يوم الاثنين الماضي تسارع إيقاع أسبوع لندن لربيع وصيف 2012، إبداعا وبريقا. الإبداع بفضل مصمميها والبريق من خلال النجوم الذين حطوا الرحال فيها، بدءا من كيني ويست والممثلة روزاريو دوسن، إلى نجمات وفتيات المجتمع المخملي البريطاني، من دون أن ننسى، سامنثا، زوجة رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، وناتالي ماسيني، مؤسسة موقع «نيت أبورتيه دوت كوم» وبيبا ميدلتون، أخت دوقة كامبريدج، التي فاجأت الجميع بحضور عرض أليس تامبرلي في المتحف البريطاني الساعة الثمانية والنصف مساء. وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا اليوم أنه كان حافلا منذ بدايته، بغض النظر عن الأماكن التي أقيمت فيها العروض. الموعد الأول كان في محطة «ووترلو» على الساعة التاسعة صباحا مع الثنائي «بيتر بيلوتو» الخط المكون من بيتر بيلوتو وكريستوف دي فوز، والذي أصبح من العروض التي لا يكتمل أسبوع لندن من دونها نظرا لإبداع المصممين الشابين في رسم نقوشات ديجيتال على الأقمشة إضافة إلى خطوطهما الهندسية التي تضفي على المرأة الكثير من العصرية من دون أن تفقدها أنوثتها، علما أن كلا من ميشيل أوباما، سيدة البيت الأبيض وسامنثا كاميرون من المعجبات بالماركة فضلا عن العديد من النجمات. في موسمهما السادس في لندن، قدم الثنائي تشكيلة يمكن لأي امرأة، بغض النظر عن أسلوبها، أن ترى نفسها فيها. فقد تميزت بالعملية والأناقة والسهولة والتميز، وكالعادة كانت فيها الفساتين هي السيد، بعضها ينتفخ بعد الخصر على شكل تنورات مستديرة في غاية الرومانسية والبعض الأخير بتنورات مستقيمة لكن بتفاصيل مبتكرة على شكل طيات أو فتحات. ولكي يخففا من أي رسمية يمكن أن تشوبها، أضفيا عليها أيضا سحابات وأكماما مبتكرة. إلى جانب الفساتين، كانت هناك تنورات مستقيمة وقمصان حريرية يمكن لسيدات الأعمال تبنيها خلال لقاءات العمل. أما بالنسبة لنقوشاتها وألوانها، فقد شرح المصممان أنهما استوحياها من رحلة قاما بها مؤخرا إلى إندونيسيا، التي سحرتهما بطبيعتها الخلابة وألوان شواطئها أدغالها، الأمر الذي ترجماه في أوراق شجر مائلة بعض الشيء وورود وتطريزات يدوية. وغني عن القول أن الألوان أيضا كانت تعكس الأجواء الاستوائية التي غرفا منها، من مرجاني وأصفر وفيروزي ووردي واخضر.

عرض المصمم كريستوفر كاين، مدلل الموضة البريطانية حاليا، استقطب بدوره شخصيات مهمة، مثل آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية وسامنثا كاميرون ولفيف من النجمات، ولم يخيب آمالهن فيه. فقد قدم تشكيلة مطرزة وبراقة كان للجلد مكان لا يستهان به فيها من خلال تنورات قصيرة و«شورتات» إلى جانب فساتين قصيرة بتفاصيل أوريغامي واضحة ومتقنة نقوشات على شكل ورود. رغم أن المصمم أراد أن يعطي الانطباع أنها لفتاة شابة ولمناسبات الإجازات، خصوصا أنه نسقها مع صنادل على شكل نعال، إلا أنها يمكن أن تليق بحفلات كوكتيل بالنظر إلى تصميمها وتفصيلها. من جهتها قدمت دار «برينغل» أول تشكيلة نسائية يصممها لها أليستر كار. فهذا الأخير التحق بها في شهر مارس (آذار) الماضي فقط قادما من باريس، وتحديدا من دار «بالنسياغا». ولحسن الحظ لم يؤثر عمله مع «بالنسياغا» على التشكيلة أول من أمس، لأنه احترم الإرث الإنجليزي الذي تزخر به «برينغل» والذي يعود إلى نحو 200 عاما، مما يفسر لمحات من بعض أيقوناتها مثل النقوشات المربعة والمتداخلة والكنزات المزدوجة، التي كان بعضها مفتوحا بأزرار أمامية وأخرى مفتوحة من الخلف بشكل عصري وجديد، إلى جانب فساتين وقطع منفصلة نسقها على شكل طبقات متعددة تحسبا لأي تغير في أحوال الطقس. الخطوط العامة كانت في الغالب غير معقدة وبسيطة تناسقت فيها ألوان مثل الأصفر والفيروزي أو الوردي مع الرمادي، ويبدو أن الفكرة منها جس النبض ومخاطبة شرائح أكبر من الزبائن. الممثلة تيلدا سوينتون، وجه «برينغل» التي تابعت العرض باهتمام، لخصت ما جاء فيه بقولها إن اليستير كار قام بعمل رائع نجح فيه، وحقن الكثير من القطع الأيقونية بدم جديد وعصري.

لكن طوال اليوم، إن لم نقل طوال الأسبوع، كانت الأنظار متشوقة لمشاهدة ما ستجود به قريحة المصمم كريستوفر بايلي لدار «بيربيري». فهي الدار التي تتمتع بأكبر الإمكانات المادية، وبالتالي تنظم عروضا تشد الأنفاس وتضاهي تلك التي تنظمها كبريات بيوت الأزياء في ميلانو وباريس أو نيويورك منذ عودتها للعرض في لندن. مصممها كريستوفر بايلي لم ينجح فقط في إحياء إرث دار «بيربيري» منذ التحاقه به منذ نحو عشر سنوات، بل نجح أيضا في حملها إلى الألفية من خلال التكنولوجيا بشكل يحسده عليه كثيرون. فما يحسب له أنه أدخل الدار البريطانية العريقة عالم «تويتر» و«فيس بوك» وغيرهما من تقنيات التواصل الاجتماعي، محققا سبقا وضربة معلم من الناحية التسويقية، خصوصا أنه أتاح هذه المرة للناس مشاهدة الأزياء على العارضات عبر «تويتر» حتى قبل آنا وينتور والسير فيليب غرين صاحب محلات «توب شوب» وغيرهما من الحضور. وعلاقة المصمم بالتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي ليست جديدة، فمنذ موسمين، قدم عرضا ثلاثي الأبعاد تم نقله مباشرة إلى عدة عواصم عالمية مثل نيويورك، باريس، دبي، طوكيو ولوس أنجليس. نجحت الفكرة وكانت النتيجة ارتفاع المبيعات بنسبة 60% عبر الإنترنت، مما شجع الدار على تطوير الفكرة واللجوء إلى البث المباشر الثنائي الأبعاد على الإنترنت بصفة دائمة. لكن هذه المرة لم يقتصر على بضع عواصم، بل على كل مهتم بالموضة في العالم، في دمقرطة واضحة لعروض الأزياء التي كانت حكرا على شريحة معينة من الزبونات في الماضي، وإلى عهد قريب على قلة من وسائل الإعلام. بعبارة أخرى، ما قام به كريستوفر بايلي أنه سهل الأمور على العديد من الناس بتقديم دعوة عامة لحضور عرضه من دون مغادرة البيت وتكبد عناء التنقل والتفكير فيما يمكن ارتداؤه من أزياء أنيقة وأحذية تناطح السحاب بكعوبها. ومع ذلك لا يمكن أن ننسى أننا هنا نتكلم عن صناعة، وبالتالي من السذاجة القول إن الدمقرطة هي الدافع الوحيد الذي تفكر فيه الدار، فالجانب التسويقي والتجاري في نفس الأهمية، بدليل أنها فتحت المجال أمام المعجبين بشراء ما يروق لهم مباشرة على الإنترنت عوض الانتظار ستة أشهر لوصول المنتج إلى المحلات، كما جرت العادة في السابق.

لكن ماذا عن عرضه لربيع وصيف 2012؟ في الحقيقة لم يكن له علاقة بالربيع والصيف. فقد بدأ العرض بقطع صوفية ودرجات غامقة من البرقوقي والبني، مما لا يترك أي شك بأن كريستوفر لا يتوقع صيفا ساخنا على الإطلاق. ثم جاء دور تنورات عالية الخصر وتغطي الركبة مع كنزات ضيقة مزينة بأصداف كبيرة الحجم. وكأن الكنزات لا تكفي لمنح الدفء، أضاف إليها جاكيتات أو معاطف قصيرة بقلنسوات بحواشي من الصوف، اتبعها بمعاطف يشفع لها أنها في غاية الأناقة ويمكن أن تليق بمناسبات سهرة. الأقمشة كانت في المجموعة الأولى أيضا أقرب إلى العملية منها إلى أزياء للمناسبات المهمة كما عودنا المصمم في خطه الراقي «برورسم». لكن لحسن الحظ أن المجموعة التي ضمت فساتين كانت أحلى وأخف من حيث نوعية الأقمشة والقصات ذات الطيات المبتكرة التي تلف الجسم وتمنحه رشاقة وحرية حركة، وإن بقيت الألوان والنقوشات المستوحاة من أفريقيا غامقة لا تشرح النفس كثيرا، خصوصا أنها عكست سماء لندن التي تغيرت إلى رمادية على الساعة الرابعة، قبل بدء العرض بدقائق. كان واضحا أن الرحلة كانت أفريقية، من خلال الألوان والنقوشات وأيضا الأصداف والأخشاب التي زينت بعضها، كما كان واضحا أن المصمم أراد في التشكيلة الاحتفال بحرفية الدار، وهذا ما نجح فيه إلى حد كبير. لكن تبقى حقائب اليد في المقابل عالمية، متنوعة وشهية، كذلك المعاطف الممطرة التي يتقنها بايلي ويشعل الرغبة فيها في كل المواسم. ويبدو أن كريستوفر يعرف ذلك تماما إذ ترك الأجمل إلى الآخر معطف مفصل على الجسم مخطط بالأسود والأصفر المستردي.